واقع الأحزاب في الأردن


منذ فجر التسعينات من القرن الماضي والاردن يتفيء ظلال الديمقراطية ، ويعيش في مساحة من الحرية يحسده عليه القاصي والداني ويفتقر إليها معظم الدول العربية ، وكان السماح باستئناف الحياة الحزبية احد مظاهر هذه الديمقراطية ، فأنشأت عشرات الأحزاب ، منها ما هو إسلامي ومنها ما هو يساري ومنها ما وسطي ومنها ما هو محسوب على الحكومة ، ولقد كان لكثرة هذه الأحزاب اثر سلبي أكثر مما هو ايجابي حيث كان معظمها قد أسس لمصالح شخصية ، مما استوجب وضع قانون عصري للأحزاب ليعمل على تصحيح مسار العملية الحزبية والتي لم تقدم شيئا ملموس على الأرض يشعر به الناس ، هذا القانون أدى إلى اندماج بعض الأحزاب ، والى أن تغلق بعض الأحزاب أبوابها ، وعلى الرغم من هذه المحاولة لتصحيح العمل الحزبي إلا أن واقع الأحزاب لم يتحسن وأثرها لم يظهر ، فلا يوجد في مجلس النواب أحزاب ممثلة الا حزب جبهة العمل الإسلامي الذي مثل ببعض نواب لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين ، أما بقية النواب الحزبيين فقد وصلوا إلى قبة البرلمان من خلال عشائرهم وقواعدهم الشعبية لا الحزبية ، فلماذا هذا الواقع المرير الذي تعيشه الأحزاب ؟ ولماذا عزوف الناس عن الدخول فيها على الرغم من مرور أكثر خمسة عشر عاما على السماح لها بالعمل ؟

إن عزوف الناس عن العمل الحزبي يعود لعدة عوامل نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر

اولا : عامل الخوف ، الخوف من الفصل من الوظيفة او الخوف من الاعتقال او الخوف من سحب جواز السفر الى غير ذلك من هواجس مترسخة في عقول الناس ، وقد نجد العذر للبعض وخاصة في بداية العمل الحزبي في التسعينات حيث كانوا قريبي العهد من حقبة الأحكام العرفية وكان بعضهم يعاني فعلا من بعض الممارسات الخاطئة لبعض الحكومات آنذاك ، لكن لا نجد لهم العذر ألان حيث نعيش في الألفية الثالثة وحيث مرة السنوات الطوال ولم يتم اعتقال احد على خلفية انتمائه لحزب حتى ولو كان محسوبا على المعارضة ولم يتم منع أي مواطن من السفر او فصله من وظيفته لهذا السبب ، بل على العكس قامت الحكومات مشكورة بمحاولات عديدة لتحسين صورة العمل الحزبي في الأردن وتشجيع الناس على خوض غمار الحياة الحزبية ، من خلال إنشاء وزارة التنمية السياسية و من خلال التشاور مع الأحزاب في الكثير من القضايا التي تمس واقع الحياة للمواطنين ، لكن يبقى الخوف من المجهول يسيطر على البعض .

والعامل الثاني الذي يمنع الناس من المشاركة الحزبية هي الأحزاب ذاتها ، حيث ضبابية الرؤية لدى بعضها ، وحب الوصول لدى البعض الأخر ، فالأولوية لديها هو الظهور الإعلامي ، واللقاء مع النخب السياسية ، وإقامة المهرجانات ، أما النزول إلى القواعد الشعبية واللقاء بالمواطنين البسطاء فهذا أخر اهتماماتها ، فهل يوجد حزب يسعى لاستقطاب العمال أو الفقراء ؟ الإجابة طبعا بالنفي ، فجميع الأحزاب تسعى لاستقطاب النخب المثقفة او النخب السياسية أو الرموز التي لها وزن اجتماعي ، وهذا أدى إلى وجود خلل في التواصل بين الأحزاب والشعب انعكس أثره بابتعاد الناس عن هذه الأحزاب ، ويأسهم وإحباطهم من قدرتها على تغيير هذا الحال نحو الأفضل ، والعامل الثالث هو طبيعة المجتمع الأردني القائم على العشائرية والذي يرى البعض أنها لا تتوافق مع الحزبية فولاء الأشخاص يكون أكثر للعشيرة منه إلى الحزب ، وظهر هذا جليا في وصول معظم النواب الحزبيين إلى البرلمان عن طريق عشائرهم لا أحزابهم ، والعشائرية أمر مستحب لأنه يجمع بين الأقارب وأبناء العمومة ، لكن إن أردنا ان نتقدم ونتطور في حياتنا السياسية يجب تقديم العمل الحزبي على الولاء العشائري ، وينحسر اثر العشائرية كلما اقتربنا من المدينة و ابتعدنا عن الريف والبادية ، فالأحزاب حتى الكبيرة وصاحبة الخبرة من النادر ان تطرح مرشحيها في المناطق المغلقة عشائريا في البادية والريف ، لأنها تعرف طبيعة المجتمع الأردني ، أما في المدينة فنجد العكس حيث تأثير العشائر يتقلص في مقابل اتساع تأثير الأحزاب أو المال السياسي ، أما العامل الرابع المتسبب في عزوف الناس عن الأحزاب فهو الجري وراء رغيف الخبز حيث الحياة الصعبة والمعيشة الضنك ، فلا يجد كثير من المواطنين الوقت لممارسة العمل الحزبي لانشغالهم بإعمالهم اليومية ، وان وجدوه فإنهم يفضلون قضاء هذا الوقت مع أبنائهم وعائلاتهم ، ان نجاح أي حزب يعتمد على أمرين الأول مبادئ هذا الحزب ومدى قناعة الناس بها والثاني تطبيق هذه المبادئ على ارض الواقع والذي يكون من خلال التواصل مع القواعد الحزبية والشعبية ، وهذا سر نجاح الإخوان المسلمين ، فهم يعتمدون في مبادئهم على قواعد الدين الإسلامي ، ويسعون من خلال قواعدهم الحزبية إلى نشر هذه المبادئ بين الناس مستغلين العاطفة الدينية ، وعدم وجود منافس حقيقي لهم في الساحة ، و هذا لا يعني إنهم أنبياء لا يقعون في الأخطاء ، فأخطائهم كثيرة لكنهم سرعان ما يتداركون هذه الأخطاء ويواصلوا مسيرتهم .

Fd25_25@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات