المحترقون


عبر نقاش ملتهب تارةً وتارةً باردٌ وتارة يمتلئ بالتحدي وتارة بالتضاد,,,يرتطم الجميع بحقيقة ملتهبة وسؤال بديهي تتبعه إجابات حائرة ....ما الذي يجعل امرءا يضع حدا لحياة ملؤها البؤس المُبَرَّرُ بالفقر ...............وهل الفقر وحده هو السبب الذي يتمثل كمارد يحمل الفقيرَ قَسْرَاً على الانتحار حرقا ؟؟ ولا أحد يجيب عن السؤال فتتحول الإجابات الى أسئلة أخرى

لماذا يخمد ذلك الفقير تِلْكُمُ البراكين الثائرة في نفسه عبر شعلة يوقدها في جسده تأكله رويدا أو جملة فتجلله النار من أعلاه إلى أخمصه فيفرقع احتراق شعره كهشيم جاف،ويختلط سخام ملابسه المشتعلة بجلده الذي يسارع بالذوبان ويغرق رأسه وعيناه في لجَّةٍ من اللهيب المستعر فيعيش حالة رهيبة قبل ان يلفظ انفاسه، ربما كان قد تخيل بعضا منها قبل إقدامه عليها ،فامتلأ قلبه رهبة ؛...................فلا يزجره التخييل لِيُحْجِمَ أو يعود القهقرى عن قراره المتهور فيقدم بالرغم من بشاعة الإقدام وسوء المنقلب عليها غير عابئ بما سيعانيه ،وقد لا يدري هل تنهي تلك النار مأساته فيموت من فوره أم يدركه المنقذون فيبقى بين الحياة والموت يعيش ميتا بين الأحياء حتى تنقضي أيامه......

ويجيب من لا يوقن بجزاء بالآخرة على اختلاط الرؤى في هذه الحالة المزرية :هذا شهيد !!الإحتراق نوع من الإحتجاج على الظلم .

ويرد آخر من الموقنين : إتق الله يا رجل كيف يكون شهيدا!!!؟؟............. من قتل نفسه عامدا فإن جزاءه جهنم وسيأتي يوم القيامة يقتل نفسه بتلك الطريقة التي انهى بها حياته فمن أين أتيته بالشهادة ......عجيب أمركم ألم يكفكم أن تجعلوا لكل فن ومُنْزَلَقٍ ومُتَخَبَّطٍ وَضَلالٍ شهداء حتى جعلتم المنتحر شهيدا .............الله المستعان


فيعود من ألقى الإجابة الأولى ليتلقف الإجابة الثانية.......: ولكن لو كان هذا الشخص لا يريد أن يوصل رسالة من خلال احتراقه وكان ما دفعه للإنتحار مجرد حب الخلاص بالموت إذا لاختار موتا سريعا ،كأن يلقي بنفسه من شاهق ،أو يتربص بحافلة على طريق سريع، أو يطلق من مسدس على رأسه رصاصة لا يشعر بأثرها، فلماذا يخطط ويختار المكان الذي يحرق به نفسه ...لماذا يختار عادة ذلك المكان الذي ُظلِمَ فيه،أو يقيم فيه من يظلمه لينفذ انتحاره ( هذه ثورة )عبر عنها بأعتى ما يكون الألم وضحى بنفسه لتصل الرسالة للظالمين أو للساكتين أمثالنا .
وهل يجوز أن يكون الإحتجاج والثورة على الظلم بهذه الطريقة أنا أسألك؟؟
.............:لا أدري

:غريب ألست مسلما!؟ ...ألا تعلم ان قتل النفس جزعاً حرام وأن نفسك عارية مستردة سيحاسبك الله تعالى عليها،وأن لا سلطان لك عليها بإهلاكها في أمر غير مشروع، وإن كان الله تعالى حرم حرق الحشرات ألا يكون من عظيم الإثم حرق النفس

يتلوى المحاور مرة أخرى وكأنما يريد الإلتفاف .....:حسنا سأوافقك فيما تقول من أمر الحرمة، ولكن ألا ترى أن هذه الوسيلة من الإحتجاج قد شاعت في اوطاننا المكروبة وحدها، كم من حادثة الى الآن سمعنا عنها هنا وفي بلدان عربية أخرى .

ولِفَضِّ النزاع المُتَوَهَّمِ بين المتحاورَيْنِ قال ثالث ,لا تَعَارُضَ فيما تقولان فخاطب الاول: أما قولك بان الانتحار بحرق النفس يمثل احتجاجا لان المنتحر قد اختار الطريقة الأكثر إيلاما والأشد صعوبة للموت فضلا عن كونه يختار المكان ويعلن السبب....فهذا تحليل للظاهرة وبيان بأن البلاء قد عمَّ وطمَّ ولم يعد في قوس الصبر منزع، حتى صار الحكام يحتاجون لأشد انواع لفت النظر الى المصائب التي جرُّوها على الأمة من البلاء والفقر والظلم والضعف والهوان والقمع والاستهانة بكرامة ودماء وأرزاق وأعراض الشعوب،وهذا أَظْهَرُ ما يكون في بلاد المسلمين وأخصُّ ما يكون في بلاد العرب .


ثم توجه إلى الثاني :وأما ما تفضلت به فليس تحليلا وإنما حكم شرعي يتناول حال المنتحر، وهذا امر مُسَلَّمٌ به لمن هدى الله قلبه للايمان,لأن الإنتحار جزعاً من الابتلاء عجز واعتراض على أقدار الله تعالى ،والمنتحر قاتل لنفسه......................................... فلا تعارض بينكما انت تحلل وتفسر وتبحث في الاسباب وانت تبين حكم الشرع، فلماذا لا نستطيع ان نُقَلِّبَ الامر الا من خلال عواطفنا فنتعاطف مع المنتحر حتى نجعله شهيدا وكلنا نعلم انه آثم وقد باء بغضب الله مهما كانت اسبابه، ولماذا نخلط الحكم الشرعي بتحليل الاسباب،هل نريد بهذا أن ندرأ ذكر السوء عن شخص مظلوم برغم مخالفته للشرع، أم أننا لشدة التعاطف لما أظهره من الظلم الذي يرزح على صدورنا ونصفق له مرغمين ومختارين ترانا نحترم ذلك المنتحر، ثم ألا تريان حقيقة موجعة مؤلمة في تاريخنا المعاصر ؟ألا تريان مفارقة عجيبة فيما يحصل لنا حيث ان الأمم يصنع تاريخها أبطالها وأهل النجدة فيها وهم من يوقدون ضرام الحرية الخامد فيها ويبعثونه لهيبا مستعرا من تحت الرماد المتراكم ثم ينتفضون ويبعثون في البرد الساكن في عظامها حرارة الثورة على كل ظلم وبؤس ونهب لخيراتها ؛ بينما نحن لا يوقظنا من سباتنا إلا المنتحرون، هذا إن أفقنا طبعا ...........فأي تاريخ مشرق ينتظر أمة يصنع مبتدأ ثوراتها الجَزِعونَ القانطون.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات