الخيانة العربية الكبرى


كنت متردداً في بداية مقالتي هذه .. هل أكون مباشراً في الطرح ، وألقي فكرة المقالة بلا مقدمة ، أو أن استجيب لانتفاضة القلم عندما أكتب ؟ !

إن حب الوطن والأرض لا يحتاج لمساومة ولا يحتاج لمزايدة ولا يحتاج لمجادلة ولا يحتاج لشعارات رنانة وفارغة من المضمون, بل بحاجه الى رجال صادقين ومخلصين لا يهمهم المنصب بقدر ما يهمهم الوطن مؤمنين بولائهم لله وانتمائهم للوطن.
ان الجميع يدعي الوطنية حتى بائع الأرض والوطن, كذلك العميل والخائن وحرامي السيارات يدعي الوطنية وحب الوطن, وكذلك الذي ينتمي للأحزاب الصهيونية اليمينية المتطرفة من أبناء جلدتنا يدعي الوطنية, حتى من لا يملك موقفاً وطنياً مشرفاً أصبح يعطي دروساً في الوطنية , كم أنت مسكين ايها الوطن!!, الجميع يدعي حُبك وهو لا يقدم لك شيئاً, فالمضحك المبكي في الأمر ان الجميع يدعي انه يمثل القضية, فالمطلوب هو التخلص من عقلية المزايدة لأنها مقتل للنضال الصادق, فالجميع يدعي الحرص على النقب وهذا الادعاء لا بد وان يقترن بالأفعال وليس بالأقوال فقط.
أستذكرُ في هذا الزمن الرديء....................
الشخصية الأردنية البارزة التي حققت ما لم يحققه الأخرين ، في اوائل الستينات وخلال لقاء السفير الامريكي مع الشهيد الرمز وصفي التل ، تجرأ السفير بكل إستعلاء مخاطبا وصفي بقوله " إن الشعب الأردني شعب كسول " فرد عليه وصفي بإستعلاء وشموخ الحراثين " كيف ؟؟" ، فأجابه متهكما " أستطيع أن أجوعه بكتاب أوعز فيه بوقف المساعدات الأمريكية من القمح إلى الأردن " رد وصفي عليه وبحدة " أفعل ما تراه ، فأن الشعب الأردني لن يجوع بإذن الله أبدا "، ثم قال ساعلمه درسا عن حقيقة الشعب الأردني " ، لتبدأ قصة وصفي بالتحدي متكئا على أكتاف الأردنيين آنذاك ، مبادرا بالإتصال مع المسؤولين السوريين ، طالبا منهم قمحا لزراعته في الأردن ، وقبل وصولها خرج وصفي بجولة على كل المحافظات في الأردن مبتدئا جولته على معان ، يتفقد ( كواري ) القمح الذي فيه يخزنون القمح ، فلما وجد أغلبها فارغة أستثار عزائمهم وشاحدا هممهم بقوله " لا أريدها بعد الموسم القادم فارغة " ليقوم بعدها بتوزيع ما وصل من شحنات القمح على كل المحافظات ليتم زراعته ، وحين جاء موسم الحصاد فقد كان وفيرا إلى الحد الذى وصل فيه كما يسجل التاريخ بشهادة الأحياء آنه قد تم تصدير القمح إلى المملكة العربية السعودية وفقط من محصول محافظة معان ...!!!!


أستذكرُ في هذا الزمن الرديء ..............
رئيس الوزراء الأردني هزاع المجالي ، الذي تعود على استقبال المواطنين في مكتبه بدار رئاسة الوزراء صباح كل اثنين للاستماع لمطالبهم .
أما اليوم فأنك لا تستطيع المرور من أمام رئاسة الوزراء ، ولا تستطيع الكلام مع رئيس الوزاراء المدجج بالحرس وموكب التمويه ..... وفي يوم الاثنين الاخير من شهر آ ب 1960 ، حدث انفجار ضخم في دار الرئاسة راح ضحيته الرئيس هزاع المجالي وعدد من المواطنين وكبار الموظفين ، حيث وجهت التهمة حينها الى اعضاء في الحزب القومي السوري الاجتماعي ، وقد نعاه صلاح ابو زيد عبر الاذاعة.

اوائل عديدة في حياة الرئيس هزاع المجالي فهو اول كركي يتسلم منصب رئيس الوزراء ، وهو اول رئيس يضطر الى تقديم استقالة حكومته تحت الضغط الشعبي ، وهو رئيس اقصر الحكومات عمرا في الاردن ، وهو اول حزبي يتم فصله من الحزب بسبب مشاركته في الحكومة ، وهو اول رئيس وزراء اردني يتم اغتياله بسبب مواقفه السياسية .
أستذكرُ في هذا الزمن الرديء........

أبو سطام المشير حابس المجالي القائد العام للقوات المسلحة الأدنية ، الذي كان والدي يعمل مرافقاً له ،الذي خاض الحروب العربية الإسرائيلية وخاض معارك عنيفة وشرسة مع قوات الغدر الصهيوني عام 48م
أشهرها معركة اللطرون التي ألحق فيها هزيمة ساحقة بالإسرائيليين وأسر عدداً كبيراً منهم بينهم رئيس وزراء إسرائيل إرييل شارون.
كما شارك في المعارك التي دارت حول القدس وبعد إنشاء القيادة العربية لموحدة في الستينات برئاسة اللواء علي عامر كان حابس المجالي من أبرز أركانها حتى إحالته إلى التقاعد قبل حرب 1967م. وخلال الأحداث التي شهدها الأردن عام 1970م والاشتباكات بين الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية أعاد الملك الراحل حسين تعيينه حاكما عسكريا عاما وبقي في هذا المنصب عدة سنوات، وبعدها عين مستشارا عسكريا للملك السابق حسين بن طلال.

لماذا اليوم ترى كرامتنا مسفوحة دمائها , مهانةٌ هيبتها ومعبوث بوقارها . وحين ترى التراتيل المشؤومة والترانيم الهزيلة والكلمات السخيفة عناوين لعلية القوم وشعارات للقادة قبل العامة!.
لماذا يكرم اللئيم ويهان الكريم , تنام الاسود في عرينها فتطول غفوتها وتستاسد الثعالب ولا نبيت الا على سماع فحيح الافاعي تنفث فينا سما نقاعا.
إن حكامنا نددوا بمغامرة أخيهم واعتبروا مقاومته عن الأرض والعرض طفولة سياسية ومراهقة عسكرية، أظهروا لنا عقلانيتهم ورشدهم ، وساندوا العدوان حفاظا على كراسيهم ولو على حساب المروءة والأخوة وحقوق الإنسان…فجاءتهم التهاني والاعتراف والاحترام من أعدائهم، وإذا جاءت مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل… فكيف إذا جاءت محمدتي من ناقص!

صحافيون وأشباه مثقفين وكتاب آخر الزمان تنادوا لحماية الظالم واتهام الضحية، منهم من كان من أبناء جلدتنا ويسكن حارتنا فاستعرض علينا حبره وقلمه وساند ، ونسي قولة الحق والشهامة والرجولة وظل ينظر لنا سياسة الخنوع باسم البراغماتية والرشد والعقلانية، وأخفى كسرة الخبز الذليل وراء ظهره… ومنهم من أوجع رؤوسنا في أيام الخنوع للخروج من النفق سموا أنفسهم عرباً واشتكوا إلى الأمم المتحدة من فقهاء وكتاب لا يستسيغونهم، وتهكموا على النفس المقاوم الذي ظل ينبض في بعض العروق والأجساد، وتنبأوا بأفول مشاريع الرفض… ثم غابوا هذه الأيام فلم نسمع لهم كلمة ولا نفسا حتى لا يفتضح أمرهم وتتجلى الهزيمة، خيروا الانسحاب والضمور ولعله حياء من المحاسبة!

ما زال حُكمنا العرب يتخذون من انفسهم ابطلاً رغم الهزائم والتناقضات التي يعشونها وينفذون انتصارات غربية وغريبة في آن واحد بكلتا يديهم ... لعل بداية خطوات الخروج من كل أوضاعنا هي إنهاء حالة الأنا والتجزئة المقصودة ووحدة الصف ولم الشمل وهذا لن يتحقق إلا بثورة على الخيانة العربية الكبرى .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات