مسؤولينا وأحادية التفكير


لم يعد أمرا مقبولاً بعد كل هذه التغييرات التي شهدها عالمنا العربي، وبعد ذلك الغضب الشعبي الذي تفجر بعد طول احتقان أن يبقى لدينا مسؤول يعتبر أن منصبه يعطيه الحق في التصرف وكأنه الآمر الناهي وفق ما يعتقد أنه الصواب دون الأخذ برأي الناس ولا حتى أهل الاختصاص اللذين قد يكون بعضهم أكثر معرفة ودراية منه.

ولم يكن في يوم من الأيام مقبولاً أن يصل الاعتداد بالرأي والتعنّت له حد الشتم والتسخيف والإقصاء للمعارضين له، وبطريقة أقرب إلى ما تكون إلى الردح كما فعل الدكتور خالد طوقان منذ أيام حين وصف معارضي مشروع المفاعل النووي بالـ "عاهات وحمير وزبالين" عبر تسجيل صوتي انتشر على موقع اليوتيوب كانتشار النار في الشيم وبسرعة قياسية جداً، فنحن شعب تشدّنا الشتائم ويغرينا "الردح".

رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية يدافع عن مشروع المفاعل النووي بيديه وبأسنانه ويستعدي ـ هو وبعض موظفي الهيئة ـ كل من يعارضه من خلال اتهامهم بالجهل والتخلف تارة، وبأن أسباب المعارضة شخصية تارة أخرى، وهو حسب معلوماتي لم يجلس مع أي خبير طاقة أردني لمناقشته في المشروع، وأن كل الذين استمع إليهم وتشاور معهم هم خبراء أجانب استقدمهم من الخارج برواتب خيالية فقط كي يدعموا وجهة نظره في مشروع يعتقد أنه لا غنى عنه، ولا بديل آخر له، وأنه السبيل الوحيد لتوفير بدائل للطاقة... وقد يكون محقاً في هذا الرأي فأنا في الحقيقة لا أعلم.

وحين تستمع لبعض مناهضي المشروع لا تجدهم يقتصرون في معارضتهم لمشروع المفاعل النووي على مجرد الرفض وحسب، وإنما يقدمون بدائل يقولون إنها أضمن وأكثر فاعلية وأقل تكلفة، والأهم من ذلك أنها أكثر أمناً وسلامة من المشروع الذي سيكلف مليارات من الدولارات ويستغرق سنوات عديدة لإنجازه ليشكل بعدها خطورة على السلامة العامة للشعب مستندين في قولهم إلى حوادث شهيرة وقعت في العالم، ويرون في استخراج الصخر الزيتي واستغلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بدائل أكثر جدوى من هذا المشروع.

قد يقول أحدهم إن الهيئة معنية بالطاقة "النووية" وأن الصخر الزيتي والطاقة البديلة هي من اختصاص مؤسسات أخرى واجبها هي القيام بما يلزم بهذا الخصوص، وفي هذا مشكلة مهمة أخرى وهي غياب التخطيط الشمولي للدولة ليس في موضوع الطاقة وحسب، وإنما في كافة الجوانب وعلى رأسها ملفات الاقتصاد والتنمية، فالهيئة هي مؤسسة ضمن الدولة ويجب أن تكون خططها ومشاريعها منسجمة مع مصلحة الدولة لا مع رؤى وتوجهات من يرأسها، وبالتالي يجب أن يكون هناك عقل يجمع بين الأفكار كلها في بوتقة واحدة ويخرج بإستراتيجية واضحة لكل قطاع، بحيث تلتزم بها جميع المؤسسات التي تندرج ضمن هذا القطاع، الأمر الذي يوجب العودة إلى التخطيط الذي تخلت الدولة عنه منذ أكثر من عقدين من الزمن وتركت المؤسسات ضحية سياسات لأشخاص يأتون لأشهر معدودة ثم يرحلون، وغالباً ما تكون هذه السياسات متناقضة تهدم ما قبلها وتبدأ بالبناء من جديد ثم ترحل قبل أن تكمل ما كانت تنوي بناءه، فتأتي أخرى تهدم ما بنت هذه ثم تبدأ تلك بدورها بالبناء من جديد.

أحادية التفكير التي ينتهجها طوقان ليست شاذة، فمعظم مؤسسات الدولة تدار بنفس العقلية إن لم تكن جميعها، وأنا لست ضد مشروع المفاعل النووي بقدر ما أنا ضد هذا التعنّت في الرأي الذي يحتمل الخطأ كما يحتمل الصواب، والذي قد يوصلنا إلى نتائج غير محمودة العواقب، ولنا في تجارب "الخصخصة" والتحول الاقتصادي والاجتماعي" وغيرها من المشاريع التي تبناها أشخاص ودافعوا عنها ونفذوها رغم أنف الشعب ثم حين ثبت فشلها تركوها وتركوا البلد وهربوا أشد عبرة.

مشروع المفاعل النووي يجب أن يتم حسمه ممن هم فوق طوقان وفوق من يعارضونه بعد دراسة معمقة واستشارة كل الأطراف وجميع الخبراء دون استثناء، وهذا يجب أن يتم تطبيقه على كافة القطاعات، وإلا فإننا مستمرون بالانزلاق نحو حفرة يحفرها لنا أولئك اللذين يعتقدون أن أفكارهم لا يأتيها الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم.

Tariq.Hayek@yahoo.com



تعليقات القراء

د ايوب ابودية
احسنت قولا يا استاذ طارق
ارجو زيارة فيسبوك
Nuclear free Jordan
لمعرفة تفاصيل هذا المشروع الخبيث
21-09-2012 10:14 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات