طريقك وعرة يا فايز


الأخ الفاضل فايز الطراونة الموقر، نعلم يقينا أنك خبير اقتصادي بامتيار، رغم أن بعض الكتاب والمطبلين بدؤوا يدقون لكم على الطبل السياسي، ولعل أشد تخوفنا ما يتمثل في الخشية من أن تُقرع في عهدكم الانتقالي القصير طبول الاضطراب والفوضى، وليس ذلك لقِصَرٍ في بُعد نظركم، ولكن لأن الشعب الأردني -الذي طالما نعتناه بالكاظم الغيظ والقابض على الجمر والصابر على المر- بات أشبه ما يكون بالمبلل بوقود الطائرات، والذي هو أسرع اشتعالا من البنزين، كما تعرفون.

واعلم يا فايز أن أي محاولة من طرف حكومتكم قصيرة الأجل "لِشَحْطِ" أي عود كبريت لأي سبب كان، سيكون من شأنه اشتعال الشعب بأكمله. وإذا ما اشتعل الشعب بأكمله فلأي شعب أو أناس ستعمل حكومتكم يا ترى!

وتعلمون أيها الفاضل أن الربيع العربي استوى على عوده وأن الربيع الأردني لا يزال يرواح مكانه، وكم يتوق الشعب الأردني الكريم الكاظم الغيظ والقابض على الجمر والصابر على المر لأن يتذوق ثمار ربيعه الذي رش بذوره بيديه الاثنتين، وسقى نباتاته بعرق الجبين، وساعده في نموه بعد المولى، عبد الله الثاني بن الحسين.

والربيع الأردني كما تعرفون، ينادي بإصلاح اقتصادي وسياسي واجتماعي حقيقي، إصلاح تُمارس فيه الديمقراطية الحقيقية بشكل كامل وشامل وبأسرع ما يكون، فهل أنتم لمثل هذا الدور الحساس، بحيث يرضى عنكم بعد الله معظم الناس، إن لم تقل كل الناس يا ترى؟! وكثيرون يشككون بأنك ستكونون رجل المرحلة الحرجة، وليس ذلك لضعف في شخصكم، لا سمح الله، ولكن لأن المرحلة ثقيلة وضخمة وهائلة ومفصلية وحرجة، وتعجز عن حمل مسؤولياتها وعن تحمَّل آلام مخاضها الجمال والجبال، برغم ما تتصفان به من القدرة على الصبر ومن العلو والقدرة على التحمل. إنها الأمانة التي يضعها القائد المحبوب عبد الله الثاني في أعناقكم.

ولا بد لنا هنا من الإشارة إلى أنه سبقتكم حكومة عادية برئاسة الأخ الفاضل عون الخصاونة الموقر، وأقل ما يقال فيها إنها كانت على مدار ستة أشهر وعشرة أيام، حكومة شريفة نظيفة نزيهة صبورة حكيمة قديرة، وجديرة باحترام الدنيا، من رئيسها عون إلى كل أعضا طاقمها الأشاوس، فردا فردا.
ولكن يبدو أن الأخ عون رعاه الله والذي ترك منصبه كقاض في محكمة العدل الدولية، أراد أن يسلك طريق الإصلاح السياسي الحقيقي، وربما هي طبيعة تقصي العدالة والمقاضاة على المستوى الدولي، والتي تتطلب السير بطيئا وتوخي الحذر قبل كل منعطف، ولكن مطبا في طريق الحكومة المستقيلة كان مفاجئا ولم يأخذ الممسك بالدفة وهو الفاضل عون حذره الكافي قبل الوصول إلى ذلك المطب.

ويتمثل المطب السياسي الاقتصادي في إعلان رئيس الوزراء في الحكومة العادية المستيقلة الأخ الفاضل عون الخصاونة عن نية حكومة تطبيق قانون "من أين لك هذا"، والذي طالما نادى به الشعب الأردني الكريم الكاظم الغيظ والقابض على الجمر والصابر على المر، وكان الخصاونة أعلن عن مشروع القانون أثناء انعقاد جلسة لملجس النواب في يوم الأربعاء 18 أبريل/نيسان 2012، ولربما نسي أخي عون أن هناك من سبقه إلى رفع شعار "من أين لك هذا؟" ممثلا برئيس الوزراء الأردني الأسبق الأخ الفاضل أحمد عبيدات الموقر الذي تولى مهام رئاسة الحكومة العادية في الفترة من 10يناير/كانون الثاني 1984 حتى 4 أبريل/نيسان 1985 وأن مركبة عبيدات كانت تتعثر في الطريق الوعرة كلما ارتفع سقف شعاره الذي رفعه إلى أعلى.

إذن، يرفع الخصاونة أيضا شعار "من أين لك هذا؟"، لا بل ويصر على أن يجعله قانونا يقدمه للمجلس التشريعي (الذي لم يشترك فيه الإسلاميون ما عدى من رحم ربي بشكل فردي منذ انتخابه) ليلقى الموافقة والاعتماد، ومن ثم تبدأ حكومته العادية أو من يرثها من حكومات عادية في تطبيق القانون الفريد الجديد، والذي يشرب بيد بقوةالحديد على أيدي كل كبار السارقين وجهابذة النهّابين، والقادر على تحصيل كل المسروقان من كل السارقين وكل المنهوبات من كل الناهبين، والقادر، بقدرة قادر، على إعادة مقدرات الوطن المنهوبة، وبالتالي خفض الميزانية وتشغيل نسة لا بأس بها من العاطلين عن العمل، وبالتالي مواكبة الإصلاح الاقتصادي للإصلاح السياسي. ولكن "يا فرحة ما تَمِّت، خَدْهَا الغُراب وِطَار". فهذا هو الحظ العاثر للشعب الأردني الكريم الكاظم الغيظ والقابض على الجمر والصابر على المر. وإلا أيعقل أن يتواجد النفط في العراق شرقا وسوريا شمالا وبلاد الحجاز جنوبا ويقفز عن الأراضي الأردنية؟! والحمد الله على جميع الأحوال.

الأخ الفاضل فايز الطروانه، كنا أرسلنا بما يشبه الرسالة المفتوحة إلى الأخ الفاضل عون الخصاونة بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011 بعنوان "شكرا للملك واسمع ياعون"، والحق يقال أنه عمل بما فيها، مما قَيَّدَ قلمنا الإلكتروني من توجيه أي عِبارات ثقيلة أو راجمات كلمات عابرة للقارات إلى حكومة عون على مدار فترتها، وذلك حتى هبت الرياح بما لم تشتهي السفن.

وإليكم اليوم يا فايز نزجي التحية والتقدير والاحترام، ونتمنى عليكم وعلى طاقمكم المنتظر قيادة الدفة حسب توجيهات القائد المحبوب عبد الله الثاني، وأما من جانبنا، فنوصيكم بِمَدِّ يديكم الاثنتين إلى تيارات المعارضة المختلفة بكل اشكالها، وعلى رأسها الإسلاميون، وذلك لأنهم يشكلون ركيزة من ركائز الوطن، وركنا من أركان ثباته واستقراره، واعلم يا فايز أنهم إلى القيادة الهاشمية قريبون وأقر من حبل الوريد، ومن القيادة الهاشمية كانوا وما زالوا مقربين قرب نفس الوريد.

ومن هنا، ندعوكم إلى أن توقفوا أي تجييش حكومي محتمل ضد الإسلاميين، وأن لا تفعلوا كما فعل أخونا معروف، والذي شمر عن ساعديه في برنامج "ستون دقيقة" من شاشة التلفزيون الأردني، وتوعد الإسلاميين في الشارع، وقام بغزوهم وبغزو المعارضة، حتى انتصر عليهم في غزوات متواليات بِدءً من غزوة دوار الداخلية ومرورا بغزوات متعددات، وعندما لم يرى الخيل تلهث، سلَّطها في غزوته الأخيرة ضد الإعلاميين، فنادينا في مقال لنا بعنوان "لِنُسْقِط الحكومة قبل المُنْعَطَف" في 12 أكتوبر/تشرين الثاني 2011، وذلك كما نادى معنا وربما قبلنا الشعب الأردني الكريم الكاظم الغيظ والقابض على الجمر والصابر على المر، فما كان من القائد المحبوب إلا أن لبى نداءات شعبه الكريم ، كما هي الحال على الدوام.
كما نحذر من أنه يبدو أن للإسلامين شكلا من أشكال الخطيئة، بمعنى أن كل من يظلمهم أو يقترب من ساحتهم مُظهِرا غير ما يُبطن، فإنه سرعان ما يتبخر أو يتسامى أو يذهب أدراج الرياح. ويبقى القول إن طريقكم وعرة يا فايز، وإننا لنرجو لكم السلامة من كل العثرات. إلى هنا.

*إعلامي أردني مقيم في دولة قطر.
رئيس وزراء حكومة الظل الأردنية
Al-qodah@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات