فنجان قهوة ببهاء ياسمين الشام ولون الدم


بلون الدم يا ياسمين الشام، ويا "بابا عمرو"، بلون الشفق ارتسم على سماء دمشق من دم الشهداء، بلون السم انتقع في خبز اللاجئين، وبلون الخديعة في أروقة حكامنا من غطفان ومن غسان، بكل هذه الألوان صارت قهوتنا ومذاقها.
لم يعد في الكون شغف لذبح الخراف فاستبدلها الجزارون بالبشر، بالأطفال والنساء والشيوخ. لا بأس؛ هو زمن الفجور والعهر السياسي والقتل باسم القانون والنظام والدولة. هو زمن ذبح الأنبياء من أجل راقصة وداعرة وحساب بنكي، ومن أجل "ليلى الطرابلسيّة" وصويحباتها ممن امتشقن الذهب و"اللولو" على حساب خبز الفقراء وحليب الأطفال، ومن فرح الصبايا بعودة أب منهك آخر النهار ببعض الهدايا. لا بأس، فالحياة استرخصت من حامل شرفه يدفع عنه ويذود ذود الأبطال حتى لو كان أعزلاً، كما استرخصت من جزار يرى كل البشر خرافاً ورقاباً تستحق الجزّ بسيفه البتار، ولم يعلم هذا الجبان أن السيف في يده يقطع، لكن برعشة جبنه، يقطع بخديعته للضحية، ويقطع حينما يكون الآخر أعزلاً ولا حول له ولا قوة، إلا تشبثه بحقه وحريّته وكرامته.
تتفاضل الأشياء في هذا الكون بالصورة والجوهر، فصورة النظام كالحة كالسواد أصابته الشمس بحرها، وصورة الثائر تضيء كما هي الشمس تبدد العتمة، ولونه بهي حتى يصير دمه القاني وهجاً يلون أفق السماء، أما جوهر النظام فهو كالبيت الخرب، تعيش فيه الأفاعي والعقارب ولا يصلح إلا للحرائق امتدت عبر عمره الفاني، وجوهر الثائر نبع غزير لا يكاد يلامس قفراء الأرض وبيدائها حتى يحيلها جنات خضر، وذاك هو ربيع الثورة، وربيع الأجيال العربية القادمة.
يا أحرار سورية، نهديكم بؤسنا وصبرنا ورضوخنا وتمتعنا بصور الموت تعددت وتلونت في دياركم ... ونهديكم تصاريح وأقاويل إعلامية مدفوعة الثمن تقول" سورية غير ما يصف الإعلام"..."السوريون بخير"
أجل، سورية بخير مادامت ثائرة، وهي غير ما يصفه الإعلام من حالها، وغير ما تعرضه شاشات التلفزيون تعددت ولاءاتها، سورية هي صورة الشمس سطعت لتنير حلكة الليل، وسورية هي ابتسامة القدر لشعوب ظلّت دهوراً تتأرجح بين الذل والخنوع، وسورية هي نبراس يضيء في لب العتمة يهدي التائهين.
يا شهداء سورية، دمكم مسك يعطر الروابي في وطن عربي فاحت فيه رائحة نتانة الأنظمة المتجبرة، واستشرى فيه العفن في قصور هي أقرب منها للقبور، ومعابد الأصنام التي أهلكها وحطمها الدهر، ولم يبقِ منها إلا بعض الأطلال عبرة للمارة.
يا سهول سورية ارتسمت خضراء تخللها لون الدم القاني ينزف من أحفاد ابن الوليد وصلاح الدين، يا سهول سورية: قمحك سينبت ثواراً، وأشجارك تثمر أحراراً، تنبري في أياديهم سهام العز والفخار، لتحملها ريح التغيير تغرسها في أعناق الطعاة.
يا شام: ألم يقل فيك رب العزة "أنت صفوتي من بلادي"؟ قالها وقوله صدق، فأنت الخيرة من بلاد الله وفيك خيرة العلماء ممن اصطفاهم الله ليقوموا بأمره في هذه الدنيا، وفيك شعب أبي يصنع للتاريخ معزة وأسطورة في الفداء والتضحية.
يا شام أحمد: ألم يقلها سيد الخلق "يا طوبى للشام يا طوبى للشام يا طوبى للشام" كررها ثلاثاُ فانغرست في أعماقنا حباً ملأ شغاف القلب. يا الله وكأن النبي يرتلها ترتيلاً ويجوّدها بصوته العذب.
اليوم عرفنا لمَ كل هذا المدح يا شام، ولمَ اختارك الله وطيبك نبيه، اليوم عرفنا وعلمنا علم اليقين بينما صور الأطفال تتزاحم عبر الشاشات ترسم للكون صورته البائسة وترسم صورة الشام المشرقة الأبية. دم الأطفال يعرفه "النصيري" ويعلم أنه نور وحق، دم الأطفال ومذابحهم يعرفها الهمجي الحاقد ويعلم أنها ستكون لعنة تطارده حتى يرحل عن هذه الدنيا، وبعدها تكون لعنة الله عليه غضباً وطرداً من رحمته ليحشر مع المجرمين القتلة، اللهم احشره في جهنم مع فرعون وهامان.
اليوم عرفنا يا شام كم أنت أبي، وكم نحن خانعون نرقب الحدث وكأنه فيلم أعد في دور السينما، وليس حقيقة تشهدها عدسات التصوير كل يوم، وتراها أعين الناس في كل الأرض، ثم رأتها أعين المراقبين "المسخرة" الذين راحوا يرقبون القتل وعادوا ليقولوا أن "سورية وأهل سورية ينعمون بالأمن والسلام" وأن إعلامنا هو المزور للحقيقة، وأننا نكذب، وهذه الدماء هي ربما "رب البندورة" وعصائر الشمندر وأصباغ اختلقناها، والصور هي من صنع الـ "فوتوشوب" وشباب مل وسئم حياته فراح يتلهى بمزجها للرائين في أجهزة الكومبيوتر.
يا شام "الرسول" ويا بقية المجد الأموي، ويا حاضر البطولة في "بابا عمرو" ودرعا ودمشق وكل حي ثائر، يا شام عروبتنا، يا آخر قصيدة عشق لنزار، ويا صورة الياسمين البهية أبيض خضبه الدم، يا شام أنت الهوى، وأنت الجوى، وأنت ما فينا من بقية الفرح والحزن.
يا شام؛ لا تغفري لنا خنوعنا فإن غفرانك يدعونا للتمادي بغيّنا، فمهما يكن من حالنا، ومهما كانت ظروفنا فأنت تستحقين منا ان نموت كل يوم من أجلك، لكننا أخلدنا إلى الدعة ورضينا الهوان.
يا شام يا "حب أحمد" ويا منارة صلاح الدين وخالد ويوسف العظمة وكل الثائرين، يا شام لك الله، ولنا قهوتنا التي استسغناها برائحة الدم ولونه وطعمه، لنا فنجان قهوتنا وذلنا وخنوعنا ... لا تغفري لنا يا شام، فالغفران يزيدنا نفاقاً ونحن نراقب شلال الدم وندعي أنه ماء زلال حل من غيمة في السماء.
سلام عليك يا شام وعلى أهلك وأبنائك في الأولين والآخرين وسلام على جيوش الياسمين ... سلام عليك أيتها الياسمينة ... يا ثورة تشتعل في دمي كلما ذكرت الشام.



تعليقات القراء

yasmeen
love
22-07-2012 04:57 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات