نهج إقصـاء


عندما وصلت بطاقة الدعوة للمنزل وذلك لحضور أحد الأفراح في القرية لم يكن في المنزل إلاّ أنا وكنت في ذلك الوقت قد بلغت سن الثانية عشرة. كالعادة لا أعير أي اهتمام لمثل هذه البطاقات لكن لوجود نوع من الملل ولعدم وجود ما يثير الانتباه والاهتمام أمسكتُ ببطاقة الدعوه وفتحت المغلف وبدأت أقرأ حتى وصلت الى عبارة " يتشرف السيد محمد العلي السليمان بدعوتكم لتناول طعام الغداء بمناسبة حفل زفاف ولده عصام وذلك بمشيئة الله في تمام الساعه الثانيه من بعد ظهر يوم الجمعه الموافق 10/6/1994م. وضعت خطاً أحمر على المغلف من الخارج لكي أميز هذه البطاقه من غيرها. وبالفعل في الموعد المحدد وضعت ملعقةً في جيبي لأني أعرف بأنها سلاح جيد لصغر حجم كفة اليد في ذلك الوقت ولسخونة اللبن "الشراب" الذي يمنعني من البدء في الأكل والأهم من ذلك لوجود سفاحين في أكل المناسف ممن لا يهتمون ولا يتأثرون بالعوامل والتحديات التي تواجههم. وصلت الى خيمة الفرح وجلست إلى جانب رجل ضخم الجثه نوعاً ما ، يرتدي "قرافه" صفراء اللون وكانت منسدلة على كرشه المنفوخ.

وما أن سمعنا صوت العيارات الناريه والتي كانت دليلاً على جاهزية المناسف فما كان من هذا الرجل الاّ أن همّر قليلاً متنحنحاً كتمارين رياضيه فعّاله للحنجره. وما أن سمعَ عبارة " ياللا يا جماعه تفضلوا" يا لهول الموقف ، فقد كان مرعباً نوعاً ما "يشبه الاحتلال" وبسرعه أقل بقليل من سرعة الضوء فقد كانت " صدورة المناسف" قد أُسرت بالكامل وما كان مني الا أن " حشيت حالي بين هالناس" ولسوء حظي جئت بجانب هذا الرجل ذو القرافه الصفراء الذي حاول عدة مرات إقصائي عن المحيط وسيالات " اللبنيه" على قرافته كالخرائط، لكن هذا لم يضيره فهو لم يرتدي هذا اللون " الأصفر" إلا لأنه "فاهم اللعبه". اتخذت قراراً بعدم المحاوله مره أخرى في الدخول بينهم لكي لا أخرج مصاباً " بعظمة طائشة" وما كان يمر خمسة دقائق إلا ويطلب "شراب" أي اللبنيه حتى بادر أبو العريس بوضع أحدهم بالقرب من هذا الرجل " على قد ما طلب شراب" عرض عليه مزيداً من الشراب وهو يقول: "بدك شراب أحطلك" قال: " لا لا خلص" فهو كان يلتقط بأنفاسه ومرهق . عندها أدركت بأن الموعد قد حان لكي آخذ موقعي الذي سلبه مني. واستلَّ ملعقتي التي ظلت في غمدها طوال فترة القمع والاقصاء.
غادر الرجل ومن معه وعلى الفور انطلقت لقيادة المرحله الثانيه (second phase ) ولكن يا له من منظر، فَلَمْ أجد إلا عبارة "made in china" محفورةً في قاع الصدر، أيقنت وقتها بأن بطاقة الدعوة لا تعني إلا فرض الواقع.
اليوم وبعد مرور ستة عشر عاماً على هذا الموقف أدركت بأن ذلك الرجل ذو خبره في العمل الحكومي ومحترف في تبني نهج إقصاء الضعفاء وقمع وتهميش الطبقة الفقيرة.

سامحني أيها الرجل على ما حملته لك في قلبي فلم أكن أعرف بأن نهجك يتصف بالشمولية.!!



تعليقات القراء

محمود الدويري - الكويت
هذه القصة ذكرتني بقصة ( أبو بطه حمال قوي ) ولكن هذه القصة كان بطلها أبو ربطة ... كثير أمثاله في بلدنا وهوايتهم الإقصاء ...
15-05-2012 03:05 PM
سلمى المصري
شايل كتير يا ابو شذى ومتحمل الله يعينك
20-05-2012 03:02 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات