الاستعانة بالحرس القديم عين على الماضي وسير إلى الخلف


يشكل المسؤولين السابقين الذين اشغلوا مواقع عامة في الماضي القريب والبعيد فئة لا يستهان بها من مجتمعنا الأردني سواء من حيث العدد الذي يمكن أن نطلق عليه جيشا جرارا من المسؤولين، أو من حيث الخبرات المتراكمة لدى نفر ربما قليل منهم في مجالات عمل تتوزع بين تخصصات ومجالات إدارية وفنية وضريبة ومالية وغيرها. وفي الوقت الذي يمكن أن يتفهم المواطنين إمكانية إعادة استخدام بعض كبار المسؤولين ممن تتوفر لديهم الخبرات المتخصصة والتاريخ المشرف والناصع في الخدمة العامة فإنه من غير المفهوم التفكير في إعادة تعيين بعض السياسيين السابقين ممن جربهم الأردنيين وتلمس ضعفهم ومساهماتهم المتواضعة إن لم تكن السلبية في إدارة شؤون البلاد والعباد.
تشهد الدول الأكثر تقدما و استقرارا في نظمها وأعرافها السياسية والاجتماعية والإدارية سعيا حثيثا للإفادة من خبرات بعض المسؤولين السابقين ، ليس عبر إعادة استخدامهم في فترة ما بعد التقاعد ، ولكن عبر حفظ وتدوين خبراتهم من خلال قواعد بيانات وأنظمة معلومات منظمة وسهلة تبين الكيفية التي تم التعامل معها في بعض الأزمات الإدارية والتنظيمية والمالية والدبلوماسية السابقة وجعل هذه البيانات متاحة للموظفين الشباب الذين يمكن أن يتعرضوا إلى بعض المشاكل والمواقف المشابهة مما يسهل عليهم الإطلاع على الخبرات المتراكمة لمن سبقهم في الخدمة، والإفادة جزئيا في اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لحل المشاكل التي تواجههم في المرحلة الحالية .والحقيقة أن بعض الدول قطعت شوطا في ذلك خصوصا مع التطور الهائل في مجال تكنولوجيا المعلومات وإمكانية حفظها واسترجاعها واستدعائها عند الحاجة خصوصا في القضايا القانونية، والقضائية، والإدارية، والدبلوماسية، وحتى العسكرية وكل هذا يأتي ضمن مسعى الدول إلى التحول لما أصبح يسمى "مجتمع المعرفة" مما يتيح للمنظمات والمجتمع بشكل عام من البناء على خبرات السابقين وعدم هدرها والبدء دوما من المربع الأول بالنسبة لشاغلي المواقع الحكومية العليا.
الشيء غير المفهوم في الأردن هو تركيز النظام على إعادة تجريب المجرب من خلال تعيين كبار المسؤولين السابقين في مواقع قيادية سياسية مهمة علما بأن خبرات الشعب مع هؤلاء المسؤولين خبرات غير سارة ويغلب عليها الفشل في إدارة الشأن العام. يأتي ذلك في ظل ما يتردد من أسماء الذوات من المسؤولين السابقين المرشحين للعمل في حاشية الملك. ترى ماذا عملوا هؤلاء وما الذي يجذب الملك لاختيارهم ونفض الغبار الكثيف عن محياهم ؟من الذي يشير على قائد البلاد لاختيار أسماء، إذا ما صدقت الأنباء، فيها استفزاز لمشاعر الأردنيين الذي يعرفون عن كثب كيف أوصلوا البلاد إلى حالة من الفوضى العارمة نتيجة سوء الإدارة أو قلة المعرفة أو عدم الدراية ؟ كيف تذكر أو ذكر الملك بهؤلاء الحرس القديم من المسؤولين السابقين الذين تجاوزتهم الأحداث السياسية وزخم المطالبات الإصلاحية والربيع العربي ،والذين أصبحوا متخصصين في ترأس "جاهات الصلح العشائري " وجاهات طلب العرايس" وحبك المؤامرات، ونسج الإشاعات في الصالونات السياسية؟ هل تعكس عودة الملك للحرس القديم ذعر النظام وخوفه من سير الأحداث السياسية في الأردن ؟وهل يعكس هذا الإحياء للحرس القديم ممن تجاوزت أعمارهم السبعينات من العمر وربما بدأت ذاكرتهم وبعض أجهزة أجسامهم تتراجع، حنينا للماضي ورغبة في تهيئة ظروف الماضي علا وعسى أن يساعد ذلك في تهدئة الشارع وإنهاء المسيرات والاحتجاجات المستمرة والمتصاعدة متناسين أن ذلك استحضارا لماض قد تولي ؟ما الذي يمكن أن تساهم به هذه الأسماء التي تتردد عن إمكانية تعيينها ضمن حاشية الملك في وقت لم يعد مناسبا لمثلهم أن يكونوا في مواقع متقدمه؟هؤلاء النفر من الأسماء التي نسمع عنها غير مهيأين لا من حيث النمط الشخصي ولا من حيث الحس الديمقراطي الذي تستوجبه المرحلة، ولا من حيث المصداقية الاجتماعية لهم ولسلوكهم الذي تمثل بترتيب أوضاعهم الشخصية ومصالح أبنائهم وذويهم عندما كانوا في السلطة.
إن إعادة إنتاج وتلميع الحرس القديم يمثل برأينا تحولا عكسيا في نهج الإصلاح وتراجع في نوايا الملك الإصلاحية ، كما يمثل ذلك استفزازا لمشاعر الأردنيين الذين سئموا من تكرار نفس الأسماء التي لم نكن أصلا مقتنعين بقدراتها ولكن ماكينة النظام والإعلام صنعت منهم أبطالا ومفكرين وسياسيين وهميين.
نعم نأمل أن تكون ألأنباء عن احتمال تعيين هؤلاء الشخوص في مواقع حول الملك أنباء غير دقيقة وتدخل في باب الإشاعة لأن تعيينهم لا يشكل استدعاء غير ناجح ليس لحالة الاستقرار السياسي النسبي التي كنا نعيشها في الماضي فقط ولكن استدعاء للماضي الفاشل لهؤلاء الشخوص في إدارة شؤون الدولة، كما أن تعيينهم المحتمل يسهم في استدعاء لرغبة كثير من المواطنين الشرفاء لمسائلة هؤلاء المسؤولين عن دورهم في تدمير مقدرات الدولة ومساهمتهم في حالة غليان الشارع الأردني وشعوره بالنقمة على كل المسؤولين السابقين ابتداء برؤساء الوزارات وانتهاءا بالوزراء. هؤلاء يا جلالة الملك أصبحوا جزءا من ماض قد تولي وأن إعادة إحياء دورهم السياسي هو كالسير إلى الخلف الذي يسهم في خسران الحاضر ونحن قد تعلمنا أن التاريخ لا يعيد نفسه ولا يعيد إنتاج شخوصه ولكن يمكن الإفادة من حكمه ودروسه وتجاربه .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات