المستقبل لهذه الأمـــة


لقد جاء الإسلام مهذباً للنفس متمماً لمكارم الأخلاق ضابطاً للحياة حاقناً للدماء والأرواح حافظاً للأموال والعقول والأنساب، مربياً للروح والنفس والعقل والجسد لينشئ أمة يسلمها قيادة البشرية لتنأى بها عن التيه والضياع، فإذا بهذه الأمة اليوم تترك مكانها القيادي لتركها المنهج الرباني وتلهث وراء الأمم الضاربة في التيه من الفتنة بالعقل الغربي المادي والذي جعل العقل البشري ندّاً للوحي الإلهي في هداية الإنسان ففــُتنا اليوم بأزياء ومنهج التفكير الغربي الذين لا يقوم تصورهم وحضارتهم على الوحي الإلهي بل يقوم على العقل البشري وليس هناك عقل مطلق لا يتناوبه النقص والهوى والشهوة والجهل والمصالح ومن هنا يأتي المنهج الإسلامي الوسطي بالحل والتي يجب أن يتمثل في صياغة الدساتير والقوانين التي تنسجم مع سيادة الدين شكلاً ونصاً ومضموناً ولا تخرج عنها قطعيا ً فلا يمكن بأن نحصر منهج الله الرباني الرحيم في قانون الأحوال الشخصية ويكون للقوانين الأخرى أرباب أخرون (والعياذ بالله) ليصيغوا القوانين ويستنبطوها في أمور نصية لا اجتهاد فيها بحيث يصبح العقل نداً للوحي الإلهي ويعتقدون بأنها أفضل من قوانين ونواميس الله عز وجل والتي تضمنت مصادر عديدة للتشريع.

فعلينا بأن ندرك بأنه سيأتي والله أعلم على البشرية زمان تستنفذ فيه الحضارات البشرية الوضعية المزعومة كل أغراضها وأهدافها ولن يعود لديها ما تعطيه للبشرية ولا حتى لمناصريها سواء من مكاسب أو مفاهيم ومبادئ وقيم تصلح لقيادة البشرية بعد تلك الفترة ولن تسمح بعد ذلك باستمرار النمو والترقي الحقيقيين للحياة الإنسانية أو لن تجعل هناك قيمة مضافة حضارية للبشر بل ولا تستيطع المحافظة على ما هي عليه من رقي وحضارة وتقدم.



فالإنسان بحاجة إلى حضارة تتبنى عقيدة تُعمر قلبه قبل أي شئ أخر بحيث تنبثق منها تصوراته في شتى نواحي حياته والإسلام لا يقوم إلا بتربية الأفراد والتركيز على المرأة والعائلة والمجتمع ككل، وبتحكيم شريعة الله في حياة الناس بعد تربيتهم تربية إسلامية سليمة، والإسلام أكبر من أن يتم حصره في أشخاص أو جماعات أو حتى حزب، كما أن الإسلام ليس مجرد أفكار تنشر أو تذاع أو خطب ودروس بدون الشروع في تطبيقها عملياً في التربية أولاً وفي نظام الحياة ثانياً وفي نظام الحكم أخيراً بدساتيره وقوانينه وشتى سلطاته لأن العدل أساس الحكم والعدل لا يكون إلا بتطبيق شريعة الله صاحب العدالة المطلقة ولكن على أصولها وبدون غلو وتشدد، ولا يمكن هنا بأن نحصر ديننا الرباني بأن يكون في وجدان الناس بمجرد شعائرهم التعبدية التي تتمثل في الصلاة مفرداً وجماعة أو في الصيام وغيرها من العبادات والتي لا ننكر أهميتها في تصفية النفس من شوائب الحياة ووساوس النفس وتدليس الشياطين، فلا بد أن يشمل مختلف نشاطات حياة الناس اليومية بشكل متكامل بحيث يهيمن على حياتنا كلها فدين الله ليس مجرد منهج للآخرة وطريقاً للجنة وحدها بل هو دين صالح لكل مكان وزمان بحيث يكون منهج حياة سوي يختار الأفضل لحياة البشرية في أخلاقهم ومعاملاتهم لإيجاد حياة فضلى للأفراد في المجتمع فهو منهج حياة من الله عز وجل خالق البشر والكون كله وعالم نواميسه فليس من طبيعة الدين الرباني أن يشرع طريقاً للأخرة والجنة دونما المرور بالدنيا وإصلاح الأرض وإعمارها وبناء مجتمع بشري متين الصياغة وأخلاقه رفيعة وتعاملات سليمة، فأبشروا يا أمة محمد فإن كان حالنا في إنحدار شديد هذه الأيام سيأتي النصر ولكن بعد عودتنا إلى دين الله عز وجل.



* المصدر فكر الشهيد السيد قطب



تعليقات القراء

...
ان شاء الله

يا الشيخ
27-05-2012 07:41 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات