الوجه القبيح لنظرية "الأمن الناعم"


أتحفنا عطوفة مدير الأمن العام مراراً بنظريته "الأمن الناعم" من خلال الإعلام وكأنه يمن علينا أنه قدم للأردن خبرة العمر في التعامل مع المظاهرات المطالبة بالإصلاح. يحدثنا عطوفته ويغفل النظر إلى الوجه القبيح لهذه النظريّة التي تتميز بوجهين أحدهما جميل كما يراه عطوفته وإعلام الدولة والفاسدين المختبئين خلف جدران القداسة ومجموعات الطبالين والزمارين ورقاصي "الوحدة ونص" باسم الوطن، وهذا شيء طبيعي لأن المثل يقول: "القرد بعين أمه غزال" ولأننا لا نستطيع أبداً أن نرى بعيون هؤلاء، وإنما نرى بعيون الواقع التي يجب أن نجعلها هي المنظار الحقيقي لرؤية ما يحدث.
ولعلّ صور العصير والمرطبات التي قدمها رجال الأمن العام بداية هذه التظاهرات والتي ربمارفعت حجم مصروفات الأمن إلى "28 مليون دينار" هي الصورة الجميلة التي لم ير مدير أمننا سواها، ولكي أعرض الصورة القبيحة أتمنى أن يتسع صدر عطوفة المدير والحكومة لما أقول، فهذه مشاهدات من خلال الأنشطة والحراكات التي تمت خلال أكثر من عام.
الصورة الأولى هي صور البلطجية:
بالتأكيد سيخرج مندوب عن الحكومة والأمن العام وبقية الدوائر الأمنية ليقسموا بالله "جهد أيمانهم" أن لا علاقة لهم بالبلطجية وجماعات التأزيم والشد العكسي، والرد بكل سهولة على مثل هذه التصريحات والبيانات هو أن "مسيلمة" أيضاً كان يقسم بالله أنه نبي، فإن صدقت أيمانهم علينا أن نصدق مسيلمة في كذبه وافترائه. فلتعذرنا حكومة القاضي فقد ضاقت أخلاقنا عن تصديق ما يقولون أو يدعون.
الصورة الثانية هي مظاهرات الموالاة:
هذه الصورة القبيحة جاءت لتقول أن في الأردن معسكرين من الشعب، واحد معارض والآخر موالاة، والحقيقة هي أن الشعب معسكر موالاة وليس معارضة، لكن الموالاة التي تريدها الدولة من هذه المظاهرات المضادة هي موالاة الفساد، بينما الأردنيون أجموعوا أن يكونوا موالاة للوطن وليس لمن امتصوا دماءه ورهنوه في المزادات العلنية والسرية وخصخصوه.
ثم إن التظاهرات الأردنية بمختلف أطيافها مازالت ترفع شعارات تتضمن القبول بمظلة القصر لكنها وعند أسوأ الظروف وفي حالة الغضب تطالب بإصلاح القصر. والسؤال هنا، بل ربما أسئلة كثيرة نطرحها؛ ما هو المانع من المطالبة بإصلاح القصر؟ وما دخل ذلك بأمن الوطن؟ وهل أصبحت المظاهرة ضد القصر إن هي طالبت بإصلاحه؟ بلا شك هذه صورة بشعة للأمن الناعم الذي صار أغنية قيادة الأمن العام التي يترنم بها أمام كل ميكرفون رسمي وغير رسمي.
أما الصورة الثالثة لهذا الأمن فهي صورة المحاكمات أمام أمن الدولة:
معظم الذين يحاكمون اليوم أمام أمن الدولة هم من الشباب الإصلاحيين الذين هبوا من اجل كرامتهم، فلماذا تدخل محاكماتهم تحت مسمى "أمن الدولة"، فمحاكم أمن الدولة في العالم هي للخيانات العظمى، وإذا كان هناك خائن اقترف مثل هذه الجريمة فهم الفاسدون الذين بنوا القصور في دابوق وعبدون وكل هذه المناطق من أموال الوطن المنهوبة، ومحكمة أمن الدولة هي لمجلس ال 111 الذي جعل قوانين البلاد أضحوكة ومسخرة بقوانينه التي يشرعها. هؤلاء هم من تجب محاكمتهم في أمن الدولة، وهؤلاء خانوا الوطن خيانة عظمى وأرادوه سبية يتمتعون بها ثم يلقونها للكلاب. أمن الدولة للذين رصدوا أموالهم في سويسرا وأميركا وملأت تلك الأموال مصارف العالم بعد تهريبها من خزائن الشعب وبيع ممتلكاته وتركوا الوطن يغرق في ديونه.
للحق ما حدث أمام رئاسة الوزراء واعتداء الدرك على المواطنين العزّل هي مسخرة من مساخر الأمن الناعم الذي تتبجح به إدارة الأمن العام وناطقهم الإعلامي والناطق باسم الحكومة. ثم؛ بدا بيانهم ملفقاً كما كان بيانهم بعد أحداث الداخلية في العام الماضي، وكما هي كل بياناتهم حينما تجدُّ حالة فوضى أو عنف أو خروج على المألوف.
للأسف أننا مازلنا ننادي لكن ليس هناك من يسمع، وأخشى أن يأتي اليوم الذي تخرج فيه الجموع مؤمنة أن ليس هناك من يسمع نداءها، فيكون الاحتكام إلى الشارع ويكون الخروج عن السلمية، وإن حدث سيكون منعطفاً جديداً يودي بالبلاد إلى التهلكة – نتمنى أن لا يكون ذلك - لكن إن حصل فذلك هو نتاج للوجه القبيح لنظرية الأمن الناعم، أو لنقل لأكذوبة الأمن الناعم التي أشبعونا غناءً بها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات