سياسات الحكومية المحروقة


يحظى الفيسبوك بشعبية في الأردن كما في أي مكان آخر في العالم. وهو منبر مهم يمكن من خلاله قياس واختبار المزاج والتيارات الشعبية. ومع ذلك فهو ليس جزءاً متجذراً في الثقافة الشعبية الأوسع في البلد، رغم أن شعبيته تثير الدهشة. والتويتر واليوتيوب وغوغل ومحطات التواصل الاجتماعي الإلكتروني الأخرى ذات حضور قوي أيضاً بين عدد لا بأس به من الأردنيين.

وأحد الأسباب وراء شعبية مواقع التواصل الاجتماعي هو أنها تسمح لأي شخص بالتحرك والاتصال بسهولة وقوة في عالم الواقع الافتراضي. والحركة والاتصال مع الآخرين هما حاجة بشرية وطاقة اجتماعية.

أداة أخرى لقياس المزاج العام في الأردن والتحكم به هي محطات الوقود. فالوقود ليس مجرّد مصدر للطاقة. إنه جزء متأصل في حياتنا اليومية ويزوّدنا بالقوة على الحركة والتواصل.

ومثل محطات التواصل الاجتماعي، تحظى محطات الوقود بشعبية في كل مكان ويزورها يومياً عدد كبير جداً من البشر. لكنها في الأردن ذات نكهة حكومية. فكلّ حكومة جديدة تبدأ أعمالها بسياسات أو إجراءات ذات "مركزية وقودية" في محاولة لتحسين الاقتصاد المتعثر في البلاد.

كل ارتفاع في أسعار الوقود يعني حركة أقل للناس. والحركة الأقل في هذه الحالة تعني تواصلاً وحراكاً اجتماعياً أقل، وهذا أمر مضاد للبشر. فالحقيقة التي لا خلاف حولها هي أن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته. ولهذا تحتاج حكوماتنا إلى التحوّل نحو إجراءات وسياسات ذات مركزية إنسانية إن أرادت أن تنجح في بناء اقتصاد قوي.

الكلمة العربية المُستخدمة عادةً في الأردن للإشارة إلى أنواع الوقود هي "المحروقات". والمحروقات تعني حرفياً المواد التي تحترق. وبينما تقوم محركات السيارات والمركبات الأخرى بحرق هذه المواد لكي تعمل وتجعل الناس يتحركون ويتواصلون بسرعة في انشغالاتهم اليومية، إلا أن المحركات الاجتماعية لا تعمل بواسطة "السياسات المحروقة". إنها تحتاج إجراءات إنسانية تستند إلى الصالح العام حتى تستمر في الحركة والدوران.

ليس الأمر متعلقاً بالواقع الافتراضي مقابل العالم الحقيقي كما قد يُفهم من هذه السطور. فالحكومات بشكل عام مسؤولة عن تسهيل حركة الأموال والبضائع والبشر، داخلياً وعبر الحدود. ويقع ضمن إطار مسؤولياتها أيضاً تسهيل حركة العوامل الإنسانية والاجتماعية. فعرقلة هذه العوامل، مهما كانت الأسباب، لا تساهم بشكل إيجابي في العمليات الطويلة والصعبة للإصلاح.

على العكس من ذلك، فإن استدامة أساليب متناغمة من أجل تشغيل المحركات الاجتماعية من قبل الحكومات يضيف إلى خير ورفاه الناس والاقتصاد والدولة. إنه من مصلحة الحكومة أن تخفف الضغط الاقتصادي عن المكونات الاجتماعية للدولة.

لربما أكون منظّرا في هذا السياق، أو أنني لست قريباً بما فيه الكفاية من آليات تشغيل المحرّكات الحكومية في الأردن. لكن المنطق البسيط والسليم في هذا الخصوص يقول أن عدم وجود سياسات استراتيجية مدروسة ومصممة بعناية سوف يفاقم من جميع أنواع العلل الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.

لا تحتاج الأوقات الصعبة إلى قرارات صعبة، وإنما تحتاج إلى قرارات استراتيجية. والتحوّل من الإجراءات الحكومية ذات "المركزية الوقودية" إلى الاستراتيجيات ذات "المركزية الإنسانية" هو خطوة أولى على طريق الخير والرفاه الإنساني الناتج عن الحركة والتواصل الاجتماعي الحقيقي والافتراضي.

* إعلامي وباحث في شؤون الأديان والثقافات



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات