فتاوى الربيع العربيّ


عندما تمرّ الأمة الإسلامية والعربية؛ جلّها أو بعضها، بنذر الفتن والحروب والتّخبّط وعدم وضوح الرؤية والرؤى، تتجه أنظار البسطاء منّا وأذهانهم صوب الأفاضل من الشيوخ الذين يفوقوننا علما ودراية في هذا الشأن من الوجهة الدينية، لعلنا نجد في قولهم طريقا للخلاص أو النجاة، وعلى أقلّ تقدير نجد سبيلا نأمن فيه على أنفسنا من الزلل في اتخاذ موقف ما من هذه القضية أو تلك، قبل يوم سنحاسب فيه على أقوالنا وأفعالنا، بل وعلى نياتنا كذلك.
وفي ظلّ ما يسمى ربيعا عربيا، بتنا نسمع عن فتاوى يحتار فيها اللبيب، ويقلّب الفكر في مشروعيتها الحليم، فكيف سيتصرف البسطاء أمثالنا!! فمثلا، أفتى فضيلة الشيخ صفوت حجازي، أمين عام رابطة أهل السّنّة بوجوب قتل الرئيس السوري بشار الأسد بقوله(من مُكِّن من قتل الأسد ولم يقتله فهو آثم)( من يقتل بشارا فهو في الجنّة)( لو لم أكن معروف الوجه لذهبت بنفسي وقتلته)( من يستطيع أن يقتله فليقتله وأنا أتحمل الدم عنه) وقد ذكر أيضا بأنّ هذه الفتوى أصدرها 100 من العلماء المنتمين إلى مختلف التيارات الدينية من إخوان وجماعات وسلفيين وجهاديين)
وبعيدا جدّا عن السياسة فلست من دهاقينها، وبعيد جدا عن الفتوى والفتاوى فلست أهلا لها، ولكن بلسان مواطن بسيط -على باب الله – أقول: كيف ستحمل الدّم عن قاتل بشار أم غيره ونحن نتلو في سورة الزمر: ولا تزر وازرة وزر أخرى. حيث فسّرها الطبري بأن لا تأثم آثمة إثم آثمة أخرى. وبالتفسير نفسه قال القرطبيّ بأن لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، ولا يختلف عنهما ابن كثير بقوله: لا يحمل من خطيئة أحد على أحد. ونتلو في سورة الطّور: كلّ نفس بما كسبت رهينة. والعديد من الآيات القرآنية التي تشير إلى هذا المعنى وهذه الفكرة. أضف إلى هذا: من يضمن للقاتل أن يعثر عليك في( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) حتى يزيل الحمل عن كاهله ويرميه على كاهلك كما وعدته في هذه الدنيا الفانية. فكلّ مناّ له شأن يغنيه أشدّ هولا من الأسد أو القذافي ممن أفتي بقتلهما. ووفقا لمعلوماتي في هذا الشأن أنّ إثم القتل هو على القاتل ودم القتيل في رقبة القاتل، أما أنت يافضيلة الشيخ فعليك إثم التّغرير بالقاتل لا إثم القتل، والله أعلم.
أمّا مفتاح الجنة والنّار فبيد خالقهما، لا بيد أحد من البشر، حتى الأنبياء أرشدونا كبشر إلى نجدين؛ هذا خير وذاك شرّ، ولكنهم لم يقلدونا مفاتيح الجنة في رقابنا باستثناء العشرة المبشرين بالجنة المعروفين اسما وكنية من قبل المولى عزّ وجلّ.أم نكصنا في هذا الربيع إلى ما عرف في العصور الوسطى بصكوك تباع بدرهم ودينار للحصول على غفران مزعوم. سبيل الجنة كما عهدناه ودرسناه مزروع بالتقوى والورع وفضائل الأخلاق لا في القتل ولا التشريد ولا في إيقاد شعلة الجمر من تحت الرّماد.
ليت هذه الفتوى التي أجمع عليها مئة من الشيوخ الأفاضل كانت لقتل نتنياهو أو شارون وأمثالهما؛ فهم كفرة مغتصبون سفاحون لا جدال في ذلك، وأما المسلم والعربيّ ففيه نظر، وتظل قضية خلافية لا حسم فيها على الرغم مما نراه صباح مساء من فضائع ومجازر، قضية لا جزم فيها ولا فيمن وراءها، وفقا لمعلوماتنا المتواضعة في هذا الربيع الذي ما جنينا منه غير شوكه؛ شلالات الدماء في ليبيا وسوريا، التهجير والتشريد للمواطن المسالم البسيط، تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سوءا على سوء، رمي القضية الفلسطينية وراء ظهورنا عشرات السنيين....إلخ. وبشائر التقسيم لاحت من برقة، والخوف كلّه أن يعزّز بإقليم النّوبة، ودير الزّور. ولا أظنّ زيدا القادم بأفضل من أخيه عمرو. ولا أقصد بذلك الاستكانة إلى الظلم والتجبر؛ بل السعي إلى إصلاح ذلك بطرق أخرى غير دروب العذابات والتشريد والاغتصاب والفوضى وهدر الدماء.
إنْ هي إلا دعوة للمولى عزّ وجلّ أن يهدينا جميعا سواء السبيل؛ علماء وعوام.




تعليقات القراء

سعيد التواصره
أحسنت أخي الأستاذ يسري وبارك الله فيك على هذا التقديم الجيد وأرجو الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل وعلمائنا ومن يتصدر للفتوى حسن التقدير
18-03-2012 02:23 PM
فتاوى على الطلب
خمسماية عام من حكم العثمانيين و عشرات السنين من حكم الاستعمار و مثلها من حكم الاستبداد ولم نكن نسمع فتاوى. اما في عصر النفط خرجت علينا فتاوى من كل حدب و صوب.
19-03-2012 03:55 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات