الحجّاج والربيع العربي


ولد أبو محمد الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل بن الحكم الثقفي في منازل ثقيف بمدينة الطائف، في عام 41هـ. وكان اسمه كليب ثم أبدله بالحجاج. وأمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي الصحابي الشهيد. نشأ في الطائف، وتعلم القرآن والحديث والفصاحة، ثم عمل في مطلع شبابه معلم صبيان مع أبيه، يعلم الفتية القرآن والحديث، ويفقههم في الدين، لكنه لم يكن راضياً بعمله هذا، على الرغم من تأثيره الكبير عليه، فقد اشتهر بتعظيمه للقرآن.
كانت الطائف تلك الأيام بين ولاية عبد الله بن الزبير، وبين ولاية الأمويين، لكن أصحاب عبد الله بن الزبير تجبروا على أهل الطائف، فقرر الحجاج الانطلاق إلى الشام، حاضرة الخلافة الأموية المتعثرة، التي تركها مروان بن الحكم نهباً بين المتحاربين.قد تختلف الأسباب التي دفعت الحجاج إلى اختيار الشام مكاناً ليبدأ طموحه السياسي منه رغم بعد المسافة بينها وبين الطائف، وقرب مكة إليه، لكن يُعتقد أن السبب الأكبر كراهته لولاية عبد الله بن الزبير
رأى فيه روح بن زنباع العزيمة والقوة الماضية، فقدمه إلى الخليفة عبد الملك بن مروان، وكان داهية مقداماً، جمع الدولة الأموية وحماها من السقوط، فأسسها من جديد.
وحيث أن الشرطة كانت في حالة سيئة، وقد استهون جند الإمارة عملهم فتهاونوا، وعندها أشار عليه روح بن زنباع بتعيين الحجاج عليهم، فلما عينه، أسرف في عقوبة المخالفين، وضبط أمور الشرطة، فما عاد منهم تراخ، ولا لهو. إلا جماعة روح بن زنباع، فجاء الحجاج يوماً على رؤوسهم وهم يأكلون، فنهاهم عن ذلك في عملهم، لكنهم لم ينتهوا، ودعوه معهم إلى طعامهم، فأمر بهم، فحبسوا، وأحرقت سرادقهم. فشكاه روح بن زنباع إلى الخليفة، فدعا الحجاج وسأله عما حمله على فعله هذا، فقال إنما أنت من فعل يا أمير المؤمنين، فأنا يدك وسوطك، وكان عبد الملك بن مروان قد قرر تسيير الجيوش لمحاربة الخارجين على الدولة، فضم الحجاج إلى الجيش الذي قاده بنفسه لحرب مصعب بن الزبير.
ولم يكن أهل الشام يخرجون في الجيوش، فطلب الحجاج من الخليفة أن يسلطه عليهم، ففعل. فأعلن الحجاج أن أيما رجل قدر على حمل السلاح ولم يخرج معه، أمهله ثلاثاً، ثم قتله، وأحرق داره، وانتهب ماله، ثم طاف بالبيوت باحثاً عن المتخلفين. وبدأ الحجاج بقتل أحد المعترضين عليه، فأطاع الجميع، وخرجوا معه، بالجبر لا الاختيار.
بعد أن انتصر الحجاج في حربه، أقره عبد الملك بن مروان على ولاية مكة وأهل مكة.وكان وإياهم وأهل المدينة على خلاف كبير، فعزل الحجاج عن الحجاز لكثرة الشكايات فيه، وأقره على العراق.
دامت ولاية الحجاج على العراق عشرين عاماً، وفيها مات. وكانت العراق عراقين، عراق العرب وعراق العجم، فنزل الحجاج بالكوفة، وكان قد أرسل من أمر الناس بالاجتماع في المسجد، ثم دخل المسجد ملثماً بعمامة حمراء، وأعتلى المنبر فجلس وأصبعه على فمه ناظراً إلى المجتمعين في المسجد فلما ضجوا من سكوته خلع عمامته فجأة وقال خطبته المشهورة التي بدأها بقول:

أما والله فإني لأحمل الشر بثقله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى.
أمّا الربيع العربي فقد وُلد عام الف واربعمائة وإثنان وثلاثون للهجرة وامتدّ لدول عربيّة كثيرة بدأ من العراق قبله بأعوام ثمانية وها هو يصل الى الشام عاصمة الامويين وهذا عكس سير الحجّاج فقد بدأ بالشام وانتهى بالعراق .
وقد كان ردع الحجّاج عنيفا للخارجين عن الحكم ولعصاة الاوامر وكان لا يعرف المهادنة مع احد حتّى من لهم عليه معروف وتلك احد الاهداف التي يعمل الربيع العربي على إصلاحها وهي الابتعاد عن الشلليّة والطائفيّة والعصبيّة القبليّة وللأسف فإنّ الطريقة الحجّاجيه هي التي تجلب نتائج جيّدة في هذا المجال لأننا شعوب عربيّة تخاف ولا تستحي وكذلك زعماؤنا ومسؤولينا الذين تحوّل الكثير منهم نتيجة غياب الردع والخوف الى فاسدين فافسدوا العباد وضيّعوا الاوطان وسلبوا الموارد وجوّعوا الناس وافقروهم ووضعونا في خانة الإحباط واليأس حتّى جاء ربيع بترتيب مسبق أو عفويّة شعبيّة وسواء كان نتيجة شرارة من شعلة نار أو كان نتيجة فشّة خلق للحظة ملل المهم انّ ربيع البوعزيزي العربي جاء وهذه المرّة من افريقيا العربيّة .
كان الحجّاج يعمل منفردا مستعملا لسانه وسيفه ويكاد سيفه يسبق لسانه أمّا ربيعنا العربي ففيه عقول وجيوب كثير وإعلام اكثر تدخّلا وكأنك ترى سيناريو لكلّ بلد قد يختلف عن البلد الاخر ولكن النتائج قد تكون متشابهة على المدى البعيد وهي زرع محفّزات التقسيم الطائفي والعرقي بين الشعوب وفيديراليّة برقة اقرب مثال والتشابه الثاني هو خلق انظمة أقلّ عداء لإسرائيل واكثر ارتماء في الحضن الهيلاري الامريكي الدافئ وثالث المتشابهات هو تشكيل دول فقيرة ماليّا بالرغم من وجود ثروات كالنفط لديها بحيث تستمرّ هذه الشعوب في طلب العون من الدول الغنيّة والصناديق الدوليّة متنازلة عن الكثير من مقوّماتها السياديّة ورابع تلك المتشابهات هو تسليم الحكم في نلك الدول للأحزاب والتنظيمات والجماعات الإسلاميّة لهدفين كلاهماحلو في راي الغرب وكلاهما مرّ في نفوسنا وهما إفشال هذا الاتجاه واسقاطه شعبيّا أو تدجين هذا الاتجاه ليصبح اداة في يد الغرب سهل المنال طيّع الحركة ملبّي لرغباتهم غير معاند ولا مُشاكس ينخرط فيما يُسمّونه النظام العالمي الجديد ضمن ما يُسمّى منظومة الشرق الأوسط الكبير والجديد.
فمن اين لنا حجّاح ثقفي يعرف الحق فيثبّته ويعرف الباطل فيقوّمه بالسيف إن لم ينفع معه حلواللسان أو مرّه ولو رزقنا الله حجّاجا لما رأيت الفاسدون يمشون في الارض بكلّ خيلاء وكأنهم يقولون نحن وبس وباقي الناس لا شيئ وهم لا يعيرون اهتماما لدين او قيم او اخلاق .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات