اين يقف حسين من هزاع


كل الحِراكات التي تعيد صياغة المشهد السياسي الوطني هذه الأيام، وتعمل جاهدة على إرغام الحكومة لاتخاذ خطوات جدية لإصلاح الوضع السياسي والمالي المتعثر، والحد من تغول يد الفساد على المال العام، هي حِراكات وطنية بحتة، رغم المحاولات المتكررة لتلويثها، وإخراجها بصورة الحِراكات المدفوعة بأجندات خارجية، غايتها وهدفها زعزعة الاستقرار والعبث بالأمن الوطني، وإثارة عرى التلاحم المجتمعي.

فالتاريخ السياسي الأردني عبر السنوات، حراك نشط، وان كانت الفترة الممتدة من نيسان 1956 وحتى نيسان 1989، هي الفترة الأكثر خمولا نتيجة فرض الأحكام العرفية، التي تلت محاولة الانقلاب التي أورد الملك حسين رحمه الله بعض تفاصيلها في كتابه المعروف بمهنتي كملك، والتي في نفس الوقت يصر مدير المخابرات السابق نذير رشيد على قراءتها بمفهوم آخر، ابعد ما يكون عن المحاولة الانقلابية على العرش، ويرى انه محاولة انقلابية على النشاط السياسي، لكل فئات المجتمع الأردني.

وفي تلك الفترة الحالكة من التاريخ الأردني، برزت شخصيات سياسية ووطنية أردنية، استطاعت بناء مواقف خالدة لها، ومن هذه الشخصيات المرحوم هزاع المجالي، الوطني الذي كان ثمن عزمه ومواقفه السياسية تصفيته، بتفجير استهدفه في قلب رئاسة الوزراء، وعمت مشاعر الحزن والأسى بهذه الحادثة أنحاء البلاد.

باغتيال هزاع المجالي، قيد التاريخ اسم هزاع المجالي في انصع صفحاته، وهاهي السنوات تمر، فمضت اثنان وخمسون سنة إلا بضعة أشهر من تلك الحادثة التي أودت بحياة هزاع المجالي، واليوم يغلي الشارع الأردني بالحِراكات الشعبية الساخطة على السياسات الحكومية، والتي تُترجم إلى مسيرات احتجاجية متنوعة، فمنها مسيرات فئوية، ذات مطالب تتعلق بالحقوق الوظيفية للموظفين والعاملين، وبرغم اثر هذه الاحتجاجات الاقتصادي الكبير، إلا أنها اقل أهمية بالنسبة للإدارة الأمنية، فهذه المطالب من الممكن معالجتها ووضع تسويات مناسبة لها.

إلا إن أكثر ما يقلق الحكومة والأجهزة الأمنية، ذلك النوع من الاحتجاجات ذات المطالب السياسية، والمتمثلة بالإصلاحات السياسية من جهة، ومحاربة الفساد من جهة أخرى، وهذان المطلبان يشكلان عصب الاحتجاجات، لحساسية كل منهما، فالإصلاح السياسي يعني تنازل قسري عن السلطة، لتكون سلطة شعبية بدلا من حالها اليوم المتمثل بسلطة مطلقة، وان كانت تؤطر بمؤسسات مدنية صاحبة سيادة، أو رئاسة وزراء ذات ولاية عامة.

أما الفساد فالنظرة الشعبية تنظر إليه على انه مرتبط بشخصيات متنفذه، ويتم رعايتهم رعاية رسمية، تحبط أي محاولة مساس برموزه.
ومع بداية انطلاق الاحتجاجات، تعاملت الأجهزة الأمنية بمهنية عالية، أكسبتها احترام وتقدير عالي، إلى أن جاءت اللحظة الفارقة، متمثلة بالتدخل الأمني لإنهاء اعتصام دوار الداخلية العام الماضي، فالعرف الشعبي ينظر للأجهزة الأمنية على إنها أمن عام، ولا يفرق بين إدارة مستقلة لقوات الدرك، عن الأمن العام، فإذا كانت كل إدارة تنفرد بقرارها ورؤيتها الأمنية، ولا تتحمل مسؤوليات الإدارة الأخرى، فما حاجتنا إلى إدارتين، لإدارة أزمات الاحتجاجات الشعبية.

فمسؤولية الأمن منوطة بمديرية الأمن العام، وعلى رأسها حسين هزاع المجالي، والذي بدأت سياسته الآن تجنح للتعامل مع المسيرات والاحتجاجات الشعبية بطريقة قمعية، تهدف إلى إنهاء مظاهر الاحتجاج فور انطلاقها، والقبض على شباب الحراك، والتعامل معهم في مراكز التوقيف بطريقة عرضية مزاجية، تخرج عن إطار القانون، وتهدف إلى اهانة المعتقلين، على حد روايات الشباب الذين تم اعتقالهم وتوقيفهم، الأمر الذي أسهم في تأجيج مشاعر المواطنين على الأجهزة الأمنية، رغم كل النفي الرسمي الذي صدر عن مديرية الأمن العام.

فالتعامل الأمني بطابع القبضة الأمنية مع الحِراكات الشعبية، ينعكس أثرة مباشرة على شخصية حسين هزاع المجالي، الأمر الذي إن كان يقربه إلى رأس السلطة، فأنه يوسع الهوة بينه وبين القاعدة الشعبية، فالسلطة تنسى أهلها بسرعة، وسرعان ما تضحي بأفرادها، وتبني على ركامهم بنائها.

فهل إدارة حسين المجالي لجهاز الأمن العام، ستهدم المجد الذي بناه هزاع المجالي لأبنائه، أم إن ابن هزاع المجالي سيكون ورقة جديدة ناصعة البياض، في تاريخ الأردن الحديث، لا يأثم بدم، ولا يخدش كبرياء أردني.
عطوفة الباشا، أنت اليوم على أعتاب التاريخ، فماذا تريد أن يُكتب عنك؟ رجل سلطة هدم مجد أبيه، أم وطني أبا إلا أن يكون وطني، كما كان أبيه.

kayedrkibat@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات