شقيقتان اسمهما "الحولة" ومأساة احتلالين!


عنما تذكر الحولة ، ينصرف الذهن الى البحيرة المعروفة شمال فلسطين المحتلة رغم تجفيفها من قبل محتليها الاسرائيليين منذ ما يزيد على نصف قرن. الاسم ذاته "الحولة" ، شد العالم كله ، وكان محط اهتمام الميديا ووسائلها على امتداد الكرة الأرضية منذ يوم الجمعة الماضي ولما يزل ، مقترنا بالدم وبشهوة الاجرام ، ولكن بعنوانه السوري هذه المرة ، وليس الفلسطيني. الحولة الثانية أغرقها شبيحة عائلة الأسد يوم الجمعة بدماء الأطفال والنساء والشباب العزل ، بأساليب لا تقل وحشية وهمجية عن فظائع محتلي الحولة الأولى. وكأن الجغرافيا بامتداداتها ، والتاريخ بتحولاته وأقداره ، يطلقانها صرخة مدوية تتردد أصداؤها على امتداد المسافة بين الحولة الأولى والحولة الثانية ، وفي أرجاء الوطن العربي كله ، عن وجود احتلالين جاثمين على صدور السوريين والعرب ، لن يكون بمقدورهم التخلص من الاحتلال الأول الا بازالة الثاني .الحولة الأولى وشقيقتها ، ابنتان شرعيتان لجغرافيا واحدة ، عاشتا التاريخ المشترك ذاته عبر القرون. مصير كل منهما ، يقرر حاضر الثانية ومستقبلها ، يجمعهما اليوم، وقوعهما تحت احتلالين مختلفين في الهوية ، ومتشابهين في الأساليب. الاحتلال الأول ظاهر للعيان ، ولا يحتاج الى دليل ، لكونه يحمل مواصفات الاحتلال المتوافق عليها باجماع العالم كله ،وهو زائل لا محالة . أما الاحتلال الثاني ، فهو أشد فتكا ، وأكثر خطرا ، لأنه متماه مع الضحايا ، يتحدث لغتهم ، ويجيد العزف على أوتار أحلامهم . كما يتقن التخفي وراء شعارات تداعب طموحاتهم بالمقاومة والصمود والممانعة ، التي انكشف زيفها ، وثبت أنها لم تكن سوى أقنعة مموهة لاختطاف سوريا ونهبها من قبل نظام ، استحال أخيرا الى عصابة ، تعلن على الملأ: "اما بشار ، واما الدمار". وهذا يعني بوضوح لا وضوح بعده ، أن أمامكم أيها السوريون خيارين لا يحتملان ثالثا : اما أن تحكمكم عائلة الأسد وشبيحتها ومرتزقتها ، واما أن تذبحكم ، وتحيل وطنكم قاعا صفصفا ، وتتركه صعيدا زلقا. سوريا في خطر ، واذا طال الأمر بالعصابة الحاكمة في دمشق ، فانها ستجر سوريا والمنطقة الى كارثة سندفع ثمنها جميعا ، وسنعاني من تبعاتها لسنوات طويلة قادمة . وأكثر ما أخشاه ، تقاطع أهداف الاحتلالين الاسرائيلي والأسدي لاطالة أمد المأساة ، في سبيل الحاق أكبر قدر من الدمار والخراب بسوريا على يد الاحتلال الأسدي ، لضمان خروجها من معادلة الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي لعقود . والا بماذا يفسر الاستهتار بالدم السوري ، والتعامي عن مذابح وجرائم ترتكب في القرن الحادي والعشرين بحق شعب أعزل الا من ارادته؟!. وهل يعدم العرب والعالم الوسائل الكفيلة بردع عصابة مجرمة عن سفك دماء الأبرياء ، مع أن الكل بات على يقين أن هذه العصابة ليس لديها من خيارات سوى القتل والاجرام في مواجهة مصيرها المحتوم؟!. غير مفهوم على الاطلاق "التدعثر" بالموقف الروسي الذي لا جدال في انحيازه الى الباطل . فمن الواضح أن اسرائيل وللهدف الذي ذكرت قبل قليل ، أكثر المرتاحين للموقف الروسي ، وأظنها حريصة على مده بكل عناصر الاستمرار ، ومقومات الثبات قدر ما تستطيع . الموقف الروسي على كل حال ، غريب عجيب في حماقته وتهوره. فاذا كان الأمر يتعلق بالمصالح ، فان دولة بحجم روسيا ، يفترض أن تراهن على الباقي والثابت ، وهو سوريا الشعب والأرض والمستقبل ، وليس على عصابة لا يمكن تصور كيف ستستمر بحكم سوريا بعد كل ما أقدمت عليه من فظائع وجرائم. هل العرب والعالم بحاجة الى 300 مراقب يقودهم جنرال يسمونه "مود" للتأكد من فظائع ترتكب في وضح النهار ، وعلى مدار 15 شهرا ضد شعب عربي عريق وأصيل من قبل عصابة ابتلي بها منذ ما يزيد على 40 عاما؟!. من الواضح أن الشعب السوري حزم أمره ، وعقد العزم على انتزاع حريته واستقلاله من الاحتلال الأسدي مهما كلفه ذلك من تضحيات ، معتمدا على قواه الذاتية بالدرجة الأولى ، وقد أصبح على يقين أن التخلص من هذا الاحتلال ، هو الشرط الأهم لبناء سوريا الديمقراطية المزدهرة ، وهو المقدمة الأهم لتحرير الجولان والأراضي العربية من الاحتلال الاسرائيلي.لكن التاريخ لن يرحم المدافعين عن الباطل والمتواطئين معه ، كما لن يوفر بأحكامه العادلة المستهترين بالدم السوري والمتعامين عما يرتكب بحق أبناء سوريا وبناتها من جرائم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات