إياك أعني ايها الكذاب




ربما أن أكثر ما يميز عصرنا كثرة الكذب، فلقد تفشى في الناس إلا قلة قليلة ممن هدى الله قلوبهم ، ولعلك تحاور المرء عرضاً في السوق أو في مجلسٍ، أو تسأله عن سلعة أو أمر حدث فيستفيض شرحا،فتكتشف بعد ان يفرغ من حديثه وتستبين الحق بأنه كذاب أشر........



بل ربما وجدت من خلال ثغرات ذلك الحديث كَذِبَهُ المفضوح قبل أن يفرغ، إذ الكاذب مضطرب غير متسلسل، وهذا يختلف عن الوهم إذ قد يكون المتحدث واهما في شيء وهذا طبيعي، فيختلف وصف الشيء على غير ماهيته ، لجهلٍ أو سماعٍ غير موثق، عن تغيير للحقيقة أو اختراع ما لم يكن......



بيد أن أبرز ما يكون الكذب في أعظم تجلياته وقت الخصومات، فتجد بعض الناس بل أكثرهم يفتري وقت الخصومة بما يلوث الهيئات والأعراض، إمعانا في اثبات أحقية خصومته....



وأضرُّ الكذب وأعظمه جُرما ما كان بهتانا ويحمل اتهاما، وتتبعه خصومات تفيض على الخصومة الاصلية ليَجْمع المفتري كمَّاً من الانصار............ وأشدُّه ضررا وإثما ما صدر من متزيٍّ بزي التدين، إذ الناس أقرب الى تصديق من يرونه على ظاهر من التدين فيفاجؤون مفاجأة المصدوم من كذب المتدين أكثر من غيره....



والعجيب أن يأوي الناس إلى الكذاب ثم إذا خلوا بأنفسهم أو خلا بعضهم ببعض نبزوه بالكذاب ،ثم لا يمنعهم ذلك أن يجالسوه مرة أخرى ويؤآكلوه ويشاربوه، طمعا في دنيا، أو لأن ميزان المبادئ فضلا عن ميزان الحرام الحلال لا يساوي لديهم مثقال الذر أوموازين الهباء .



والأعجب أن يكون الكذب مفخرة يتفاخر بها قليل المروءة بين الناس، حيث يحدثك حديث الصديق الصفي، أنه قد كذب على فلان أو ضلل فلانا،أو اشترى سلعة بذكاء الحاذق ،فتسأله عن الكيفية فيمعن في الشرح وإذ به يقر انه كذب على البائع ،أو العكس عندما يبيع، ولا ادري كيف يُعْتَبَرُ الكذب ذكاء في زماننا وهو من أسوأ الاخلاق ،فضلا عن انه لا مزية فيه، فهل الخداع بالكذب ذكاء،ومن ذا الذي يعجز عنه حتى يبرع فيه احد ويعده من الذكاء ، إنما الذكاء في الاحتيال بصدقٍ وتعريض ٍومناورة ٍفمن حَصَّلَ بهذا مصلحة فهو الذكي ، أما الكذب فلا يتقنه الا معدوم المروءة، وقد كان العرب يعظمونه في الجاهلية ويستحون منه ويعتبرونه من أعظم النقائص، اليس عجبا بعد ان يكون الكذب في زماننا مزية يتفاخر بها الكاذبون.



والأعجب ان أهل الجاهلية كان يقدمون الصادق الأمين، ويؤوونه ويأوون اليه، اما في زماننا فهو منبوذ متروك، والكاذبون هم الفائزون....فأي عصر اعظم جاهلية



ومع انه من الكبائر، ومع انه يذهب بالحسنات،ومع انه من أسوأ ما يتخلق به الرجل أو المرأة، إلا انه مقدم مفضل عند كثير من الناس ولا تفتأ تقضي نهارا إلا وترى منه الكثير،وقد لا يعلم كثير من الناس أنه قد يذهب بإيمان المرء ومروءته فيسترسلون به في المزاح ايضا، ويجعلون منه الابيض والاسود...... والكذب كله اسود ، والمؤمن لا يكون كذابا فمن كذب وظن ان احدا لا يراه فليخلوْ إلى نفسه وليعلم انه ما وطن نفسه على امر أسوأ من الكذب، والكذاب أيضا لابد ان يكون ظالما غيرمنصف، ولابد ان يكون خائنا، وهذا متلازم فلا ينفك الكذب عن الخيانة والظلم أبدا، بل انه يهدي الى كل سوء.



والشاهد مارواه عن عبد الله ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :) عليكم بالصدق ،،، فإن الصدق يهدي إلى البرّ ، وإن البرّ يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً . وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، >> وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذّاباً .متفق عليه



وقد يتصف المؤمن بخلق ذميم إلا الخيانة والكذب فلا يتصف بهما مؤمن أبدا، فإنهما من صفات المنافقين مهما تنكروا بأوصاف المؤمنين، وتزيوا بزيهم بين الناس...والشاهد قول سعد بن ابي وقاص رضي الله , قَالَ : " كُلُّ الْخِلالِ يُطْبَعُ عَلَيْهَا الْمُؤْمِنُ إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبِ….أي ان الخيانة والكذب لا يمكن ان تكون من أخلاق مؤمن أبدا ،فمن اتصف بهما فليزن ايمانه " .



قال العجلوني رحمه الله في: "كشف الخفاء"( ج2/142) :



"ولمالك في الموطأ عن صفوان بن سليم مرسلا أو معضلا: قيل: يا رسول الله، المؤمن يكون جبانا؟ قال: نعم، قيل: يكون بخيلاً؟ قال: نعم، قيل: يكون كذابا؟ قال: لا....................... ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت مقتصرا على الكذب، وجعل السائل أبا الدرداء. ولابن أبي الدنيا في الصمت أيضا عن حسان بن عطية قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تجد المؤمن كذابا.

وللبزار وأبي يعلى عن سعد بن أبي وقاص رفعه: يطبع المؤمن على كل خلة غير الخيانة والكذب. وقال الدارقطني: الموقوف أشبه بالصواب، لكن حكمه الرفع على الصحيح لأنه لا مجال للرأي فيه كذا في المقاصد، وقال النجم بعد أن ذكر فيه روايات: وروى ابن أبي الدنيا عن عمر قال: لا يكون المؤمن كذابا. وفي التنزيل:إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات