الملاحق الثقافية في الصحف اليومية .. إحياء أو الغاء


ذات يوم تفصلنا عنه سنوات عدة ، أقدمت صحيفة يومية حديثة النشأة على إلغاء ملحقها الثقافي ، مع أنها كانت قد اختارت له اسما ذا رنين جاذب على اذن السامع . خطوة الإلغاء قوبلت بالإستغراب والإمتعاض من قبل المصابين بجرثومة القراءة والكتابة والثقافة عموما . ولا أستبعد أن القرار قد اتخذ بحسابات "البيزنس" وموازينه ، التي عادة ما تنظر الى الثقافة من نافذة لزوم ما لا يلزم . وقد يكون القرار بني على استشعار للحال التي ستؤول اليها الملاحق الثقافية التي لما تزل على قيد الصدور . وهنا أجد نفسي مضطرا الى إلصاق ميزة بعد النظر بمتخذ القرار . صفحات الملاحق المسماة ثقافية أصابها داء الإنكماش التدريجي خلال السنوات الأخيرة ، وأحدها تحول الى صفحات أقل من أصابع اليد ، منزوية داخل عدد الجمعة ، في اشارة لا تخطئها العين على "المكانة" التي يحظى بها لدى الصحيفة . وليت الإنكماش توقف عند عدد الصفحات ، لكنه لم يلبث أن تمدد في الطول وفي العرض وفي العمق، ليلقي بظلاله على المضامين ، التي يلفها الجمود ، وتبدو عليها أعراض فقر دم المحتوى ، وأنيميا الروح ، لدرجة يصعب على القاريء الجاد العثور فيها على شيء يقرأه . الإنطباع الأول الذي يفرض نفسه على من أوتي قدرة الصبر ، اذا ما تجشم عناء تقليب الصفحات المسماة ملاحق ثقافية ، هو أن إعدادها تحول الى عمل وظيفي روتيني مطلوب لتسويد عدد من الصفحات ، ولا بأس من ترويسها بكليشيهات تشير الى أن هويتها ثقافية . وهذا يذكرني بآلية عمل مصانع المواد الإستهلاكية في الإتحاد السوفييتي السابق . فقد كان يطلب حسب "الخطة" من مصنع المعاطف انتاج 20 ألف معطف على سبيل المثال لا الحصر ، وليس مهما النوع أو الموديل ، ومراعاة أذواق المستهلكين ، المهم هو انتاج العدد المطلوب. وبالطبع لم يكن واردا في أذهان واضعي الخطط والمنتجين سؤال : هل البضاعة المنتجة قادرة على المنافسة ، أو قابلة للتصدير . وهذا الأسلوب في الإنتاج من أبرز أسباب انهيار الإتحاد السوفييتي السابق اقتصاديا.
الملاحق الثقافية في الصحف اليومية تتهم أحيانا بالشللية . لا أريد أن أجزم بصحة هذا الإتهام ، ولست بصدد نفيه أيضا ، ولكن حبذا لو كان الإتهام صحيحا مع شيء من "قطران" الحيوية وغنى المضمون ، ينتشلها من وهدة الكآبة والجمود.
لم يعد مقبولا استمرار الملاحق الثقافية في الصحف اليومية على هذه الشاكلة . فمن الأولى التفكير بإخراجها من غرف الإنعاش ، واذا تعذر احياؤها ، فإن الإلغاء أجدى وأنفع ، وخاصة بالنسبة للصحف التي تواجه ضائقة مالية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات