لماذا الإنسانية والأمن الإنساني ، وما حاجتنا لها ؟!


قد يتساءل المرء على مستوى الأفراد والجماعات والدول ، لماذا الإنسانية والأمن الإنساني ، وما حاجتنا لها ؟! وللإجابة على هذا السؤال علينا أن نتعرف إلى حالات النفس البشرية منذ ولادة الإنسان لغاية مماته ، وقد لخصها الحق سبحانه وتعالى في أخر وأصدق وأشمل الكتب السماوية القرآن الكريم ، حيث قسم النفس إلى ثلاثة حالات ، وهي : الطبعية ، والأخلاقية والروحانية، و خص الحق جل في علاه كل حالة من الحالات بـ (بيئة ) تنطلق منها لكون الإنسان أبن البيئة والسلوك مكتسب فمثلاً في الحالة الأولى : القرآن الكريم يحدد الحالات الطبعية في عمومها تحت ما يسميه ( النفس الأمارة ) وذلك من خلال قوله عز وجل ( إن النفس لأمارة بالسوء ) يوسف 54 وهذه الحالة البدائية للأسف ما زلنا نجدها راسخة في الذهنية المعاصرة ، من خلال همجية الاعتداء على الآخرين ونهب حقوقهم ، وشر عنة الاستيلاء على ثرواتهم ، هذا عدا عن قتلهم وتشريدهم والتنكيل فيهم و هذه الحالة التي كان عليها العرب قبل الإسلام عصر ( الجاهلية ) ، وفي المختصر نجد أن الإنسان إذا لم يحاول جاهداً للخروج من طور الطبعية فإنه يبقى فريسة لشهوات النفس ، والطبعية كسلوك لا تتوقف عند الأفراد وإنما قد تشمل الجماعات والدول ، لا سيما أننا نجد أن الطبعية تسن قوانين وتنظم علاقات تبدو في الظاهر مدنية وهي في الحقيقة لا تعدو عن كونها ترفد الطبعية في الإنسان من خلال النفس الأمارة بالسوء ، هذه النفس التي تعشق الحيوانية إلى درجة الجنون ، وإلا كيف يحلل البعض كل ما حرم عليهم ، سواء تعلق الأمر في الاعتداء على حقوق الآخرين أو على النفس من خلال تحليل الخبائث المحرمة ؟!
أما الحالة الثانية : فهي حالة النفس اللوامة ، يقول الحق سبحانه وتعالى : ( ولا أقسم بالنفس اللوامة ) ( القيامة 3 ) وهذا هو الطور الثاني من أطوار الارتقاء البشري ، الطور الذي يكلل المرء بالضمير من خلال معرفة الأخطاء ، ومن هنا تبدأ النشأة الأولى للأخلاق ، ليرتقي الإنسان إلى ما فوق الأنعام ، وفي ذلك رفعة تجعل المرء على عتبات الإنسانية التي ندعو إليها لكونه ينسلخ من الطور الذي يجعله تحت إمرة النفس الأمارة بالسوء ، والتي أصبحت للأسف مصاب العالم الحديث ، خاصة وأن الدول التي من المفترض أنها متقدمة وعظمى تسترسل في دوافعها الطبعية كالبهائم ، فتغزو هذه الدولة وتفتن في تلك وتقتل شعب تلك الدولة دون أي ذنب اللهم بجرم امتلاك طاقة غي متواجدة في الدولة العظمى أو موجودة بشح ! ما يعني أن هذه الدول لم تصل بعد إلى مستوى النفس اللوامة رغم هذا التقدم المادي المذهل ، فسبحان الذي جعل لنا النفس اللوامة التي تلوم الإنسان على كل فعل غير سوي أو أثم ، من أجل أن تستنبت الأخلاق في داخلنا ، هذا في الوقت الذي لا تقوى هذه النفس وإن كانت تستنبت الأخلاق على فعل الخيرات ، وحالها يكون أشبه بالطفل الذي يتعلم المشي فيتعثر ويسقط إلى أن تنتقل إلى الحالة الثالثة أي الطور الإنساني .
الحالة الثالثة : وهي حالة النفس المطمئنة ، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( يا أيتها النفس المطمئنة . أرجعي إلى ربك راضية مرضية . فادخلي في عبادي . وادخلي جنتي ) ( الفجر 28ـ 31) وهذا هو المقام الذي ننشده ونتمنى أن نصل له من خلال دعوتنا ، لترتقي الأمم إلى هذا الطور الإنساني الذي يضمن إنسانية وأمن الإنسان ، ويحقق لنا العدالة ، بعد أن تتصل قوانا بالله عز وجل ، وندرك المعاني التي من أجلها وجدنا على سطح هذا الكوكب الذي يقتضي منا الأعمار والإحسان إلى الموجودات المسخرة لنا ، عندها فقط تتحول الأرض إلى جنة ، بعد العودة إلى الله الموثق في كلامه سبحانه ( ارجعي إلى ربك ) لأن النفس لا يمكن أن تتربى بعيداً عن خالقها ، ومهما بلغنا من العلم فإننا نكون في قمة التخلف إذا ما ابتعدنا عن الله ، ولعل وضع الدول الغربية من أوروبا وأمريكا أبلغ برهان على ما نقول ، ذلك لأن التقدم العلمي في عصر الفضاء لم يمكنهم من الارتقاء إلى الطور البشري الثاني والمتمثل في النفس اللوامة ، والذي قد يمنعهم عن النهب والسطو على مقدرات الأمم ، فكيف في الوصول إلى النفس المطمئنة والدخول في الطور الإنساني الذي ندعو إليه ؟! لقد توقف الغرب عند النفس الأمارة وبقي يراوح في مكانه ، وسبب للشعوب الغربية والعالم هذه المصائب والفجائع والآلام ، وإلا كيف ندعو ليل نهار ونواصل العمل دون أجر من أحد ليصل الناس إلى ذلك المقام الإنساني الذي يجعلهم متحابين في الله خالقناجميعاً وخالق كل شيء سبحانه ، والذي لا يمكن للإنسان أن يستقي الحياة والمعرفة إلا منه سبحانه الوهاب ، وسنبقى نسير في هذا الطريق وصولاً إلى الفلاح المتمثل في قول الحق سبحانه وتعالى ( قد أفلح من زكاها ) وقد خاب ذلك الذي رفض التزكية وأتبع أهواء النفس الأمارة بالسوء تلك الصورة المتمثلة في قوله جل في علاه : (وقد خاب من دسها ) ( الشمس : 10 ـ 11 ) .
وبعد أن تعرفنا على الحالات الثلاثة ، لا بد أن ننتقل إلى عملية التفاعل بين الجسد والروح من أجل إصلاح الحالات الطبعية والتي تدمر الأرض بهذه الحروب التي لا تكاد أن تضع أوزارها في مكان وإلا واشتعلت في مكان أخر ، ويبقى الإنسان من يدفع الثمن ، ويهدد في أمنه ، وبالطبع الإنسان بلا أمن إنساني أي بلا دين ، ووفق هداية الحق جل في علاه فقد عرفنا أن هنالك روابط بين الحالات الطبعية والأخلاقية والروحانية ، إلى درجة أن أسلوب المرء في الأكل والشرب يؤثر في حالاته الأخلاقية والروحانية ، أي أن الإنسان لو سار وفي كافة شؤونه وأحوله بحسب الشرعة الربانية لتحولت كل أحوله إلى أخلاقاً ، ولكان لها تأثير عجيب على الحي الذي يسكن فيه ومن ثم على الدولة والإقليم وهكذا إلى أن يصل التأثير إلى العالم ، والقرآن المجيد بين لنا كيفية تفاعل الجسد مع الروح ، لذلك نبهنا إلى أهمية الطهارة البدنية ، ومدى أثر حركات العبادات في جميع الفرائض ، والتي تجد الغاية من مجملها إخضاع النفس لغايات تزكية الباطن ، وهنا لو سألنا أحد الأطباء المتخصصين : هل البكاء الاصطناعي له أثر على القلب ؟ لكانت الإجابة نعم ، ولكن لماذا ونحن نصطنع البكاء ؟ ستكون الإجابة لأن هنالك علاقة تبعث في القلب لوعة من جرى هذا البكاء المصطنع ، الله أكبر ! وكذلك في حالات الضحك حتى ولو كان مصطنعاً فإنه يبعث في القلب فرحاً وانشراح ، لهذا تجد أن السجود يولد في أنفسنا حالة من التضرع والخشوع ، ونكون في كل حالاتنا بعكس ذلك الشخص الذي يمشي بكل زهو وفخر رافعاً رأسه ولا يكاد يرى أحد من خلق الله ، حيث أن ذلك السير يولد عنده كبر وغطرسة وتكبر ، إذن هنالك ترابط بين الحالات الجسدية والروحانية ، في الوقت الذي لا نستطيع أن ننكر فيه ما أثبته العلم الحديث من تأثير الأطعمة والأغذية المتنوعة على الوظائف الفكرية والقوى النفسية ، وإلا كيف تجد أن الحق سبحانه وتعالى يحرم عنا أشياء ويحل لنا أشياء ، ولو بقينا فيما أحل الله لوجدنا أن الذين لا يأكلون اللحوم تضمحل فيهم قوة الشجاعة شيئاً فشيئاً إلى درجة قد يصبحوا جبناء ، ولكي نطمئن أكثر للنظر إلى الحيوانات التي تقتات على الأعشاب تجدها تخاف وترتعب من الحيوانات التي تقتات على اللحوم ، كذلك الأمر في الطيور ، فيكف في الإنسان ؟ هنالك علاقة وطيدة بين نوعية الأكل والأخلاق ، ولو تفحصنا أناس لا يأكلون غير اللحوم تجدهم يفتقدون للحلم والتواضع ، وضمن هذا المنظور فما العمل ؟ لقد بين لنا الحق سبحانه وتعالى الطريق القويم من خلال قوله جل ثناؤه : ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) (لأعراف : 32 ) أي كلوا بتعقل ووعي حتى لا تتضرر أخلاقكم من الإفراط المضر كذلك في صحتكم ، وفي المقابل فكما أن الجسد يؤثر في الروح فإن الروح تؤثر في الجسد ، فحين نصاب بالغم تغرورق العينان ، وحين نصاب بالفرح والسرور نتبسم ، لأن هنالك رابطة محكمة بين الجسد والروح ، وهذا ما يجعلنا ننتقل إلى نشأة الروح ، فما سرها ؟ لو تعمقنا أكثر فأكثر لوجدنا أن الجسد بمثابة الأم للروح ، ما يعني أن الأرواح ليست كما نعتقد تتنزل من السماء إلى بطون الحوامل ، بل هي نور مكنون في النطفة نفسها ، ينكشف شيئاً فشيئاً مع نشوئها ونموها ، والحق سبحانه يخبرنا بأن الروح تنشأ من نفس الجسد الذي يتكون من النطفة في الرحم حيث يذكر تكون الإنسان من النطفة فالعلقة : ( ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) ( المؤمنون : 15 ) أي أننا ننشئ الجسد المتكون في الرحم نشأة أخرى ، ونبرز له خلقاً أخر يسمى الروح ! فالله ذو بركات كثيرة غير متناهية ، والحق أننا إذا أدركنا العلاقة بين الروح والجسد سنرى أسرار أفعال الإنسان وأعماله وأقواله الطبعية كلها ، وسنكتشف أيضاً كيف أن الأعمال الصالحة الخالصة لوجه الله تعالى تكمن بداخلها الروح منذ البداية كما تكمن الروح في النطفة منذ البداية أيضاً ، وبقدر ما تتضح صورة الأعمال تزداد هذه الروح صقلاً ، حتى إذا اكتملت بنية العمل لمعت فيه الروح فجأة بتجليها الكامل ، وتبث نفسها كوجود روحي مستقل ، وهنالك تتبدى في الجسد الأعمال حركة الحياة المحسوسة ، وما أن يكتمل جسد الأعمال حتى ينبثق في داخلها ، فجأة شيء كالبرق يتلألأ تلألؤاً واضحاً ، وهذه هي الفترة التي يصفها الله تمثيلاً في كتابه الحميد ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) الحجر : 30 ) .
وبالطبع لا نريد أن ندخل هنا بأن الروح كانت خميرتها مستترة في النطفة منذ البداية ، وبأن علاقاتها بالنطفة ما زالت بالنسبة لنا غامضة ، وإن لم تكن جزء من النطفة كما يكون العضو جزءاً من الجسم ، فإنها ليست من خارج الجسم ، ولا تهبط عليه من السماء ، وبحسب علمنا المتواضع جداً ، هي أشبه ما تكون بالنار الكامنة في الزند !
وبالطبع هذا التفسير يقودنا إلى معرفة الحكمة من الخلق الإنساني والتي تظهر في النشأة الثانية ، سيما وأن الأرواح موقوفة على حركة أجسادنا ، فحيثما سار الجسد سارت الروح وتبعته ، ومن هنا جاءت دعوة الرسل لله عز وجل ، وتبلورت دعوتنا ( للإنسانية والأمن الإنساني ) لمعالجة حالات الإنسان الطبعية ، والتي أهتم فيها القرآن بعناية خاصة ، للوصول إلى الإصلاح الإنساني المنشود ، فوضع آداب تشمل الضحك والبكاء والأكل والشرب ، واللبس والنوم ، والزواج والعزوبة ، والنطق والصمت ، والمشي والوقوف ، والنظافة الظاهرية بما فيها الغسل وغيره ، والمرض والصحة ، وغيرها من الأمور ، ونستنتج مما ذكرنا أن هنالك تدرج بحسب السنة الإلهية للوصول إلى ما نسميه الطور الإنساني ، وهذا التدرج يقتضي الإصلاح للحالات الطبعية كي يرتقي الإنسان في سلم النشوء الإنساني ، للوصول إلى الروحانية والتي تعني الوصول إلى مفاهيم ( الإنسانية والأمن الإنساني ) وإلا كيف ركز الحق على تعليم آداب القعود والقيام والأكل والشرب والمحادثة وغيرها من آداب المعاشرة ؟ لكي يخرج المرء من مرحلة ما دون البشرية ، المرحلة الأقرب إلى الحيوانية والتي يطلق عليها مرحلة الطبعية والتي يكون المرء فيها منقاد إلى النفس ، إلى أن يصل إلى أول حالات الأخلاقية ، أي يكون ضمن أطر الأخلاق الرذيلة والتي تحتاج إلى تهذيب ، وبالمناسبة هذه المرحلة أعلى من الطبعية ، غير أنها لا تفارقها بالكامل لكونها من مراحل الإصلاح للحالة الطبعية لا أكثر ، والحق إذ يجعل السمو الإنساني والأمن الإنساني من أهم أهداف القرآن الكريم فلكون الإنسان لا يمكن أن تستقيم علاقته مع الله قبل تحقق الإنسانية فيه وضمانة أمنه الإنساني ، وهذه المرتبة هي التي يمكن أن نطلق عليها مرتبة التسليم لله بعد اكتشاف الحقائق، حقائق وجوده والغاية منه ، والتي تجعل المرء كله لله ، المرحلة التي سمى بناء عليها الحق جل في علاه الدين بالإسلام حيث يقول في محكم كتابة ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )البقرة : 113) وهذا هو المقام المرجو ، والذي يمكننا من الدخول إلى باب الحكمة النبوية والتي يصبح لسان حالنا يقول فيها بحسب قول الحق : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ( الأنعام : 163 ـ 164 ) ويقول : ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) ( الأنعام : 154) ويقول : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) آل عمران : 32 ) .
ونحن حين نورد تلك الحالات الثلاثة ، فلا بد أن نعي أن الحالة الطبعية لا تؤهل المرء لكي يرتقي في السلم الذي يمكنه من معرفة الله عز وجل ، ذلك لأن الأخلاق بحد ذاتها غير موصله للحق ما لم تقرن بالمؤهلات الإيمانية ، ولو بحثنا في هذا الجانب لوجدنا أن كل استسلام لغير الله إنما هو عين الجبن والرذيلة ، إذن لا تسامح بدون دين ، ولا شجاعة بدون معتقد ، وخلاصة المسألة نريد أن نرتقي بالمتوحشين الهمج المستعمرين المعتدين على الآخرين إلى أدنى الأخلاق ، ومن ثم رفعهم إلى مسارات الإنسانية ودروبها تحت الظل الرباني وبحسب التعاليم القرآنية ، وسيجدون فرقاً حتى في أبسط شؤون حياتهم مثل الأكل والشرب والزواج وغيرها من أمور التمدن الإنساني ، والتي لا تسمح بذلك التعري الفاضح ، وأكل اللحوم الميتة كالكلاب والعياذ بالله ، وبكل قناعة يصفون أنفسهم بأنهم عالم أول ، ونحن عالم ثالث كيف لا أدري ؟ وضمن أي دليل لا اعلم ؟! وللأسف لا يمكنوننا من التوصل معهم إلى أدنى مرحلة من مراحل إصلاح الحالات الطبعية ! بسبب وهمهم الحضاري الكبير ، قلنا مراراً وما زلنا نقول الأخلاق الفاضلة لا توصل إلى الارتواء الروحاني ، فكيف في ظل الأخلاق الذميمة والفاسدة بحسب وصف الحق جل في علاه ( ظهر الفساد في البر والبحر ) ( الروم : 42 ) والحمد لمن يحي النفوس بعد فسادها أي موتها كما قال جل جلاله : ( اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها ) ( الحديد : 18 ) لقد جاء سيدنا رسول الإنسانية عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من أجل الارتقاء بنا إلى منازل الإنسانية والأمن الإنساني ، لأن كل ما لم يخضع للعقل من السلوكيات والتصرفات لا يسمى خلقاً سواء ذميماً أو حسناً ، وهنا لا نستطيع بأي حال أن نصف ما تقوم فيه الدول الغربية من سلوكيات أخلاقاً لأنها لم تخرج من أطر الطبعية ، ولعل كافة سلوكياتها العسكرية تبين لنا بوضوح أنها لم تتعدى ذلك الإطار ألطبعي ، ولكي يعي الجميع المراد فإن الأخلاق لا تسمى خلقاً ما لم تدخل ضمن بوتقة الكمال البشري ،والكمال البشري هو البدء في تطبيق مبادئ الإنسانية والأمن الإنساني ، ولكن لماذا ؟ لأن الأخلاق لا توصلنا حتى في حالة وجودها إلى المراد الذي يحقق غاية الوجود ما لم تكن مقرونة بتعاليم ربانية ، والتي تمكن من السمو إلى منازل الإنسانية والأمن الإنساني ، ولنتدبر بذلك الخلق الذي يرقى إلى منازل الإنسانية والأمن الإنساني من خلال قول الحق سبحانه : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) أي أنك مستوعب لجميع أقسام الأخلاق من سخاء ، وشجاعة ، وعدل ، ورحمة ، وإحسان ، وصدق ، وهمة ، وما شاكلها ، وباختصار : فإن جميع القوى الطبعية الموجودة في الإنسان مثل الحشمة والحياء والأمانة والمروءة والغيرة والاستقامة والعفة والزهد والعدل والمواساة والشجاعة والجود والعفو والصبر والإحسان والصدق والوفاء وما شابهها من الحالات الطبعية ، هي في الأصل غرائز ، وتسمى أخلاق عندما يتصرف فيها بالإرادة حسب اقتضاء الزمان والمكان ، ويكفي الإنسان لكي يحمد الله أنه كائن قابل للرقي والتقدم ، وهذا ما يمكنه من أن يبدل طباعه على أخلاق ، من خلال الإرتقاء إلى الإنسانية والأمن الإنساني التي تمكنه من إتباع الدين الحق ، أتمنى أن نكون قد وصلنا إلى الإجابة على السؤال : لماذا الإنسانية والأمن الإنساني ، وما حاجتنا لها ؟! خادم الإنسانية .



تعليقات القراء

عبدالله سالم
أحسنت ، بارك الله بأمثالك
27-02-2012 04:40 PM
زياد محمود
ما أحوجنا إلى افنسانية في هذه الأيام !
27-02-2012 04:41 PM
سلطان ماجد
أجمل ما أطلعت عليها من مقالات عبر سنيين
27-02-2012 04:43 PM
عزمي القهيوي
لحديث عن الحاجة الإنسانية ليست بوصفها أم الاختراع فقط كقرينة على قواعد عامة ,بل كونها الباعث الحقيقي وأم اختراع حتى لإنشاء ايديولوجيات تخدم الحاجة حسب الواقع الحالي , كما أنها ستطيح ليس فقط بأنظمة محدودة بل بمنظومات بكاملها بكل بناها الفكرية العقائدية التي اعتبرت راسخة ! فالحاجة تتدرج في عظمها كالمد فتكون تارة كالمد الشهري في قرائن القواعد العامة إلى تسونامي يطيح بمنظومات كاملة.
27-02-2012 04:46 PM
أنور الجماصى
هذا ليس مقال . هذا بحث مهم جداً ولا يمكن القفز عنه . لأنه وصفة سماوية لكافة مشكلاتنا .
27-02-2012 04:49 PM
ماجد سليس
الانسان محور الوجود الأرضي وحاجاته محور تحركات الفرد والمجتمع عبر التاريخ ومنها الأنظمة والإختراعات , وللأخلاق والقوانين دور أساسي في تهذيب طلب هذه الحاجات وتحقيقها حسب خلفية المجتمعات التي اكتسبتها عبر التاريخ حيث انهارت ديمومة شتى أنواع البنى الفكرية واقعيا ً أو عمليا ً .وهذا استقراء لمسيرة التاريخ حيث لم تتغلب فيه الفلسفات على الحاجات -ولم تستطع تجاوزها بمسافة , إن لم يكن العكس وأكثر :أقصد التسخير الفلسفي لخدمة الحاجة - وهي فلسفة الحقيقة .
27-02-2012 04:52 PM
ليست
المبجل

الشريف رعد

(ليست كما نعتقد تتنزل من السماء إلى بطون الحوامل ....)



باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح



إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، أما بعد: الباب الرابع من كتاب صفات المنافقين وأحكامهم: قال النووي: (باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح، وقوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ [الإسراء:85] إلى آخر الآية). قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش -وهو سليمان بن مهران- حدثني إبراهيم بن يزيد النخعي عن علقمة النخعي عن عبد الله بن مسعود قال: (بينما أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث)]، الحرث: هو الزرع. وفي رواية: (في خرب) وكأنها تصحيف للحرث، لأن لفظ الكلمة واحد في حرث وخرب، وإنما الاختلاف في الضبط والنقط، فتصحف على بعض الرواة، ولو قلنا بجواز الجمع بين الأمرين؛ لكان يمكن أن نقول: إن الخرابة يمكن أن تكون في الحرث، وإن الحرث يمكن أن يكون في مكان خرب، فالجمع بينهما ممكن. [(بينما أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متكئ على عسيب)] أي: معتمد على جريد النخل. (إذ مر بنفر من اليهود) أي: مر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن مسعود على نفر من اليهود. والنفر: هم الجماعة من الناس، قيل: من الواحد إلى التسعة، وقيل: من الثلاثة إلى التسعة. وقيل: من الواحد إلى العشرة. [(فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح)] أي: سؤال تعنت وجحود واستهزاء، [(فقالوا: ما رابكم إليه، لا يستقبلكم بشيء تكرهونه)] يعني: احذروا أن تسألوه عن الروح؛ حتى لا ينزل عليه وحي بشيء تكرهونه، فيكون في هذا شقة ومضايقة لكم، [(فأصر البعض فقالوا: بل سلوه، فقام إليه بعضهم فسأله عن الروح، قال: فأسكت النبي صلى الله عليه وسلم)]. وفي رواية: [(فأثكن النبي صلى الله عليه وسلم)] ومعنى: (فأسكت أو فأثكن) أي: انتظر قليلاً لم يرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن مسعود [: (فعلمت أنه يوحى إليه)] أي: في هذه المدة الزمنية التي سكت فيها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعطهم جواباً على سؤالهم؛ أيقن ابن مسعود أن الوحي نزل من السماء عليه فيما يتعلق بسؤال اليهود له عن الروح. قال: [(فقمت مكاني)] أي: لزمت مكاني، [(فلما انجلى الوحي) أي: فلما فارقه الوحي، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85])]. فكان هذا هو وحي السماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم جواباً على سؤال اليهود له. قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و أبو سعيد الأشج - وهو عبد الله بن سعيد الكندي- قال: حدثنا وكيع، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي -وهو المعروف: بـابن راهويه- وعلي بن خشرم قالا: أخبرنا عيسى بن يونس كلاهما -أي: وكيع و عيسى- عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: (كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة) ثم ذكر الحديث بنحو حديث حفص بن غياث المتقدم، غير أن في حديث وكيع : وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، وفي حديث عيسى بن يونس : (وما أوتوا)]. أي: اليهود الذين يزعمون أن التوراة فيها هدى ونور، وفيها كل شيء، وما تركت من العلم شيئاً، فالله عز وجل أراد أن يبين لليهود أن العلم الذي بأيديهم بالنسبة إلى علم الله عز وجل شيء قليل، ونزر يسير. قال: [حدثنا أبو سعيد الأشج قال: سمعت عبد الله بن يزيد يقول: سمعت الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم في نخل يتوكأ على عسيب)]. قوله: (في نخل) أي: في بستان النخل، وهو البستان الكبير الذي يزرع فيه نخيل البلح، وهذه الرواية تؤكد رواية أنه خرب، أو أن الخربة يمكن أن تكون بين الزرع، وأنتم تعلمون أن النخيل ليس حرثاً، وإنما الحرث: هو النبات القصير الذي يجز من الأرض جزاً، كالأرز والقمح وغير ذلك، وأما هذا فهو قطف الثمر، وليس حرثاً، ولذلك يمكن الجمع بين الرواية: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة) أو (في حرث بالمدينة) أي: في نخل يتوكأ على جريد النخل. قال: [ثم ذكر نحو حديثهم عن الأعمش وقال في روايته: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]. وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و عبد الله بن سعيد الأشج واللفظ له، قال: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي الضحى - وهو مسلم بن صبيح الهمداني - عن مسروق - وهو ابن الأجدع - عن خباب - وهو خباب بن الأرت أبو يحيى التميمي من نجباء السابقين]. وهو تقريباً -كما قال ابن إسحاق- رقم عشرين من السابقين الأولين في الإسلام، فبعد أن ذكر تسعة عشر ممن أسلموا أتم العشرين بذكر خباب بن الأرت، وقد مات بالكوفة، وصلى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعاش ثلاثاً وسبعين سنة، وكان عمر يدنيه ويقربه، ولا يفضل عليه أحداً إلا عمار بن ياسر، فإذا رآه عمر في المجلس أدناه وقربه وأجلسه بجواره، وقال: أنت أحب الناس إلي؛ لما وقع فيه من عذاب وإيذاء فصبر، ولكن عمار بن ياسر وآل بيته صبروا أكثر من صبر خباب. وعمار لم يجزع جزع خباب رضي الله عنه، ولذلك أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (يا رسول الله، ألا تدعو الله لنا، ألا تستنصر لنا، أما ترى ما قد نزل بنا -وكان النبي عليه الصلاة والسلام مسنداً ظهره إلى الكعبة، فاعتدل وهو محمر الوجه- قال: إن من كان قبلكم كان ينشر بالمناشير من رأسه إلى أخمص قدميه حتى يلقى على الأرض فلقتان، فما يرده ذلك عن دينه شيئاً، وإن الله تعالى لينصر هذا الدين -أي: بكم أو بغيركم، فلا تجزعوا واصبروا- حتى يدخل في كل بيت حجر أو مدر). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يسمع بهذا الدين كل أحد على وجه الأرض). أي: حتى تقوم الحجة على العباد جميعاً، فمن آمن فله الحسنى، ومن كفر فله عاقبة السوء. وعن خباب قال: (كان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه فقال لي: لن أقضيك حتى تكفر بمحمد، قال: فقلت له: إني لن أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث)، وهذا لا يعني أن خباب بن الأرت في يوم القيامة سيكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام، ولكن خباب بن الأرت لطول عشرته لـالعاص بن وائل علم أنه لا يعتقد عقيدة البعث، فأراد أن يدعوه إليها، وأن يحمله على الإيمان بها، فقال: (لن أكفر بمحمد حتى أموت ثم أبعث يوم القيامة، فقال العاص بن وائل : وإني لمبعوث من بعد الموت؟) أي: وهل أنا إذا مت سوف أبعث مرة أخرى؟ (قال: نعم. فقال العاص: فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مالٍ وولد). يقول: أنا في هذا الوقت صاحب أموال وصاحب أولاد، وإذا مت وتركت الأولاد والأموال ثم بعثت فلابد أنني سأجد الأموال والأولاد، فحينئذ أقضيك في ذلك اليوم، وأما اليوم فلا أقضيك إلا إذا كفرت بمحمد، وهذا نوع استهزاء بعقيدة الموحدين وعقيدة المؤمنين؛ لأنه لا يؤمن بالبعث من بعد الموت، ومن باب أولى لا يؤمن بالحساب والجزاء والثواب والعقاب، والجنة والنار وغير ذلك؛ بدليل أنه قال: إذا بعثت كان لي مال فسوف أقضيك، أي: إذا كنت يا خباب تعتقد أننا سنبعث مرة أخرى، فأنا أعتقد إتماماً لهذه العقيدة أنني إذا بعثت سأجد مالي وأولادي، وحينئذ يتسنى لي القضاء، وأما الآن فلا أقضيك إلا إذا كفرت بمحمد. [قال وكيع: كذا قال الأعمش، قال: فنزلت هذه الآية: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا [مريم:77]] أي: من بعد البعث إذا كنتم تؤمنون بالبعث [أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا [مريم:77-80] أي: بغير مال ولا ولد، يأتي كما ولدته أمه. ومعنى أَطَّلَعَ الْغَيْبَ [مريم:78] أي: هل أطلعه الله تعالى على الغيب؟ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم:78] أي: ميثاقاً أنه إذا رجع فسيجد المال والولد، كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا [مريم:79] أي: فيحيى حياة دائمة أبدية سرمدية في عذاب الله عز وجل. قال: [حدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني، وأبو معاوية، حدثنا محمد بن نمير -وهو ابن عبد الله بن نمير- وحدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه أخبرنا جرير بن عبد الحميد الضبي، وحدثنا ابن أبي عمر محمد بن يحيى العدني حدثنا سفيان بن عيينة كلهم عن الأعمش بهذا الإسناد نحو حديث وكيع . وفي حديث جرير: قال خباب: (كنت قيناً -أي: حداداً- في الجاهلية، فعملت للعاص بن وائل عملاً فأتيته أتقاضاه)] وذكر الحديث بهذا الطول الذي نحن بصدده. علمنا في هذا الباب قضيتين: الأولى: قضية الروح، والثانية: قضية البعث. أما قضية الروح: فلما قال اليهود بعضهم لبعض: (سلوه عن الروح، فقالوا: ما رابكم إليه لا يستقبلكم بشيء تكرهونه). ومعنى: (ما رابكم إليه) أي: ما الذي يدعوكم إلى سؤاله؟ أو ما هي الحاجة والضرورة إلى أن تسألوا هذا السؤال لمحمد؟ أو ما هو الذي شككم فيه حتى احتلتم إلى سؤاله؟ أو ما دعاكم إلى سؤاله، ألا تخشون سوء عقباه؟ وهكذا تصرف الحمقاء أنهم يسألون عن شيء، وإنهم ليوقنون أنهم يسمعون جواباً لا يتناسب مع هواهم. فلما نزل الوحي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]). قال المازري: الكلام في الروح والنفس مما يغمض ويدق، أي: الكلام في ماهية الروح وأصل الروح وكذلك النفس كلام غامض دقيق جليل خفيف، لأن الروح غالباً مما استأثر الله عز وجل به في علم الغيب عنده، فينبغي الإيمان به والتسليم بغير خوض في ماهيته وكيفيته. ثم قال المازري : ومع هذا فقد أكثر الناس فيه الكلام، وألفوا فيه التآليف -أي: الكتب- قال أبو الحسن الأشعري : الروح هو: النفس الداخل والخارج. فاعتبر أن الأرواح هي الأنفاس التي تدخل وتخرج. وقال ابن الباقلاني : الروح متردد بين هذا الذي قاله الأشعري وبين الحياة. وقيل: الروح جسم لطيف مشارك للأجسام الظاهرة، والأعضاء الظاهرة. وقال بعضهم: لا يعلم الروح إلا الله، وهذا أعجب الأقوال إلي، وأحبها إلى قلبي، لا يعلم الروح إلا الله عز وجل. ولذلك قال الله تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85] أي: في علم ربي. وقال الجمهور: هي معلومة، واختلفوا فيها على هذه الأقوال. وقيل: هي الدم، وقيل: غير ذلك. واحتج الجمهور بأن الآية ليس فيها دليل على أنها لا تعلم، ولا بأس بالخوض في معرفة علم الروح وحقيقة الروح، لأن الآية ليس فيها نهي، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلمها، وإنما أجاب بما في الآية الكريمة؛ لأنه كان عندهم أنه إن أجاب بتفسير الروح فليس بنبي، فقد كانوا هم يتصورون هذا، أو أن كتب اليهود بينت لهم أن من علامات النبي العربي أنه إذا سئل عن الروح لم يجب عنها إلا بأنها من علم الله وأمر الله، فلو أنه أجاب في الروح بإجابة غير هذه لم يكن نبياً، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85]، ولذا لم يتكلم في الروح، ولم يخوض فيه بشيء. والروح تذكر وتؤنث، وفي الروح كلام طويل نكتفي بما ذكرنا، لكن على أية حال: إذا قلت كما قال الله تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85] فلاشك أن هذا أسلم وأحوط في دين المرء. ونحن نعتقد اعتقاداً جازماً أن كل مخلوق يتمتع بروح، وتختلف الأرواح من الحيوانات إلى الطيور إلى الآدميين إلى الجن، وربما كانت الروح متحدة، فلما خفي علينا هذا وذاك ينبغي أن نسلم بأن الروح من أمر الله عز وجل. وأما اعتبارها الدم أو النفس، أو الأنفاس الداخلة والخارجة، أو أكثر من ذلك أو أقل فلم نكلف بمثل هذا الكلام.





29-02-2012 02:43 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات