رحلة مدرسية إلى حمص


ابتسامة طفل صغير وعيون كستنائية حالمة , لامعة بنور العشق تأخذه معها إلى ابعد من الواقع , ترسمه في الذاكرة مطبوعاً في عمق الأرض , منحوتاً في القلب مزروعاً في الروح لا يموت .. طفل صغير يحلم بيوم الرحلة المدرسية , يخطط ويتحدث ويناقش اقرانه في تفاصيل الرحلة .

عندما يخلد ذلك الصغير إلى فراشه في ظلمة الليل وفي صباح الاستيقاظ , ابتسامة وعيون لامعة مترقبة ليوم الرحلة المدرسية , ما أجملها من طفولة , ببساطتها ومواقفها العفوية والمتعمدة , كل شيء فيها جاذب رائع لا يعوضه العمر إذا ما مضى , على الرغم من كل شيء , والفارق في كل ذلك فالحياة تتطور والعقل ينضج وتتسع المدارك والقدرات , إلا أن ذلك ومهما عظم وكبر لا يعوض أحلام الطفولة الرائعة , لا يعوض إحساس طفل صغير بفرحة بيوم رحلة مدرسية في ربيع العام الدراسي .

ما أجمل الطفولة بكل ما فيها بهفواتها نجاحها ببريقها ولمعانها , بالركض على الطريق وقطعه بكل تعجل دون خوف أو تردد من كثرة السيارات المتزاحمة المتعجلة , ما أحلاها من أيام لا تعود إلا بعيون أطفال صغار أراهم وأحس بوجودهم في قلبي , المس أيديهم أقبلها , اعرف إحساسهم جيداً , ولا استطيع أن أعيشه للحظة واحدة , فالأمر لم يعد باليد وقدرتها البشرية , إنه تابع لنواميس الحياة , وقدرة الخالق العظيم فيها , سبحان الله خالق ومدبر كل شيء .

كم هي بريئة مشاعر الأطفال , كم هي مزهرة بالعطور والروائح الشذية , كم أراها كم المسها في عيون كستنائية أحببتها بصدق , وأعادتني للوراء كمن يطارح الزمن خيالاً واسعاً , كمن يستقل آلة الزمن الأسطورية ويعود للوراء فيحلم ويحلم , وتنار الأرض ثم تسكن ليلاً بتدبير خالقها .

وبينما انا في ذهولي بتلك العيون وعشقي المعجون بالسحر لها , وإذا بصوت إطلاق رصاص كثيف يشق حاجز الصمت والسكون في نفسي , صوت خارج من جهاز التلفاز , فتقفز الروح وتنحني الفكرة في الوجدان , وتتشظى وحيدة كما المقتولة عندما ترى الطفولة في بلد عربي مسلم منتهكة مذبوحة حتى مع ابسط أحلامها , ذلك ما يبكي القلب .. أطفال لا يعلمون من الحياة إلا اليسير , ليس لديهم أحلام تخريبية , ولا همهم السيطرة على السلطة , ولا الإرهاب ولا الهيمنة , أحلامهم لا تتعدى رحلة مدرسية أو أكثر أو اقل بشيء يسير , يذبحون وتسيل دمائهم في جداول تغذي روح الأرض , وتنبت ثمرة الحرية بهم وبنبضهم وبأجسادهم الصغيرة البائسة .

على الرغم من كل الاختراقات التي حدثت وتحدث , إلا أن التاريخ سيذكر دوماً صمتاً أمميّاً على قتل الطفولة البريئة , على يد الصراعات الطائفية والسلطوية والعدائية , سيذكر التاريخ هذه الأيام التي لن يمحوا عارها أي بيان أو أي اعتذار أو أي فعل مهما عظم ..!!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات