ويسألون عن الحب الذي للحبيب الأولِ


قد يكون للسائل عذرا ، وللسؤال وجاهة . ولكن إذا عُرف السبب بطُل العجب كما يقولون . فمعدي البلدة ومدرستها الثانوية ليست بالنسبة لي مكانا جمعتنا ظروف قاهرة ثم غادرته وانقطعت صلتي به لا ألوي على شيء ، على رأي الشاعر الذي قال :
نزلنا ها هنا ثمّ ارتحلنا ********** كذا الدنيا نزول وارتحال
إنها ثنائيّة المكان والزمان .. فقد تزور مكانا لأول مرّة تشعر كأنك ولدت فيه ، يجذبك إليه وتحبه بما فيه ومن فيه ، تحاول التغلب على أي صعوبة تواجهك مستمتعا في ذلك . ولعل هذا له ارتباط بعقلنا الباطن وما يخزنه وتجاربنا السابقة وما تحتويها وهذا تحدّث عنه علماء النفس وأفاضوا فيه . وللزمان أيضا دوره ، فما ترتاح إليه وتحبه في زمن معين قد لا تطيقه أو تعافه في وقت آخر .
وثنائيّة البيئة والإنسان .. فربما تقابل شخصا لأول مرة فيخالجك شعور بأنك تعرفه من وقت طويل وتعايشت معه كثيرا . ولعل هذا ما يشير إليه الحديث الشريف " الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " .
وللبيئة أيضا دورها ، وهي مجموعة الظروف المحيطة وعناصرها متعددة ، فان اجتمعت وتضافرت أصبحت عاملا مساعدا على القبول والرضا بل والسعادة . وأشهد أن بيئة معدي وما حولها كانت جاذبة ، وفي مقدمة ذلك وعلى رأسها أهلها الطيبون ذوي الأخلاق الأصيلة بكل تفاصيلها والكرم والشهامة وعزة النفس . فأن يكون الغني كريما فهذا أمر طبيعي ، ولكن خير الكرم ما كان من متوسط الحال .
وطلابها أيضا كان لهم دور كبير ، فإضافة لأدبهم وخلقهم وشدة احترامهم للمعلم والمدرسة وحرصهم على التعلم ، كانوا يتمتعون بذكاء فطري وتنافس شريف على التحصيل . ولا زال كثير من الأسماء من هؤلاء الطلاب محفورة في ذاكرتي ، أتذكرهم باستمرار وأتابع أخبارهم وأتمنى لهم الخير والتوفيق . لقد كان الحرص على أثاث المدرسة ومحتوياتها شديدا ، فلم أشعر أن لوحا من زجاج الشبابيك قد كُسر . كذلك كنت في كل امتحان أحرص على وجود سؤال صعب بحاجة إلى تفكير ويكشف عن الذكاء ، وكم كنت استمتع وأشعر بنشوة عندما أجد أن عددا جيدا من الطلاب كانت إجاباتهم صحيحة . لا أريد ذكر أسماء الآن فالعدد كبير ، ولكل منهم مواقف وذكرى ، وقد أفعل لاحقا بإذن الله . لهم من محب لهم كل تحية ودعاء بالتوفيق والسعادة .
ولأنها من الأوائل . فكما يميز أحدنا أبنه الأول ( البكر ) بشيء من الحب ، فهي أول صف دخلته معلما ، وأول مكان ضمني في أحضانه وبين جناحيه في العمل . الخبرة والتجربة الأولى والراتب الأول والاعتماد على النفس ، والتعامل مع أناس لفترة طويلة عرفت فيها الصداقة الحقيقية والمحبة الصادقة . إنها فترة التدين الواعي والحركة الدائمة والنشاط الكبير . لقد كانت حبي الأول وعشقي الدائم ووفائي المستمر وإلفي المتجدد . ولله در أبي تمام الذي قال :
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ************* ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل للمرء يألفه الفتى ************* وحنينه أبدا لأول منزل
فسلام على معدي ومدرستها ومعلميها السابقين واللاحقين . سلام على طلابها من بداياتها والى ما شاء الله . سلام على الصوالحة ودير علا وأبو الزيغان والديات ومثلث العارضة والصبيحي وباقي الأماكن ، فلي في كل منها أحباب وفيها ذكريات لا تُنسى ... والى لقاء ..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات