احلام مزعجة


لقد افقت البارحة من نوم أرق مضجعي , خيرا ان شاء الله , فلقد رأيت نفسي في الحلم وزيرا , جالسا متكئا على اريكة حمراء مطرزة , مرصعة بالالماس والؤلؤ , مقدما لي شراب طيب اللون والمذاق , وفاكهة رائعة حسبت انها من ثمار الجنة من لذة طعما , وامامي حاشية كبيرة من الخدام والحرس , فيا عجبي على هكذا منصب , ويا لروعته وأناقة المجلس , وفي لحظة من كل ما يحدث شعرت وأني قد اصبحت ( هارون الرشيد ) او ملك عظيم من ملوك اهل الارض بيده ان يحكم كل شيئ حتي الماء والحجر .
ورأيت في منامي ايضا انني اسكن قصرا عاليا عاليا صار موقعه كنجمة في سماء محاطا بسور شاهق يحيط به الاف الرجال المقاتلين الاشداء , وان قصري مزدان بالساحات الخضر وبالورود , ونوافير جميلة تنفث الذهب من فوهاتها بدلا من الماء , واشجارا مثمرة بفاكهة لا مثيل لها على وجه البسيطة , وفي ساحة القصر رأيت سيارات فارهة تفوق الخيال وصفا , واناسا تحمل الهدايا وتقدم العطايا وتمتدح الثنايا , فيا فرحتي حينها وشدة السعادة التي تغمر السرائر .
وقد مضى حلمي الجميل سائرا على هكذا حال من الذة والسمو والاختيال , الى ان جاء ذلك الوقت الذي سوف يهدم كامل لذتي ويعكر صفو السمو كاسرا اختيالي محولا له لصغر مهين .
خرجت من قصري ساعة في موكب مهاب محاط برجالي الاشداء لقضاء حاجة لي , فوجدت وعلى باب قصري عشرات من العامة يفترشون الرصيف ينتظرون خروجي الذي طال انتظاره , فسألت مرافقي وكبير الحراس عندي : ماذا يريدون هؤلاء مني ؟؟؟ وقد رأيتهم يحيطون بالموكب من كل حد وصوب , فاجاب : هؤلاء الرعية وان لكل شخص حاجة عندك سيدي , فقلت له : وما هي حاجتهم ؟؟؟ فاجاب : ان ما يطلبون مكتوب على رسائل موضوعة في مغلفات مغلقة , تنتظر ان تمتد يدكم سيدي لفتحها والنظر في مظامينها , ومن شدة الفضول عندي امرت الحراس بجمع الرسائل من كل الرعية كي اقرأ لاحقا ما بداخلها .
وعند رجوعي ورجالي من قضاء حاجتي وتناولي لوجبة دسمة من ( لحم الغزال ) وددت ان اترجم فضولي على ارض الواقع واتم قرائة بعضا من رسائل الرعية , فبدأت افتح الرسائل واحدة تلو الاخرى لاجد ان احداها تطلب مساعدة مالية والاخرى تطلب وظيفة وغيرها تطلب علاجا وهكذا امور , الى ان اصطدمت برسالة مبهمة لا يطلب صاحبها ايا مما ذكر بل انه يطلب :- فلنرى ماذا كتب صاحب الرسالة ------
سيدي :- قد تتفاجئ مما سأطلب في رسالتي هذه وكثير من رعيتك الكرام , سيدي اننا نطلب العيش بكرامة لا اكثر , حيث اننا رعية اعزها الله بدين حنيف ونبي كريم وخلق عظيم , فان الفقر والجوع والحرمان قد اصاب الكثير منا , وان سياسة الافقار والتهميش قد اضنت وارقت مضاجعنا , كثر حينها الحيتان والغيلان وسماسرة الارواح , وارتفع سهم الاغنياء جدا , مع هبوط قاتل لسهم الفقراء والموعزين , سيدي : اننا رعية قد اصبح الفرد منا يلهث وراء لقمة العيش لهثا , فاما يطالها اغتصابا او بعدها يفنى , فحبال العوز تخنقنا , واطفال لدينا يصرخون في وجوهنا من شدة الاعياء والمرض , اصبحنا رعية مهمشة نفترش الارصفة امام القصور , نتسول الرحمة , نبكى حرقة كلما مر العيد على اطفالنا البؤساء ونحن نشاهد ابناء الاغنياء يزدانون باغلى الثياب واجملها .
سيدي : ان رعيتك الغنية تزداد ثراء وترف بينما الفقراء لديك يزدادون تعثرا وشقاء , رعية باتت مسلوبة كامل الارادة , لا حول لها ولا قوة , قد استنزفت الايام كامل صبرها وجلدها على هذه الحياة , فاننا وبحق اصبحنا نستعجل الموت رحمة لبؤسنا وعوزنا وفقر لا يطاق .
سيدي : ان لك رعية طال انتظارها لتراك , لتلمس منهم ما تحتاجه الانفس من كرامة واعادة اعتبار , فان رعيتك عزيزة تحمل من شهامة الامم الكثير الكثير , فهم لا يطلبون الخبز من اجله ولا الماء لاجله بينما انهم عشاق لكرامة اهدرت , وحياة عكرت , وحقوق استعصى عليهم ردها , وغيلان مسعورة تنهش لحوم الفقراء لديك لتزداد ثراء وترف , رعيتك اصبحت يا سيدي مضتهدة الى ابعد الحدود , فغلاء الاسعار وكثرة الضرائب وفساد لا يطاق باتت جميعها حبالا تلتف حول رقاب الموعزين , قد باتت الحيتان تسيطر على كل شيئ ( حتى لقمة الفقراء ) فهم يطاردونا في كل الامكنة , فسطوتهم قد طالت كل امر في هذا البلد , فاننا نراهم يشترون ويبيعون كل شيئ حتى ضمائر البشر , لا اخلاق تحكمهم , ولا ظوابط تردعهم , ولا قانون يطالهم , قد الهوا انفسم ( كفرعون ) عندما طغى وعلى العباد تجبر - فاتى حكم الله عليه عادلا فمات باليم ( فتحسر ) .
سيدي : ان رعيتك لا تطلب المعجزات , فزمن المعجزات قد ولى واندثر , وانما يطلبون منك ابسط الاشياء واسلسها , فهم لا يردون العيش في القصور ولا بالفلل , ولا يطلبون الثراء الفاحش والتعال على البشر , ولا هم بحاجة لمعونات طارئة او مكرمات , ولا هم من يستغل الضروف ويقتنص الفرص لنيل بعضا من الهدايا والهبات , انما للرعية مطلبا واحد لا بد منه ومهما طالت الايام العيش بكرامة كباقي الخلق , والا لسوف بعدها الرعية لن تعتذر ..............
حينها توقفت عن اكمال قرائة الرسالة متلفتا شمالا ويمينا وقد حسبت ان صاحب الرسالة ومعه كامل الرعية تخرج من بين السطور لتقول لي , انتبه امامك شعب مقهور وحاشية فاسدة , فأين المفر اين المفر اين المفر ......... محاولين خنقي وازهاق روحي من شدة الغضب .
ولكن وبحمد الله افقت ساعتها لاكتشف انه حلم لا اكثر --كما اتمنى ؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات