سيناريوهات الربيع الاردني


لا ادري ان كان مجلس الامن القومي الاردني يعمل او يفكر بالوضع الراهن لمجتمعنا، وفيما اذا كنا قادرين على التنبوء بالمستقبل القريب والبعيد للاجيال القادمة. نحن في منتصف الطريق حسب المقاييس العلمية للربيع العربي، فقد حصلنا على علامة الخمسين من مائة، اي اننا على مفترق الطريق ما بين الاصلاح والفوضى، فاين يمكن ان نسير؟ وهنا يمكن الحديث عن الطريق الآمن نسبياً (سيناريو الاصلاح) وطريق سيناريو الفوضى (غير الآمن).
أولاً: سيناريو الإصلاح والتغيير
يقوم هذا السيناريو على قيادة التغير والإصلاح في المجتمع، وهذا هو السيناريو الذي يقود إلى بر الأمان وتجنب الفوضى، وقد كان لكثير من المبادرات الملكية والتي عملت كقوى محركة وموجهة لبوصلة التغيير , وفي الوقت نفسه قادت جهود ومحاولات الإصلاح، منها محاولات محاكمة عينة من الفاسدين باوزان مختلفة وانشاء هيئات محاربة للفساد، وتراجع الدور التقليدي الأمني. ان مشكلة هذا السيناريو هي في صعوبة الوصول لقادة التغيير، فالإدارات الحكومية متأثرة بدرجة كبيرة بثقافة الواسطة والمحسوبية والتوريث، التوريث في شتى مفاصل الحياة الرسمية والاجتماعية، وهذه قادت الى مزيد الاقصاء والتهميش الفردي والجماعي، وأسست لثقافة الاستبداد، ذلك أن جماعات المصالح والظل هي من تسيطر على القطاع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، هم ذات الفئة التي أخرجت الناس من بيوتها للشارع، وساهمت في تأزم المجتمع الأردني بحيث وصل المجتمع لمرحلة ما قبل التفجير ولم يبقى إلا الصواعق أو القادحات التي قد تخرج المجتمع إلى السيناريو القسري. ومن أهم الاستجابات الحكومية (الاستراتيجيات) التي ربما تقود إلى نقل المجتمع الى هذا السيناريو والوصول به الى مخرج التقدم والريادة مايلي:
1. تعزيز تكافؤ الفرص والعدالة والانصاف في المجتمع رسمياً وثقافياً
2. توسيع قاعدة محاكمات الفاسدين (مالياً وإداريا)على المستوى الافقي والعمودي، وان تكون المحاكمات علنية وسريعة وعدالة .
3. ايقاف الاختباء العشائري والاستقواء بالمناطق لمنع انفاذ الدستور ومواثيقه و تطبيق القوانين بعدالة وشفافية وصرامة؛
4. الغاء المحاكمات ذات الطابع السياسي والشكلي
5. تقييم دوري لانجاز الحكومة وادائها ضمن تحديد اهداف وطنية محددة؛
6. وضع معايير اشغال المناصب العليا ضمن معايير علمية وفنية، وعدالة توزيعها؛ والاعلان عنها
7. تحصين القضاء ومراقبته وتقييمه وإعادة النظر في إدارة مؤسسات الفساد واستقلاليتها.
8. تنظيم الحراك السلمي ومطالبات الناس الحياتية ضمن اهداف وطنية محددة
9. دعم سياسات الاصلاح ومحاربة الفساد ووضعهما أولوية وطنية عليا
10. وضع استراتيجية أمنية تتضمن الاصلاح الأمني وهندرة المؤسسات الأمنية وإعادة التنشئة الامنية والعقيدة العسكرية على كافة مستوياتها.
11. الاستمرار في الاستراتيجية الشرطية التي قادها الامن العام طوال الحراك، وتشجيع بقية الاجهزة الامنية على مثل هذه الاستراتيجية والمتماشية مع متطلبات الواقع.
12. وقف حمالات تقسيم المجتمع إلى موالاه ومعارضة ، وعدم ربطها بشخص الملك، وعدم شيطنة الحراك وتصوير المعارضة على انها معارضة ضد الملك.
كما ان إعادة هندرة الحراك المجتمعي، وتنظيمه من حيث القيادة، والادارة، والتنفيذ ووضع برنامج واهداف وطنية حقيقية ، وتنقيته من الشوائب، والابتعاد عن شعارات الشخصنة، وعدم تحويل الحراك لساحات اغتيال الشخصية، وتصفية الحسابات وتنصيب الحراك قاضي وخصم (فليترك ذلك للقضاء)، والابتعاد عن زج الملك والملكة وولي العهد في شعارات غير مسوؤلة، ان خسارة الحراك لدعم الملك هي خسارة مجتمعة وليست خسارة للحراك نفسه.

ثانياً: سيناريو الفوضى والتغير القسري
إن الفشل في الاستمرار في سيناريو الاصلاح سيقود لسيناريو الفوضى، وهذا السيناريو حتمي الحدوث مالم يعاد الاتزان الاجتماعي وينجح سيناريو الاصلاح، وقد يتطلب تجنب هذا السيناريو ان يقود الملك الاصلاح بنفسه، فالحكومات وكذلك المجالس قد خذلت الملك، فلم تكن في اغلبها وفق التوقعات لا الملكية ولا الشعبية. كما ان خروج الحراك عن سلميته، أو خروجه عن أهدافه الوطنية، وتجاوزه لحقوق الناس قد يدفع إلى هذا السيناريو، كما يعتمد على موقف الاغلبية الصامته من مجريات الاحداث. وهو أسوء سيناريو سياسي، وغير مرغوب اجتماعياً، ولكنه قد يحدث كسيناريو مستقل او نتيجة استخدام بعض الاستراتيجيات غير المناسبة . هذا السيناريو يقوم على الفوضى الاجتماعية العامة، والتي تعطل عمل أجهزة الدولة ونظمها، وتقود إلى تغير اجتماعي وسياسي جذري عشوائي. وعواقب هذا السيناريو وخيمة ومدمرة، ولكنه محتمل الحدوث، و الجميع يخشى الوصول إليه. ولكنه نتيجة حتمية في حال فشل السيناريوهات المعززة للانتقال الآمن للمجتمع لوضع جديد.
وقد يفجر هذا السيناريو حدث فردي، أو جماعي، أو أي قادح من قادحات الانفجار الاجتماعي الكبير، من مثل حرق بوعزيزي ، وفي الأردن ربما لم تفجر حادثة الانتحار الناري لعدد من الحالات الوضع العام، ولكن هناك مواطن انفجار قد تولد انفجار وحرب اهلية (شرق أردنية وغرب أردنية) كما يمكن أن يكون فشل امني في معالجة وضع ما (أحداث النخيل أو الدوار) وربما إن تكررت بظروف أخرى قد تؤدي للانفجار. وهناك عدة استراتيجيات حكومية وأمنية قد توصل إلى هذا السيناريو وهي:
1. استراتيجية الإطفاء / الاحتواء الناعم. وتقوم على الاسترضاء وردة الفعل والتسويات الفردية والجمعية. وهذه الاستراتيجية متبعة في الوقت الراهن في الحد من زيادة زخم الحراك ومواجهة الوضع الاجتماعي المتردي، يرافق ذلك تدخلات مباشرة وغير مباشرة لمؤسسات الدولة الرئيسية وخاصة الامنية منها والتنموية في تفعيل هذه الاستراتيجية، كما يتبنى ذلك بعض الرسميين تحت شعار تجنب الانفجار والفوضى. كما يقوم هذا السيناريو على تجنب انفجار قادحات الانفجار قدر الإمكان، ومحاولة إطفائها بشتى الوسائل. ويشمل التسويات مع بعض الفاسدين في ارجاع جزء من المال المنهوب، ومحاكمات لرموز الفساد، والاستعجال في جلب المزيد من الحالات والهدف هو تنفيس الاحتقان الشعبي. فالاسترضاء كان واضحا في اعتصامات المتقاعدين من العسكر والمعلمين والسبب هو الخوف من المزيد من العنف وخروج قادحات الانفجار عن السيطرة. كم تغلب استراتيجية الاسترضاء لافراد مؤثرون في جماعات هامة.،من محاولات استرضاء الجماعات القوية مثل جماعة الاخوان المسلمين .

2. استراتيجية الإشغال / التأزيم. وتمثل هذه الاستراتيجية بعض السياسات الحكومية في التعامل مع الواقع الاجتماعي، فمن اخبار وإشاعات تتعلق بالقضايا الهامة في حياة الناس من مثل رفع الأسعار أو إعادة خدمة العلم والانتخابات أو مباريات كرة القدم...الخ من الأحداث التي تشغل بال العامة أو قد تشغل العامة في ردة الفعل عليها أو التعامل معها. كما تشمل الادارة بالازمة، وخلق ازمات لادارة الواقع المتأزم من مثل حبس بعض المعتصمين، وتدخل الدرك واستخدام العنف في محاولة لجس قوة الحراك وخلق وضع متأزم لحل مشكلة كبرى من الناحية الامنية (الحراك).
3. استراتيجية الانتقاء. وتقوم هذه الاستراتيجية على انتقاء حالات معينة والهاء الرأي العام بهم، وخاصة حالات كبرى من الفساد وخاصة ممن لا بواكي لاجتماعية أو عشائرية بالقدر الكافي لهم. والاستعجال في اتهامهم ومن ثم حبسهم على ذمة التحقيق ورفض كفالة لمرات وإخلاء سبيلهم لاحقا أو حبسهم على قضايا تافهة وترك القضايا الكبرى، كما هي حالة المعاني والذهبي .
4. الاستراتيجية الأمنية. يمثل هذا السيناريو التقليدي العربي في مواجهة الربيع العربي، تدخلات أمنية بأشكال متنوعة مدنية وغير مدنية مباشرة وغير مباشرة، حبس واعتقال، وتهديد وإغراء، وتسويات، كل أدوات المنع الايجابية والسلبية تستخدم في هذا المجال. ومع زيادة المطالبات الشعبية بوقف التدخل الأمني في الحياة العامة ومع ظهور حالات فساد امنية ، وتراجع الدور الأمني التقليدي الظاهري الى ادوار غير تقليدية وغير ظاهرة. كما ان التجارب العربية وغير العربية في الحلول الأمنية في مثل هذه الأوضاع قد عجلت بسقوط النظام السياسي وأدت الى تغيرات قسرية وجذرية. ومع ذلك فان السيناريو الامني عامة هام في دعم سيناريو الاصلاح خاصة اذا كان دوره معزز للاصلاح وكشف الفساد، ومما يعزز مصداقية الجهاز محاكمة اثنين من مدراء المخابرات ، وقد يكون مفجر للوضع الاجتماعي اذا ما مارس الادوار التقليدية في الاعتقال والحبس، كما ويمكن لاجهزة أمن اخرى ان تعمل بالنيابة عن الاجهزة الامنية التقليدية من مثل شرطة البادية بما تحمله الناس من مدركات سلبية عن هذه الشرطة.
5. استراتيجية الترحيل. وتقوم هذه الاستراتيجية على محاولات لترحيل الأزمات والمعضلات والمشكلات الاجتماعية والقادحات إلى فترات قصيرة المدى من خلال حلول آنية.


________________________
*رئيس مركز ابن خلدون للدراسات والأبحاث



تعليقات القراء

مزيد
كل هاي السوالف مطبقة 100% بعدين اطمئن الكل عارف شغله
21-04-2012 04:22 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات