عقد اجتماعي جديد في سوريا


 ضمن حيز زمني ضيق لم يتجاوز اربعة اشهر، اوفت القيادة السورية بوعدها، وانجزت دستوراً نوعياً جديداً يلبي شروط المرحلة، ويستجيب لتطلعات الغالبية العظمى من ابناء الشعب السوري، ويقف على رأس كل الدساتير النافذة في الاقطار العربية المدسترة، وليس المشيخات النفطية المتخلفة. بغير ادنى تسويف او مماطلة او لف ودوران في الدروب الالتفافية، تم اجتراح هذا الدستور العصري والديموقراطي، وجرى الاستفتاء عليه في عرس وطني وشعبي عظيم لم يقلل من روعته وعظمته سوى عصابات الارهابيين التي صادرت حريات المواطنين في بعض المناطق المستباحة وارغمتهم على البقاء في بيوتهم. هذا الدستور فاق في حداثته وتقدميته ورحابته الديموقراطية، كل الاحلام والطموحات الشعبية السورية وحتى العربية، وتقدم في معناه ومبناه على كل طروحات قوى المعارضة وادبياتها، واسس لنقلة واسعة في الحياة السياسية السورية، واثبت ان القيادة التي لم تتردد عن الغاء المادة الثامنة من الدستور القديم، هي الاقرب الى نبض الشارع وروح العصر من كل فصائل المعارضة وابواق المزايدة. لا جدال ان الغاء هذه المادة القائلة بحق حزب البعث في قيادة الدولة والمجتمع، قد مهد السبيل لشرعية جديدة، وقذف الكرة الى مرمى المعارضين جميعاً الذين دأبوا على وضع العقدة في المنشار، والتبجح بان هذه المادة تقف حجر عثرة في طريق الحرية والمساواة والتعددية الحزبية، والمطالبة صباحاً ومساء بضرورة الغائها كشرط للانخراط في دائرة الحوار الوطني مع النظام الحاكم. بعد اليوم لا عذر للمعارضة السورية في رفع سيف المقاطعة والقطيعة والصراع مع النظام، وكم نتمنى على سائر فصائل المعارضة الوطنية في الداخل، وحتى المشبوهة في الخارج ان تثوب الى رشدها، وان تلتقط هذه الفرصة التاريخية المواتية، وان تنخرط في مسيرة الاصلاح السياسي والمصالحة الوطنية والمشاركة الشعبية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية التي يعتزم الرئيس بشار الاسد مباشرتها تباعاً على دروب الانتقال بالوطن السوري الى اعلى المراتب وافضل المستويات. طبعاً، من السذاجة الاعتقاد ان هذه المعارضة، او بالاحرى المعارضات المتعددة والمتنافسة سوف ترعوي وتعود الى جادة الصواب، وتستجيب لنداء العقل والضمير واللحظة التاريخية.. ذلك لان معظمها معارضة اسماً وحصان طروادة فعلاً، فهي مرتهنة لمراكز الاستعمار والصهيونية والرجعية النفطية، وهي بالتالي فاقدة للاهلية الوطنية والارادة المستقلة، وهي مسخّرة بالمطلق لاعمال الارهاب والتخريب والفوضى.. والا كيف يجوز لهذه المعارضة ان تدير ظهرها لدستور بلادها الديموقراطي، ثم تهرع للتحالف مع دول ومشيخات لا تعرف الدساتير، او تعترف بها اصلاً ؟؟ فقط، اردنا ان نسجل امام الملأ وبين يدي التاريخ، موقفاً قومياً سوف يشهد لنا في قادمات الايام، باننا قد نصحنا لهذه المعارضة بالاصغاء الى صوت الحق والحقيقة، والارتقاء الى مستوى هذا الصرح الدستوري الجديد الذي سيكون له ما بعده من تشريعات وانجازات وانفراجات مبشرة ومطمئنة وبعيدة المدى وباعثة على الاعجاب.. فسوريا الجديدة على موعد مع فجر التسامح والتصالح والانفتاح والعفو عما سلف، وليس ليل الثأر والحقد والانتقام وتصفية الحسابات. فكما شكلت ديباجة وبنود ونصوص هذا الصرح الدستوري المكين بشارة ديموقراطية غالية في مجال الاحكام والتشريعات، فلسوف تشكل تطبيقاته العملية والتنفيذية على ارض الواقع، انعطافة استثنائية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية السورية، وانطلاقة قوية لتجديد آليات العمل العام وتشجيع روح المبادرة والعطاء والمشاركة الشعبية.. بعيداً عن اكاذيب واراجيف المرجفين والمشككين الذين يزعمون ويتوهمون ان القيادة السورية ليست جادة او جدية في مشروعها الديموقراطي. لو كانت النوايا صادقة، والاجندات وطنية لدى هذه المعارضة، لكان لزاماً عليها ان تختبر مصداقية النظام السوري، وتمتحن حقيقة وعوده وتعهداته الدستورية، من خلال انخراطها في خضم العملية الاصلاحية، والتحولات الديموقراطية، والحريات السياسية الشاهقة السقف، بدل الاكتفاء بالتحامل والتشكيك والفذلكة الاعلامية، وعوض الانحياز والتحطيب في حبال القوى التكفيرية، والجماعات الوهابية، والدوائر العثمانية والامريكية والصهيونية جميعاً. لو كانت هذه المعارضة تؤمن بقوة الشعب فعلاً، وتراهن عليه صدقاً وليس نفاقاً، وتجيد قراءة الواقع الموضوعي في بلادها، لكانت قد اقبلت على ورشة الحوار الوطني دون ابطاء، ورحبت بهذه الرافعة الدستورية كل الترحيب، وادركت ان الظروف الموضوعية السورية كانت ناضجة للتغيير، وان الانتفاضة الشعبية التي اندلعت قبل سنة لم تكن سوى القابلة الثورية التي ولدت على يديها كل هذه التغييرات الاصلاحية والانفتاحية التي توجت نفسها بهذا الدستور المتطور الذي من شأنه ان يؤسس لثقافة سياسية متميزة، وعقد اجتماعي جديد بين الشعب ونظام الحكم. هذه الانجازات الديموقراطية والدستورية لم تكن هدية طوعية او منحة مجانية تفضل بها النظام على شعبه، بل كانت استحقاقاً وطنياً نادت به الانتفاضة الشعبية في ايامها الاولى، وبادر النظام الى الالتزام به سريعاً ودون تردد.. مستدركاً بعض اخطائه ونقاط ضعفه، ومثبتاً بذلك انه اعمق فهماً لطموحات الشعب من فهم المعارضة، وانه اقرب الى نبض الشارع منها، واكثر تفوقاً في الفكر والفعل عليها، ولولا ذلك لما اسقطت هذه المعارضات رهانها على شعبها، وارتهنت لمشيئة القوى الاستعمارية المكروهة تاريخياً من قبل هذا الشعب، وسلكت دروب العسكرة والفتنة والتمرد والتخريب، خلافاً لدعوات ورغبات الانتفاضة الشعبية السلمية. ان اخطر ما يتهدد المعارضة - اي معارضة - ان يتقدم النظام الحاكم عليها، ويستأثر بالموقف الارقى من موقفها، وينجح في تعريتها امام جمهورها، ويقرأ سطور الواقع بافضل من قراءتها، ويمسك بدفة القيادة وزمام المبادرة قبلها، تاركاً لها اللهاث خلف خطواته، والانحشار في الزاوية الحرجة، والوقوع في حبائل المراكز الاجنبية، والمراوحة ضمن هوامش رد الفعل ورجع الصدى. هنيئاً للشعب السوري دستوره الجديد الذي سيكون له ما بعده، وعقبال باقي الشعوب العربية الشقيقة، وبالذات الشعب العربي في السعودية الذي يسمع بالدساتير في سائر انحاء العالم، ولكنه لا يلمس لها وجوداً في بلاده بعد !!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات