هل الشعب الاردني فاسد؟


الفساد في البلاد ليس نبتة شيطانية ظهرت فجأة بين النباتات في مزرعتنا الجميلة، وإنما للفساد جذور قديمة وأصحابها ليسوا قليلين، ورعاته يرعونه ويسقونه بالماء الحلو وليس الصليبي، ويجددون له التربة، ويغيرون له السماد، كلما شعروا أن نبتتهم آيلة للذبول والهلاك, فإذا كنا نعترف ونقر بأن قضايا الفساد في البلاد ليست وليدة اليوم، ولا هي من صنع حكومة واحدة، إنما القضية نمت وترعرعت وانتشرت بشكل لا مثيل له، بحيث غطت نبتتها معظم مساحات مزرعتنا التي كانت جميلة وكانت مضرب الأمثال، حيث كان القريبون والبعيدون يزورونها ويتمتعون بجمالها ويستظلون بأشجارها الوارفة، ويتمنون أن يكون لديهم نصف أو ربع مثل هذه الجنان الغناء، والطيور تغرد على أغصان أشجارها، والبلابل تصدح بألحانها والعصافير تزقزق في مهرجانها.
ما الذي أصابنا، ولماذا انتكسنا ورجعنا القهقرى إلى الخلف، حتى غطت النباتات الشيطانية كل حوض في البستان، وكل مرفق في الميدان، وصارت تجري في الدم والشريان، وتنذر بكارثة وأعاصير وخراب البلدان؟ الرد على هذه التساؤلات لا شك أنه مسؤولية الحكومة وأصحاب القرار، الذي لا نستطيع إعفاءهم وتبرئتهم، مهما اجتهدنا ومهما حاولنا تلوين الألوان.
إن كثيرين يؤيدون المقولة (كما تكونون يولى عليكم)،لأن الشعب هو الذي اختار النواب وصوت لهم، وأوصلهم إلى قبة البرلمان, فالمواطن الذي ينتخب مرشحا فاسدا، وهو يعلم انه فاسد، ولكنه ينتخبه لأنه قريبه أو صديقه، هو فاسد, المواطن الذي ينتخب فلانا، لأنه سيوظف ابنه الحاصل على درجة مقبول، بدلا من الحاصل على درجة امتياز، مواطن فاسد, المواطن الذي انتخب فلانا، ليتوسط له في ترقيته الوظيفية، بدلا من مواطن آخر يستحق الترقية، هو مواطن فاسد, وهكذا كل من ينتخب شخصا من اجل مصلحة شخصية هو مواطن فاسد، لأنه لم يأبه بالمصلحة الوطنية ومصلحة الأردن ، واضعا مصلحته الشخصية فوق مصلحة الوطن، فهو فاسد, ونتيجة هذا الفساد المواطني هيأ مجلس امة فاسد، وحكومة فاسدة, لان المجلس الفاسد لا يستطيع محاسبة الحكومة, ومراقبتها وتصحيح اعوجاجها، والدليل أن كل المحاولات التي جرت من قبل بعض أعضاء مجلس الأمة لمحاسبة الحكومة سقطت جميعها، لان الأكثرية الفاسدة التي انتخبها الشعب وقفت ضد الأقلية المخلصة في مجلس الأمة، والسبب هو الاختيار الخطأ من الناخبين, لهذا نرى أن سبب الفساد مرده إلى اختيار الشعب لنواب غير مؤهلين, فماذا نسمي مواطنا يتعدى على أملاك الدولة، ويتجاوز القوانين، لان لديه نائبا يتوسط له.
القضية برمتها تعود إلى بيئتنا الثقافية، وما اكتسبناه من عادات وأعراف طوال أكثر من60 عاما، وبتشجيع ومباركة من كل الحكومات المتعاقبة , التي عملت لنشر قيم اللامبالاة والفردية، وتغليب المصلحة الشخصية، والانتهازية والأنانية وتشجيع الاستهلاك وتحقير العمل وقيمه، مما يتطلب تغيير أنفسنا وذواتنا أولا, (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ولنعترف أولا بأننا نحن الشعب سبب فساد الحكومة والمجلس أيضا، لأننا نعلي من شأن الواسطة ونعمل من اجل الكسب السريع، ونتغيب عن العمل ونؤمن بالتنفيع المتبادل ونهمل أن الحلول السياسية والاقتصادية لن تجدي في حل هذه المعضلات، وعليه فان التركيز على إصلاح منظومة السلوك والقيم هو المدخل الوحيد لإصلاح الخلل العام الذي هو ليس في مؤسساتنا فقط، وإنما - أيضا - يسكن في ذواتنا نحن، وهذه هي علتنا الحقيقية.
انتشر الفساد وطال كل مرفق في البلاد، المشرعون أعضاء مجلس الأمة الذين من المفترض فيهم مراقبة أداء الحكومة ومتابعة أعمالها صار بعضهم هم المفسدين، صار همهم كنز الذهب والفضة وملايين الدنانير في حساباتهم مرتاحين, والشعب عمال المزرعة يأكلون الحصرم والديدان، أغذية فاسدة وماء تلفان، رشى وسرقات وشراء ذمم بالمليون والمليان, فهل الشعب هو الفاسد حتى تتولاه حكومة فاسدة؟ وفق هذا القول، فإن الشعب هو الفاسد، وعليه أن يبدأ بإصلاح نفسه، يبتعد عن الفساد، وعن الرشى، وعن شراء الذمم، وعن سرقات المال العام، ولا ينتخب نواباً فاسدين ومفسدين يمثلونه، حتى يأتي بحكومة صالحة تصلح الأوضاع وتنقذ ما تبقى من الصلاح، أما غير ذلك، فإننا لا نرى أن الحكومة في واردها الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد ومعاقبة السارق ومحاكمة المتجاوزين والمخالفين للقوانين، بالرغم من تغني الحكومة ليلاً ونهاراً بالدستور والقانون وتطبيقه على الجميع.
نقول نعم.. انه تغير، والغالبية مشاركة بالفساد بشكل أو بآخر، ثقافة الفساد، تجاوز القوانين، خرق النظم، إهمال العمل وقيمه سادت، المصلحة الشخصية صارت فوق مصلحة الوطن وفوق كل اعتبار، العادات والقيم والمثل تغيرت، كل يدني النار صوب قرصه، كل الحكومات المتعاقبة منذ انتخابات عام1989م, عملت على نشر هذه الثقافة وترسيخها، ولم تحسب حساب تدمير البلد، لذا، فإن الحل بيد الشعب، بيد الشباب، فهل يخرج الشعب بعشرات الآلاف لإيصال رسالة قوية للحكومة، ويمكن أن نتساءل هل ينبغي أن يصلح المجتمع السلطة فيه أم ينبغي على السلطة أن تصلح المجتمع وأن تصلح نفسها؟ المسألة واضحة، لو اقترنت السلطة بالقيادة لقلنا إن على عاتق هذه القيادة تقع مسؤولية قيادة المجتمع وتحديد الأهداف والعلاجات اللازمة لإصلاحه وإصلاح مؤسساته وأولها الحكم والسلطة,فمهمة بناء دولة المؤسسات ودولة القانون هي مهمة قيادية, وعندما تغيب القيادة وتغيب الشرعية والمصداقية تأتي مثل تلك التساؤلات المحيرة التي تجعل المسألة كلها عبارة عن زوبعة في فنجان مكسور!
البعض راح يروج وبشكل مغرض وخاطئ بل ومجرم لفكرة ''كما تكونون يولى عليكم''، بما يعني أن المجتمع الفاسد لا بد له من سلطة فاسدة تحكمه بفساده, إن الشرع الذي يستند له البعض بشكل عفوي وسطحي أو بشكل مغرض، تحركه أطراف لها مصلحة في نشر تلك الثقافة الخانعة للمسئول وجعل ذلك واجبا شرعيا، إن الشرع يجعل مسؤولية أولي الأمر تطبيق أحكام الشرع وإصلاح الرعية ويحمّلهم مسؤولية سعادة الرعية دنيا وأخرى, ولتوضيح الفكرة ينبغي التساؤل: كيف يتم اختيار ''أولي الأمر''؟ وأي شورى لا بد من إتباعها باعتبارها قاعدة (وأمرهم شورى بينهم)، ومن يشارك في هذه الشورى ''أهل الشورى!!'' أم كل المسلمين، وإن حدث اختلاف بين المسلمين فكيف الفصل فيه؟ وإن انحرف ولي الأمر أو قصّر كيف ينبغي تقويمه، وإذا رفض وتجبّر ما العمل وكيف يمكن إنهاء طغيانه؟ هذه التساؤلات ليست مسألة فقهية، يتولاها رجال الدين، بل مسألة سياسية ومؤسساتية، يتولاها ذوو الاختصاص في الكثير من العلوم، مثلما هو شأن عام يهمّ كل أفراد المجتمع المسلم.
ويمكن القول عمليا أليس مسوغا وجود أي سلطة هو وضع القاعدة التي تخدم الصالح العام، وتطبيق القاعدة القانونية التي وضعتها هي؟ هل يمكن منطقيا أن تبرر السلطة الرشوة وانتشارها بفساد المجتمع؟ هل يمكن أن نسلم هكذا أن الإنسان فاسد بطبعه أو أنه يعيش مرحلة انحطاط تجعله فاسدا ولا مسؤولية للسلطة على ذلك الفساد إلا إداراته وحتى الخضوع له وتركه ينمو بحرية؟!! منطقيا الكل سيجيب طبعا لا؟
مهما كانت التفسيرات التي يقدمها علماء الاجتماع والسياسة وعلماء الشرع والفقهاء وغيرهم، فإن مسؤولية أي سلطة هي تطبيق القانون وهي قيادة المجتمع باتجاه غايات تم التعاقد عليها سياسيا، وذلك غير ممكن من دون اختيار هذه السلطة من قبل الناس, وهذا الاختيار هو أساس التعاقد, من دون ذلك، فإن الغايات تتحدد على ضوء تقدير مصلحة الأطراف النافذة في الحكم والمستفيدة منه وبما يضمن استمرار هذا الحكم, في هذا الاحتكار يأتي مناخ الفساد والإفساد والخروج منه يبدأ من المنطقة نفسها، كسر الاحتكار.
في كل الأحوال واضح أن احتكار المجال السياسي واحتكار الثـروة واجتماعهما عامل ناشر للفساد وحامٍ له, إن هذا الفساد هو الذي يقف حجر عثـرة في وجه أي إصلاح للمجتمع والدولة, الإصلاح يبدأ من السلطة, والحكم والتمكين من بروز قيادة حقيقية شرعية وقادرة إعادة الأمور إلى مسارها الصحيح للخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تلوح بالأفق, والله من وراء القصد.
د. محمد المومني



تعليقات القراء

@ وبس
من ينتخب فاسد هو ايضا فاسد من يدافع عن قريبة الفاسد هو ايضا فاسد من الفساد مستشرى فى اوصال الناس من سرقة من محسوبية من من من من من من من من
31-05-2012 07:39 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات