من يبكيكم أيها المتقاعدون .. المدنيون!


لكم الله في زمن رديء؛ الغلبة فيه لمن تقوى عظامه على الوقوف طويلا في باحات الاعتصامات وساحات الإضرابات، ولمن ما زال يتمتع بأوتار وأمواج صوتيّة تصل إلى أذني صاحب القرار وأصحابه في حكومات أصمّت آذانها عن أنينكم وشكواكم، حكومات ترى فيكم أبناء البوار، ومساحات الهوامش. زمنٍ، الغلبة فيه لمن يصنّف المواطنين إلى يرث ولا يرث، ويغربل الموظفين إلى زُوان وبُرّ؛ هذا مرضيٌّ عنه وذاك غير مأسوف على شيخوخته. زمنٍ، سرقوا فيه سواد شعركم ليصبغوا فيه سواد قراراتهم الاسترضائية لهذه الجهة أو تلك، وتركوك، أخي المتقاعد المدنيّ، تتحسّر على بقايا شعيرات متناثرة، وأطلال شيب يتوارى خجلا.
لقد وقفت، يا أخي، طويلا أمام التلاميذ والغلمان؛ مربيّا ومعلما وأبا، حتى تبخّر السائل الغضروفي من ركبتيك، فلم يعد بإمكانك اليوم اعتصاما ولا إضرابا. وتقوّس عمودك الفقري وأنت تنحني لتقوّم وتقيّم الواجبات المدرسية والمنزلية للطلبة، فليس باستطاعتك اليوم المسير دون رفيق؛ عصى معدنية أو باكور خشبيّ. وأمّا أوتارك الصوتية فقد نشز لحنها، وتسلل إليها الوهن والحشرجة؛ فكم من سورة قرآن كريم، وحديث نبوي شريف، وقصيدة وطنية صدر أبياتها انتماء والعجز فيهن وفاء- قد كررتها على مسامع تلاميذك كي يعوها ويعملوا بها، فلم يعد بمقدرتك اليوم هتافا ولا علْكا. أمّا المتقاعدون المدنيون الآخرون فليسوا بأفضل حال؛ فكلنا في الهمّ متقاعدٌ.
هيكلوا، وما زال هيكلك يتهاوى يوما بعد يوم بعد أن أثخنته الرسوم الجامعية للأبناء، وتطاولت عليه الوصفات العلاجية، وتناوشته أنياب الغلاء وأضراس البلاء، ونهشته الفواتير من هذا الجانب إلى ذاك.
هيكلوا، وما زال هيكلك يتداعى يوما بعد يوم؛ ساق لا تقوى على حمل رُمَّة عظمٍ هدّها نوائب الدهر وصروفه؛ فمن احتلال خنازير البشرية إلى الأقصى وفلسطين، إلى حروب وفتن مذهبية وطائفية، إلى شحّ في الموارد والمصادر، إلى غبن ذوي القربى، إلى ضنك في العيش والمعيشة، إلى... تسنّم رعاء الشّاء أمور العامة، في الحكومات والوزارات والمؤسسات ذات العلاقة بقوت الناس ومعاشهم، فعاث البعض منهم فسادا أصاب بسهمه مقتل الوطن ومَنْ فيه من عباد، وحطّ عنقه على مقصلة البنوك الدولية والمديونيّة، وأجبره على الخنوع لاشتراطات تلك البنوك والصناديق الصهيونية ومراميها. هؤلاء الذين حولونا من أصحاب اليد العليا إلى أرباب اليد السفلى، ننتظر مساعدة من هناك، وهِبَة من هناك، وقرضا من هناك، وبين كلّ هناك وهناك شروطٌ وإملاءات واستحقاقات.
فإلى من لا يهمه هذا الأمر، من حكومات أو وزارات معنية: التفرقة بين متقاعد عسكريّ وآخر مدنيّ سبيل حبلى بالعثرات والفجوات، وكفر وطنيّ ما بعده كفر؛ فمن بنى هذا الوطن الذي نقدسه ونجله هم أبناؤه كلهم؛ هؤلاء حُماته وأؤلئك بانوه، هؤلاء سياجه وأؤلئك زارعوه وغارسوه. هؤلاء توأم وأؤلئك التوأم الآخر له. فهل من وقفة بينكم وبين أنفسكم تتوبوا فيها إلى بارئكم.
أيها (الهؤلاء) من مسؤولين، الوطن لا يحتمل رعونتكم، البلد لا يحتمل فوضى أكثر مما هو فيه. لا تجعلوا تحقيق المطالب بعد ليّ ذراعكم، أو تنظيم اعتصام أو إضراب؛ فالكياسة ليست في تجبير الكسر بل هي التجبير قبل حدوثه.
-----نسخة إلى كلّ من لا يهمه الأمر.



تعليقات القراء

هندي اصفر
ما اروعك. ابدعت , والى الاعتصام يا متقاعدون وصدق ... عندما قال هيك مظبطه بدها هيك ختم
28-02-2012 12:02 PM
صقر1
المتقاعدين المدنيين ..اذا بعتصموا بتقوم الحكومه بدور على بدائل .هههههه ويمكن تعين ناس بدالهم بالتقاعد هههههه مثل ما كانت بدها تعمل مع المعلمين.. فاحسن ليهم يحافظوا على وظيفة هالتقاعد ويسكتو بدون اعتصامات ..
28-02-2012 03:16 PM
اردنية
انا جاهز للاعتصام المتقاعدين المدنيين الالعسكرين كيف بخدمو الوطن وهم نائمون في بيوتهم
28-02-2012 03:50 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات