حقائق مرّة تحدث في بلدي لم أعد أفهمها


"ألأردن بلد محدود الموارد" عبارة تعلّمناها منذ الصغر في مدارسنا ومجالسنا، ولكثرة ما ترددت على مسامعنا أصبحت لدينا حقيقة نعترف ونقر بها ونستخدمها ذريعة لنا لطرق أبواب البنوك الدولية، وأبواب عباد الله من الدول الغنية بمواردها التي استثمرتها جيدا لصالح حكوماتها وشعوبها، أمّا نحن في الأردن - الأرض التي باركها الله - لدينا من الموارد المعدنية في باطن الأرض وظاهرها ما يجعلنا من أغنى شعوب العالم، وخاصة في الجنوب الذي يحظى بمعظم هذه الموارد، في الوقت الذي يعيش سكانه فيه أسوأ حالات الفقر والحرمان وأشدها قسوة، فنعمة الله بين أيديهم ولكنهم لا يستطيعون قطافها. لدينا الفوسفات والبوتاس بكميات يعادل انتاجها البترول ولكنها تخسر عندما نستثمرها لصالح الشعب، وتدر الملايين عندما تستثمر لصالح غيرهم. لدينا أفخر أنواع مادة الزجاج الخام ولكن مصنع الزجاج في معان تم تدميره بغير رحمة، وحرمان الشعب من خيراته، وهاهي معداته ومبانيه التي كلفت الملايين مهجورة تشهد على ذلك.
في عام 1982 ذهبت في زيارة الى الولايات المتحدة الأمريكية وقد أتيحت الفرصة لي لزيارة مصنع نحاس في مدينة الباسو/تكساس ضمن وفد، فأخذنا مدير المصنع الى قاعة المحاضرات لإعطاء شرح عن المصنع وكان أول شريحة عرضها علينا على الحائط هي أماكن تواجد النحاس في العالم. ولم أكن أُصدّق ما رأيت وسمعت عندما قال أن الأردن يمتلك ثاني إحتياطي العالم من حيث تواجد كميات النحاس الخام بعد أمريكا والثالث هي الهند، وقال أن النحاس موجود جنوب الأردن في منطقة ظانا. علما بأن سعر طن النحاس عالميا يساوي الآن عشرة آلاف دولار. ونمتلك منه الملايين لا بل بلايين الأطنان.
وقصة أخرى. حدثني والدي رحمه الله وأنا صغيرا وكان يعمل في الجمارك حيث قال " عندما كنا نخرج في دورية لمكافحة التهريب ليلا كنا نجمع الحجارة السود ونشعلها ونطبخ عليها وتبقى مشتعلة حتى الصباح" بقيت هذه الجملة ترن في أذني حتى أدركت أن والدي كان يقصد ما نسميه الآن الصخرالزيتي، وهو بترول الأردن ومصدر طاقته. وفي مجال الطاقة أيضا الرياح والشمس التي حبانا بها الله بنسبة سطوع في الأغوار تعادل 80%، والآن يقوم الإتحاد الأوروبي بتنفيذ مشاريع في الصحراء الكبرى/ شمال أفريقيا لاستخراج الكهرباء من الطاقة الشمسية وجرّها في كوابل عبر البحر المتوسط الى بلدانهم كطاقة نظيفة تمهيدا للإستغناء عن مفاعلاتهم النووية بالتدريج ونحن نصرّ على إستغلال الطاقة الغير نظيفة والخطرة. ولن أنسى قضية النفط ولكنني أتركها جانبا.
أما في مجال السياحة فحدّث ولا حرج، فالأردن يعتبر بنك السياحة الدولي، ولكنه للأسف بنك مفلس لعدم جدوى الخطط السياحية الفعالة، فالمواقع الدينية في الأردن تحوي العديد من المواقع التي تمثّل مختلف الديانات السماوية، وكذلك المواقع الأثرية مثل البتراء والبحر الميت .....وغيرها. فهناك دول تمتلك مكونات سياحية أقل منا بكثير ولكنها تتقن تسويقها. هذه حقائق لا تقبل الجدل.
وتأتي جملة من الأسئلة المهمة: أين الأولى لنا ولمصلحتنا؟ هل هو رسم السياسات والإستراتيجيات والخطط لنحظى بأكبر نسبة عطف وحنان دولي ليتصدّقوا علينا، وما هو ثمن تلك الصدقات والقروض، أم نعدّها لاستثمار ما وهبنا الله به من خيرات، ونحفظ كرامتنا، ونعزز التنمية في بلادنا، ونرفع مستوى معيشة أهلنا؟. أم أن هناك من يريد تركيعنا لنبقى نستجديه؟. فهذه حقائق مرّة تحدث في بلدي لم أعد أفهمها.



تعليقات القراء

نصار رجا
كلام في الصميم تسلم ي باشا
28-05-2012 01:43 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات