تصريحات المالكي في غير موقعها


كيف يمكن للفلسطينيين أن ينالوا شيئا من إسرائيل والساسة الفلسطينيون في السلطة يتفوهون المرة تلو الأخرى بحماقات سياسية وإعلامية بعضها محرج وبعضها مخجل، وكثير منها يفتقر إلى الذكاء، فما بالك بالدهاء؟!

وزير خارجية "السلطة الوطنية الفلسطينية" السيد رياض المالكي صرح من أوسلو بالأمس لوسائل الإعلام العالمية أن حماس لا ترغب برؤية حكومة إسرائيلية مساندة للسلام لأن تلك الحكومة ستمضي باتجاه التفاوض مع السلطة الوطنية الفلسطينية التي تستولي فتح على معظم المواقع فيها.

وعبر السيد المالكي عن خشيته وخشية المسؤولين في "السلطة الوطنية الفلسطينية" من أن تتسبب صواريخ حماس التي تستمر في إطلاقها على بلدات "إسرائيل" الجنوبية خاصة في هذا التوقيت الانتخابي إلى دفع الرأي العام الإسرائيلي باتجاه التصويت لصالح اليمين المتطرف الرافض لمفاوضات السلام مع الفلسطينيين.
لا أريد أن أصف هذه التعليقات بالوصف الذي تستحقه ولكنني أتركه للقراء الأذكياء وأتساءل: هل يعقل أن يحمَل مسؤول فلسطيني رفيع فريقا فلسطينيا أيا تكن درجة عدائه معه مسؤولية الانحراف إلى اليمين في المجتمع الإسرائيلي علانية وأمام وسائل الإعلام العالمية؟ أليس من واجب هذا المسؤول الذي يفترض به أن يناضل من أجل تحرير شعبه وبناء دولته أن يدين المجتمع الإسرائيلي ونزعته اليمينية التي تفشت خلال السنوات الأخيرة حتى بات اليسار لا وجود له وبات الوسط مجرد يمين معدل أو منحرف إلى اليسار؟!

" حماس لا ترغب بصعود حكومة إسرائيلية مساندة للسلام"....جميل جدا...هل للسيد المالكي أن يقول لنا من هي الحكومة الإسرائيلية المساندة للسلام في خارطة الأسماء المتنافسة في بورصة الانتخابات حاليا؟ بل هل له أن يؤشر لنا على حكومة إسرائيلية واحدة كانت مساندة للسلام منذ مقتل رابين؟

ماذا قدمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للسلطة الفلسطينية المسماة بالوطنية؟ بل ماذا قدمت حكومة كاديما التي هللت لمجيئها السلطة واستبشر بها عباس للسلطة وللشعب الفلسطيني وقضيته؟ أليس أولمرت صديق عباس الحميم وليفني حمامة السلام الموصوفة وباراك رجل السلام المزعوم هم من شنوا الحرب الأخيرة الهمجية التي لم يسبق لها نظير على غزة وأهلها؟! هل هذا الثلاثي أو أي طرف فيه يمكن أن يوصف بأنه حكومة مساندة للسلام لا ترغب حماس بصعودها إلى الحكم مقابل نتنياهو وليبرمان؟! ما هو الفرق بين ليفني وباراك ونتنياهو وليبرمان؟ فعليا ليس هناك من فرق جوهري، هنالك فروق هامشية سطحية تتباين في الأساليب وتتفق في الأهداف، فهنالك طرف مستعد لإضاعة الوقت في مفاوضات عبثية يضحك بها على العرب والعالم، وهناك طرف آخر أكثر صراحة يرفض إضاعة الوقت فيما لا يفيد، ويعلن أهدافه بصراحة، ولكنهم جميعا يصطفون في معسكر واحد رافض لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم ، ولا نتحدث هنا عن حقوق تاريخية، فقد تم إسقاطها من قبل منظمة التحرير حين اعترفت بإسرائيل وحقها في الوجود، ولا حقوقهم المعترف بها دوليا حسب قرارات الأمم المتحدة فقد قبلت السلطة بما هو أقل منها، ولا حتى حقوقهم وفق مبادرة السلام العربية فتلك في نظر ليفني وباراك ليست صالحة للتفاوض على أساسها، وأول ما سيقدمه رئيس الحكومة الإسرائيلي القادم أيا تكن هويته سيكون عرضا جديدا لا يمكن للفلسطينيين قبوله يحملهم بناء عليه المسؤولية في إعاقة عملية السلام، تماما كما حدث مع باراك وعرفات في كامب ديفيد.

عندما يصف المالكي ليفني وباراك الذين يريد لهما الانتصار في وجه نتنياهو وليبرمان بأنهما مساندان للسلام ، فهو إنما يقدم إدانة فلسطينية رسمية لفصيل من شعبه باعتباره المسؤول عن العدوان على غزة وبراءة فلسطينية رسمية للحكومة الإسرائيلية المجرمة التي شنت الحرب، فأي منطق سياسي هذا؟

أسأله بالله لو تبادل الفلسطينيون والإسرائيليون الأدوار وكان الإسرائيليون من يقفون هذا الموقف، هل كنا لنتوقع خروج مسؤول إسرائيلي يحمل اليمين الإسرائيلي مسؤولية التطرف الفلسطيني ؟ بل إن الموقف هو ذلك بالفعل. هل خرج علينا أي وزير إسرائيلي ليقول : "يا قوم! من حق الفلسطينيين ان يدافعوا عن أنفسهم فنحن من يقصفهم ويغتالهم ويجتاحهم ويعتقلهم ليل نهار، ونحن من يفشل اتقافات السلام ولا يلتزم بها، ونحن من يغيرالجغرافيا والديموغرافيا على الأرض ويخلق واقعا جديدا بالتوسع في الاستيطان والاستمرار في ابتلاع الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل وطرد السكان الأصليين، ونحن من بنى جدار الفصل العنصري البغيض على أرض فلسطينية ، ولا نلومن إلا أنفسنا على جنوح الفلسطينيين إلى اليمين"؟!!

بالطبع، فإن هذا لم ولن يحدث، لأن الإسرائيليين يفهمون لعبة السياسة ويجيدون فنونها، بل إنهم في الواقع أمهر سياسيين على وجه الأرض في قدرتهم على قلب الحقائق والظهور بمظهر الضحية، وهم أكثر الشعوب اتحادا في وجه الدخلاء والأغراب، وهم أمهر من فاوض وأذكى من خطط وأبلغ من صرَح، والدليل ما هم فيه اليوم وما نحن فيه.

رغم ذلك كله، فإن وزير الخارجية الفلسطيني لا يرى أن إسرائيل بشعبها وحكوماتها تتحمل أي مسؤولية عن المأزق الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية، ولا يجد غضاضة في إدانة فئة عريضة من شعبه تمثلها حماس وتبرئة إسرائيل من قاعدتها إلى قمتها، فحماس هي المسؤولة عن التطرف الإسرائيلي وصعود اليمين إلى السلطة، وحماس هي المسؤولة عن حرب ليفني- باراك- أولمرت على غزة ، وحماس هي التي شنت حربا على إسرائيل بصواريخها فاستحقت عقابها العدل بقصف غزة بالفوسفور الأبيض والدايم والأسلحة المحرمة دوليا، أما حكومة كاديما – العمل فهي محبة للسلام ومساندة له رغم كل جرائمها في لبنان وغزة وباقي الأراضي الفلسطينية.

ثم، من قال إن حماس هي المسؤولة فعلا عن إطلاق تلك الصواريخ مع أنها لم تعلق عليها ولم تنسبها لنفسها حتى اللحظة؟! ولماذا لا تكون فصائل تابعة لفتح من مثل كتائب شهداء الأقصى هي المسؤولة عن تلك الإطلاقات لتحميل حماس المسؤولية وإثبات أنها لا تريد التهدئة، وقد سبق لها أن فعلتها من قبل وخرقت التهدئة التي وافقت عليها حماس؟ وإن كانت حماس هي المسؤولة فعلا، فلماذا لا يعتبر السيد المالكي استمرار إطلاق الصواريخ بعد وقف إسرائيل إطلاق النار من جانب واحد دون توقيع اتفاقية ملزمة مع طرف فلسطيني رسائل سياسية مفادها "أن لن تكون هنالك تهدئة ما لم تكن هنالك اتفاقية سياسية مع الطرف المقاوم على الأرض وليس الطرف المفاوض البعيد الذي لا يمون على أي شيء في غزة حتى اللحظة"؟!

"الصواريخ مستمرة منذ انتهاء التهدئة التي سبقت العدوان على غزة ولن تتوقف إلا باتفاقية تهدئة جديدة، والحرب لم توقفها بل زادت من أعدادها، ومن خاضوا الحرب ولم يفلحوا في تحقيق أهدافهم لن يحصلوا على نصر سياسي لم يستحقوه ولم يكسبوه على الأرض". ألا يفهم السيد المالكي هذه الرسالة البديهية التي ترسلها تلك الصواريخ؟!

لقد اعتدنا أن يتنافس الساسة الإسرائيليون لحصد أصوات ناخبيهم في ميدان وحيد هو سفك الدم الفلسطيني واغتصاب حقوق العرب، ولكن الجديد الذي اكتشفناه أنهم ليسوا وحدهم، فقد تماهي معهم بعض الساسة الفلسطينيين بعدما تجاوزوا في إخلاصهم للحكومات الإسرائيلية مرحلة البحث عن الذرائع وباتوا هم أيضا يتفنون في التحريض على شعبهم ، ولكن ليس من أجل أصوات الداخل فهي لا تسمن من جوع في المعادلة الفلسطينية، بل من أجل رضا الخارج، لأن ذلك الخارج هو سيد المعادلة الفلسطينية التي غادرت سكتها الوطنية منذ زمن بعيد!!!!





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات