العنف الجامعي والعنف المجتمعي


قبل سنوات مضت، وفي يوم اعتيادي من أيام دراستي الجامعية كنت بممر الطابق الأول لمبنى كلية الآداب، وفجأة سمعت صراخ مجموعة من الطالبات والطلاب يركضون نحوي وعيونهم تشي بأن هنالك امر خطير، وقبل أن اسأل عما يجري وجدت نفسي اركض معهم، وصعدنا إلى الطابق الثاني هربا من شيء ما، وما أن استرددت أنفاسي حتى سألت طالبا كان يركض معنا عن ما يجري فقال لي "طوشة" ففهمت أنها مشاجرة بين الطلاب وسألته عن السبب فوضح لي بكلمات قليله أن سبب المشاجرة على الاغلب قصة حب بين طالب وطالبه تطورت مجرياتها فغدت مشاجرة عمت كل الجامعة، عَلِقت إجابة الطالب الذي عرفته في ظرف لا نحسد عليه بخيالي، وتسالت:هل هذا السبب يستدعي تكسير النوافذ ونشر الخوف ورشق الحجارة وتعصيب الرؤوس والتلويح بأدوات حادة .....وفي المحصلة جرحى ومصابين بالعشرات.

تكررت اخبار المشاجرات، وكنت في كل مرة اسأل عن الأسباب، وكانت الإجابات أكثر غرابة: طلاب المنطقة الفلانية تشاجروا مع طلاب المنطقة العلانية ...... أو انتخابات مجالس الطلبة .... أو خلاف صغير بين طالبين تطور وأصبح مشاجرة بين أبناء عشيرتين ..... وهكذا.

ولكن هل هذه أسباب تبرر حدوث المشاجرات في صروحنا العلمية ؟ هل هي السبب الحقيقي لما يجري في جامعاتنا؟ أم أن هذه الظاهرة تخفي عيوبا كامنه في العملية التربوية والتعليمية؟ هل التذرع بـ " الحب، والانتخابات، والولاءات، ......" مقبول ؟ ألا تكشف هذه الذرائع عن بنية معرفية (اجتماعية، ثقافية) مشوهة في اذهان بعض طلابنا، وصراع محتدم في منظومتهم القيميه؟

إن طالب المدرسة يأتي الى الجامعة يحمل معه "في خياله وفي لا وعيه" أسرته ومدرسته وبيئته التي نبت بها، فيمارس ما حمل سلوكا يعكس طريقة تفكيره، وهذا يعزز اعتقادي أن علينا إذا أردنا التصدي لظاهرة العنف الجامعي أن نتوجه أولا إلى راسمي السياسات التربوية والتعليمية بفكرة مفادها: أن سبب هذا النوع من العنف ينبع من موروث فكري وثقافي واجتماعي و يحتاج لتقييم وتقويم لبنى التفكير الاجتماعية التقليدية المحفزة للعنف ورسم خطة تربوية واضحة المعالم تعد طالب المدرسة وتخلصه من ترسبات ما علق بذهنه من قيم عنيفة، ومن ولاءات ضيقة تفتت الهوية، وتكسبه ما يشذب عواطفه لينشد حباً راقياً متى كان أهلا له بالتراضي وليس بالقوة، فيدخل حرم وحرمة الجامعة في آن معا، ليُتمم مكارم الأخلاقه وينمي معارفه فيها، ويعزز انتماؤه الوطني، فيكتسبُ خبراتٍ في الممارسة النقابية والسياسية، وقيما تؤهله ليخدم بلده وليتصدى لمشكلات المجتمع، ولكن ما يجري بالواقع، هو ان بعض الطلبة يستوردون مشكلات المجتمع ويدخلونها إلى الحرم الجامعي.

لذا فإن ظاهرة العنف الجامعي لا تحل فقط بإجراءات إدارية وقانونية ما لم يتم الوقوف عند المحفزات الاجتماعية والثقافية لهذا النوع من العنف كونها ظاهرة متجذره بأنماط التربية وأساليب التنشئة وتتأثر بثقل ظل بعض الموروثات الاجتماعية والثقافية السلبية، وما لم يتم ايظا تعميق روح قبول الاختلاف بالرؤى واحترام التباين بالأفكار ورفع سويه الوعي المدني والحقوقي لدى الطلاب وإكسابهم مهارات التفكير النقدي.

فظاهرة العنف الجامعي ما هي إلا امتداد للعنف المجتمعي، الظاهرة الاشمل، التي تحتاج إلى مزيد من الدراسات الاجتماعية والانثروبولوجية لتساعد المخططين التربويين في عملية التنقيب عن محفزات العنف واجتثاثها من خيالات طلابنا وزرع بذور فلسفة تربوية تقوم على مبادئ الاحترام والحوار والتسامح والتعاون وحب الوطن في رؤية تربوية حديثه تستمد رقيها من أصالة مكنوناتنا الدينية والحضارية والإنسانية.

باسل الكوفحي
kof_b@yahoo.com



تعليقات القراء

ليث محمد بني هاني
بوركت جهودك الطيبة والحثيثة يا دكتور ...... كلمات معبرة وتصف ما إلنا الية في الوقت الحاضر بصورة معبرة وواضحة .
18-03-2012 02:17 PM
ابو سهم
لو كان في عقوبات رادعة لمفتعلي هذه المشاجرات لكان الوضع اختلف
18-03-2012 04:15 PM
طالب جامعي
فعلا الجامعات شو ممكن تعمل اكثر من تطبيق القوانين والتعليمات ورغم هيك المسألة عم تتكرر هاي المشكلة بدها حل جذري لانو صورة جامعاتنا عم تكون سلبية يوم عن يوم بتصرفات زي هاي  
18-03-2012 04:44 PM
طالب سلطي
والله يااستاذنا الفاضل كلامك رائع ومعبر بس يا هل ترى برايك في اي زمن رح نخلص من الظاهره الغير لائقه ؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟الى متى؟؟؟؟؟؟؟؟
18-03-2012 11:47 PM
سهم برشلونة - اكيد بتعرفني
الأخ باسل : كلام منطقي و رؤية ثاقبة و معالجة موضوعية لكن أخطاؤك الاملائية والنحوية كثيرة و بسيطة . أرجو الانتباه
19-03-2012 03:27 PM
للمره
العنف الجامعي



للمره ال111



جزء من:



"الارث الثقافي و الاجتماعي لشعبنا الكريم"



مقرونا



مع:



"عدم احترام الرأي الاخر و التهاون في تطبيق العقوبات"



وهو ايضا جزء من (ذاك ) التراث

20-03-2012 12:58 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات