( رؤوس الفتنة ) المُسمِّمون ..


الحمدُ لله الذي جعلَ في كلِّ زمانِ فترةٍ مِن الرّسُل بقايا من أهل العلم ؛ يَدعونَ من ضلَّ إلى الهُدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، يُحيون بكتاب الله الموتى ، ويُبصِّرون - بنور الله - أهل العَمَى ..

أما بعد :

فإنّ الله – عزّ وجلّ – يقول : { ما أصابكَ من حسَنَةٍ فمن الله وما أصابك من سيّئَةٍ فمن نَفْسك }

وقال – جلّ ثناؤه - : { وما أصابكم من مُصيبةٍ فبما كسَبَت أيديكم ويعفو عن كثير }

( الفسادُ ! ) مُصيبةٌ .. نعم ! فلِمَ ظهَرَ ، وعمّ وانتشرَ ؟
وما سبيلُ الخلاص .. ؟

فأمّا أهلُ العلم والأثر ، والتحقيق والنظر فيقولون : هو سيفٌ سلّطه الله – تعالى - علينا بذنوبنا .. عقوبة على سوء أعْمالنا ، وقبْح أفعالنا ..

مُستدلين بالنصوص ؛ لا يزيغون عنها إلى هوى النّفوس ..

وعلاجُه : التوبةُ ، والأوبةُ ، والقُرْبةُ ..

التوبة من المنكرات و الذنوب ، والرجوع إلى الله علاّم الغيوب ، وابتغاء مرْضاته بالطاعات والقُرُبات ..

فهذا الذي يحيي الله به القلوب ، ويفرّج الكروب .. ويصْلح البلادَ والعبادَ ..

و { ويومئذٍ يفرحُ المؤمنون }

وأمّ الجهلاء ، وأصحاب الأهواء ، وأهل الزيغ والإغواء .. فمناهجهم ما أنزل الله به من سلطان !
ولن تجرّ إلا الخراب للأوطان ..

وإنّي سائلٌ بالله العظيم كلَّ مسلم عاقل منصف : ما نُعانيه و نعاينه ونسمعه اليوم ؛ ألا يضع العقلَ في الكفّ ؟!

كيف يُطالِبُ ( العلمانيّ ) بإصلاح أحوال المسلمين ! ؛ وهو بالإصلاح أولى ، وما أحدثه فيهم أكبرُ – عند الله – مما أفسده مسئولٌ ، أو وزير ، أو مدير – مجتمعين ! – بكثير .. وكثير جداً !

{ ولكنّ أكثر النّاس لا يَعلَمون }

ومثلُ العلمانيّ : الشيوعيُّ ، والليبراليُّ ، و .. و ..
ومثلهم : أتباع المناهج الفلسفيّة الواهية ، والمذاهب الفكريّة الواهنة !


كيف يطالب بالإصلاح مَن لا علم عنده ولا سنّة ، ولا اتّباع ، ولا اطّلاع على منهج أسلافنا في النوازل و المُحدثات .. ؛ ليس إلا المظاهرات ، والإضرابات ، والإعتصامات .. بما فيها من منكرات ، ومحظورات جلبت للأمة الأسى والويلات والدّمار .. !!

ومهما رأوا هنا وهناك من مُلمّات .. ، أو سمعوا من إنكار ! ؛ فما لذلك – عندهم – أدنى أدنى اعتبار !

فالعجب : كيف يسير ( بعض ) النّاس وراء أولئك .. ؟!

{ أيبتغونَ عندهم العزّة } ؟!!


ثمّ .. كيف نطالب بالإصلاح وفينا – وهم كثير - : من تركوا الصلاة وغيرها من الفرائض ، وأكلوا الرّبا ، وقطّعوا الأرحام ، وأكلوا المال بغير حقّ ، وشربوا الخمر ، وأتوا الزنا ، وتبرّجت نساؤهم .. !!

والله لا نستسيغ – مع علمكم و الألم – زيادة العدِّ ..

فصار الواقع العام لمجتمعنا : البعد عن الدين ، والقربُ من المُضلَّين ..!

إنّ هذه ( الوضعيّة ) أفرزت واقعاً بلغَ من التعقيد غايته ؛ ثمّ – من بعد – عواقبَ خطيرة أفضت إلى ما ترونه – في أوطاننا - من التشرذم ، والفرقة ، والقسوة ، والعنف ؛ فضلاً عن ضعف ارتباط المسلم بوطنه وتغليب مصلحته .. !!

فكان ماذا ؟

إنّ ( صنّاع الفتن ! ) لهم ( خطّةٌ أو خلطةٌ سريّةٌ ! ) مكشوفة .. إذ يجعلون لفتنتهم أذرعاً ورؤوساً كثيرة ومتفرّقة .. فهي كالأفعى بألف رأس ؛ تقذف بكل واحد سمّاً بـ ( مذاق خاص ! )
فأيّ ما رأسٍ قطْعتَ – أو قاطعتَ ! – أصابك غيرُه .. ! ؛ وأمّا ما يعتريك من الآثار والأعراض ؛ فهي بحسب الإقبال – على وسائلهم أو مسائلهم ! – والإعراض .. !


ومع الوضعيّة – التي ألمحتُ إليها – صار البلد ( الإسلامي ) الواحد ميداناً واسعاً ( تلعب! ) فيه تلك الرؤوس .. ، وتمارسُ ( نشاطها ! ) والطقوس ..

بحريّة .. وسحْريّة وسخرية !

وإليكم بعضاً من ( الصور و الأشكال ) ، وما تصنعه – بين الناس - من الإشكال ..

* القنوات الفضائيّة ( العربيّة ) على أرض ( الأمّة ! ) والتي لا ترقبُ في المسلمين ( إلاً ولا ذمّة ) ؛ فما برحت تثير القلاقل والفتن بين أبناء الدين ؛ بأخبارها ، وتقاريرها ، وبرامجها ! ، لا سيّما تلك ( الوثائقيّة ) التاريخيّة المتعلقة بالتحارب بين المسلمين : إظهاراً لما خفي – على البعض – منها ! ، وبيان ( الحقائق ! ) التي تنصر أحد الطرفين على الآخر .. !
( والنتيجة! ) من نبش المدفون : تحريض القلوب على العداوة والبغضاء بين المتآخين في الدين والنسب ..
وقد رأينا بأم أعيننا ( بعضاً ) و ( بُغْضاً ) من ذلك ..

ثمّ ما كان- لتلك القنوات - من ( دور ! ) فاعل في( الربيع العربي المزعوم ! ) من : إعداد وتمهيد ..! ، ثمّ ( تغطية ! ) للأحداث وتمجيد .. !

* كتّابٌ ، ومحلّلون ، ومفكّرون سياسيون ( دأبوا وتأدبوا ! ) في كتاباتهم ، ومقالاتهم على : تشريح الفساد – طبعاً في الحكومات العربيّة – وما جلبه على البلاد والعباد ..
والناظر في تلكم المقالات يلحظ ما يريدون : باختصار .. ( الثورة ! ) على الظلم والاستبداد والفساد .. ولو كان الثمن : دماء المسلمين الزكيّة ! ، ودمار أوطانهم الفتيّة .. !
ولو ( حدّثتهم ) عن أثر المعاصي و الذنوب على الأمّة .. ، وحشدت لهم النصوص الشرعيّة ، وأقوال الأئمة .. ، وتعليم الناس و ( إصلاح ) ما فينا من العيوب ، و { إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم } ، وأنّ درء الفتن والمفاسد مقدّم على جلب المصالح ...

لقالوا : { إنْ هذا إلا أساطير الأوّلين } ، وما أنتم إلا من الخانعين المتخاذلين ، وللنصوص من المؤوِّلين .. !!

{ فلعلّك باخعٌ نفسكَ على آثارهم إنْ لم يؤمنوا بهذا الحديثِ أسفاً }


* ( بعض ) المواقع الإخباريّة ، والمنتديات التفاعليّة ، والشبكات التواصليّة ! والتي لا ( تنفكُّ ! ) عن نشر الفضائح ، وكتم الفضائل ..! ، و ( التركيز ) على الفقر ، وإظهاره كسبب ( وحيد ) لكل بليّة وشرّ .. ثم ما تراه من التشهير بالأخطاء عند ( الحكومات ) ولو لزم هذا التكرار بعد التكرار .. !!

فأضحت الإضرابات ، والمظاهرات ، وما أشبهها ( سلاحاً فريداً ) لانتزاع الحقوق ، و ( تحسين مستوى المعيشة ) و ( محاربة أو محاسبة الفاسدين ! )
الفاسدون الماديون ! لا الفاسدون في الدين ..

* ( علم السياسة الشبابيّة ) : وهي الاختراع المُحدث المبتدع .. !
فزينوها بعمليات ( تجهيليّة ! ) ؛ فوضعت البرامج التي تشجع الشباب على ( العمل السياسي ! ) و( الانخراط في الأحزاب ! ) .. ففتنوا فيها ، وانكبّوا على تعلّم معانيها ، و نشطوا في ( تحقيق ) أحاديثها ! ، و أبدعوا في ( تأليف ) مقالات تحليلها وتنقيحها..!

والنتيجة : اختلاف القلوب والعقول في ( مسائلها ! ) ، وهُجرَ العلم الشرعيّ النافع ؛ وما علموا أنه أعلى الوسائل – على الإطلاق – في الإصلاح ودرء ( الفساد ) ، وفي العزّة والتمكين ..

* أحزاب وجماعات سياسيّة : لها بحث خاص – إن شاء الله – في مقالات قادمة .


خاتمة ..

كان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قد ولّى نافعَ بن عبد الحارث على مكة ؛ وعنده موْلىً ( أي : عبْداً مملوكاً ) اسمه عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي ؛ فخرج نافعٌ يوماً ليلقى عمر – رضي الله عنه – بعُسْفان ( منطقة ) ؛ فلما لقيه قال له عمر : من استخلفت على أهل الوادي ؟ ( يعني مكة ( ، قال : ابن أبزى ، قال : ومن ابن أبزى ؟ قال : موْلىً من موالينا ، قال : فاستخلفت عليهم موْلىً ؟! قال : إنه عالمٌ بالفرائض قارئٌ لكتاب الله .
قال : أما إنّ نبيكم - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ، ويضع به آخرين . "


ألا وإنني سائلُكم بالله أن تدرؤوا الفتن ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً .. والتوجّه إلى العلم الشرعي فإنه رأس العواصم من الفتن و القواصم ، والعودة إلى أهل العلم ومشاورتهم في الحوادث والنوازل ؛ وإلا – إن وقعت الفتنة لا قدّر الله – فإننا موقفون بين يدي الله – جلّ ذكره – ؛ و يومئذٍ يودٌّ من أعان على الفتنة ولو بشطر شطر كلمة أنْ لو كان في الدنيا أصمّاً أبكماً في الورى من سوء ما يرى.. !

{ فهل من مدّكر }


أسأل الله – تعالى – أن يجنب بلدنا الفتن ؛ ما ظهر منها وما بطن وسائر بلاد المسلمين ، وإذا أراد بقوم فتنة أن يقبضنا إليه غير مفتونين ، وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبّه ويرضاه .



تعليقات القراء

اخوك عبدالرحمن النواصرة
لا فض فوك ...
20-05-2012 08:03 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات