الأتوقراطية الفاضلة


تاريخ الأردن السياسي لم يسبق له أن شهد حكم الدكتاتورية، فكاريزمية الملك حسين كانت سبب قوي لالتفاف كل أطياف الشعب من حوله، وكان رغم فترة فرض الأحكام العرفية التي استمرت قرابة الثلاث عقود، إنسانيا أكثر من كل المسئولين الذين واكبوا فترة حكمة.

ورغم غياب الدكتاتورية عن طابع الحكم في الأردن، إلا أن ميزة الحاكم كانت الإدارة الاتوقراطية بمفهومها العلمي، والتي يمكن تعريفها بأنها التمسك بالسلطة والحكم المزاجي والتفرد بالقرار إن وجد رأي مخالف، إلا إن عبقرية الملك حسين السياسية وحسن بصيرته ساهمت بعدم تشكل أي تشوهات في المسيرة السياسية في البلاد بين الحاكم والمحكوم، حتى جاءت ساعة الصدام العنيف بأيلول الأسود والتي انعكست تبعاتها على كل أطياف الشعب الأردني، وولدت نوع من الكراهية يعاني الشعب من تبعاتها حتى هذه الأيام، وعقبتها بعد ثماني عشرة سنه هبة نيسان، التي نتج عنها إنهاء الأحكام العرفية والدخول في فترة الديمقراطية الصورية، إلا إنها كانت فترة محفوفة بالمخاطر نتيجة نشوب حرب الخليج الأولى، والتي استطاع الملك حسين اتخاذ قرار صعب بان يكون خارج إطار قوات التحالف، الأمر الذي لقي استحسان الشارع الأردني، وكانت صورة الاتوقراطية هي السائدة وان كانت الشعارات المرفوعة تتحدث عن الديمقراطية تلك الفترة.

وفي عهد الملك عبدالله الثاني، تقسم المسيرة السياسية في البلاد إلى ثلاث مراحل تكاد تنفصل كل مرحله عن الأخرى انفصال كلي، فالسنوات الثلاث الأولى من حكم الملك شهدت تطور قيادي من نوع يلامس طموحات الطبقات الفقيرة، فكانت القرارات الملكية تحتفظ باتوقراطيتها إلا أنها تميل لتحقيق التوازن والعدالة في التعامل مع الطبقات الاجتماعية، فتم ايلاء البعد الاقتصادي أهمية كبيرة فكانت الطموحات كبيرة والآمال لا حدود لها رغم قلة الإمكانيات، وتم الاجتهاد على تسويق الأردن كبيئة مناسبة للاستثمار في كثير من دول العالم، وكادت أن تنجح هذه المساعي لولا العثرات التي واجهت هذه الانطلاقة، مثل عدم قدرة أو رغبة كثير من المسئولين من مواكبة السرعة التي يمضي بها الملك، فتشكلت فجوة عميقة بين طموحات الملك وقدرة المسئولين على التنفيذ، فكانت هذه العثرة محدد مهم من محددات التقدم والازدهار الداخلي لتلك الفترة.

أما المرحلة الثانية فقد تأثرت المملكة على الصعيد الخارجي بحرب الخليج الثانية واحتلال العراق، الذي شكل نكسة كبيرة بين الحكومة والشعب، نظرا لموقف الحكومة خلال الحرب الذي اختلف كليا عن الموقف السابق في حرب الخليج الأولى، الذي نتج عنه تشوه في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، الأمر الذي جعل من السلطة أن تمارس الإدارة الاتوقراطية بطريقة مباشرة، مع تغييب الديمقراطية التي كانت تقف على قدميها ولكنها كانت تنظر إلى الخلف وتغمض عينيها، واستمرت هذه المرحلة لمدة تسعة أعوام، تكاد تكون أتت على كل الانجازات الايجابية التي تحققت في العقود السابقة فمشاريع التحول الاقتصادي والخصخصة والإدارة المتسرعة أضعفت بنية الاقتصاد الأردني وجردته من كل موارده الإستراتيجية، وجعلت اعتماد الميزانية العامة للدولة ينصب على الضرائب والرسوم حيث شكلت ما نسبته 68% - 73% على طول الفترة الواقعة بين عامي 2008 – 2011 الأمر الذي يعني ضعف الاقتصاد الأردني، وتحمله أعباء خدمة الدين العام بما يزيد عن 518 مليون دينار سنويا منها 121 دينار تقريبا فوائد تدفع على الدين العام حسب تقارير وزارة المالية.

أما المرحلة الثالثة والتي بدأت تتكون منذ مطلع العام 2011 وحتى الآن والتي اجتاحت المملكة خلالها حركات احتجاج شعبي، أثبتت السلطة السياسية في البلاد أن النهج الوحيد المتبع للتصدي لها يتمثل بالاتوقراطية البحتة، فيتم من خلال وسائل الإعلام الرسمية الإعلان أن حدود الحرية مطلقة، والواقع يثبت العكس تماما فحدود الحرية تكون في سجن الموقر أو في سجن الجويده أو سجن البلقاء، فبعد انتهاء أزمة شباب أحرار الطفيلة ومعتقلي الدوار الرابع برغبة وأوامر ملكية، دخل أول صحفي إلى سجن البلقاء بتهمة تفوق عقوبتها عقوبة الرشوة والاختلاس واستغلال السلطة والنفوذ، فمن مجلس النواب الذي يحتفل بالرواتب التقاعدية مدى الحياة، جاءت أسباب تهمة جمال المحتسب بمناهضة النظام، والتي عكست الصورة الحقيقية لتطبيق الاتوقراطية المزاجية في إدارة الدولة، وتحت مظلة دولة القانون والمؤسسات والحريات، أو ما يسمى بـ ( الديمقراطية النائمة).

kayedrkibat@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات