عطري (2)


تفوح رائحة المسك من ذاكرة الأرض , كالنور المنبعث في أصقاع الحياة ودواخلها , لتنبت الأرواح من سباتها لتنير العقول والألباب , وتزرع الحب لتحصد الحياة الناصعة الصافية التي لا تشوبها إنفلاتات الحياة بكل تسارعها وثوراتها وجنونها , فترسم للنفوس أفاقها العذبة الصادقة من رائحة العطر البري المغموس بنكهة الأرض والتاريخ الأصيل المشرق المشرّف .

تفوح رائحة الليمون على درب أرض الأحرار والشهداء الذين بذلوا الحياة رخيصة دما لا ينضب , لتتحرر العقول قبل الأبدان من ظلام الليل الطويل الذي تأخر به موعد الفجر كثيراً , ومع ذلك ألا أن بازغة الأمل , قد أظهرت أول خيوط النور .

(الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة) هذا ما خبرنا به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم , أي أن هذه الأمة ولّادة للعطريّن , الذين استشهدوا وتركوا أثارهم العطرية تفوح في كل مكان , على كل صخرة نزفوا , على كل حبة رمل وقفوا, أثارهم راسخة في عقول أبناء هذه الأمة , لن ولم تزول وإن تباعد الزمان , وماتت الذمم , وسقطت الهامات رخيصة في دوامة الحياة , بمصالحها , وأهوائها ,فللحياة بريق الرغبات , خيول جامحة تغازل الخطيئة وتودي بالنفوس الطاهرة إلى قعر بئر الخزي والذل , كما الانتكاسة فوق فوهة الجمر يحرق عيون الأمل على جدار واقع اللحن الوحيد بسيمفونية عدم الرضوخ للرغبات الجامحة .

ستبقى رائحة العطر تفوح ولن تنقطع , ستستمر ما استمرت الحياة فينا , ستفوح العطور مع كل تشعب واختلاف يتبعه فُرقة وهزال وموت , ومع كل صرخة في وجه مستسلم خانع , مع كل مهادن على حساب الفقراء والمسلوبين والمحرومين , ستستمر مع التستر على الواقع الزائف والإصرار عليه وعلى مصالحته , ومع كل نبضة خير وأول كلمة حق , ستفوح رائحة العطر في كل أرجاء الأرض ولن تنفذ مهما طال بنا الوقت أو قصر .

سيأتي اليوم الذي ستحبل الأرض من دم الشهداء العطري , وتلد عقول صافية نقية , ترى الحق وتسلكه بدون محاباة , أو مماطلة أو تقاعس , ستملكها رغبة منبثقة من نور إيماني عظيم لا ينتهي أبداً.. نفوس لا تساوم كما إنها لا تنافق ..وستبقى رائحة العطر ما دامت أمة المسلمين على قيد الحياة ..وسيبقى الرجل العطري الذي حلمت به يوم مجرد حلم إلى أن يحق الله الحق ويمحق الباطل .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات