الحــوار وقبــول الآخــر


الأخوة الكرام : ألاحظ أن بعض الكُتّاب الكرام يكتبون بموضوعٍ ما عن قناعة وبشكلٍ مُطلق (Absolutly) وكأنّ رأيه لا يأتيه الباطل من أي جهة كانت (وربما يكون هذا اللون من الكتابة لغرضٍ ما أو لا يخلو من النفاق كما يبدو للبعض !!!) ورغم جدلية هذا الموضوع ، إلا أن \"هذا البعض\" من الأخوة يُعلّقون أو يكتبون مداخلات بطريقةٍ مُطلقة كذلك (Absolutly) لا تخلو من القسوة على نفسية الكاتب الذي أقحم نفسه بالكتابة في موضوع يمتاز بالجدلية ، وعن هذا يترتّب جدل عقيم ومعارك جانبية وإسقاطات وتنفيسات قهرية بين الكاتب و\"الفئة الباغية المريضة \" من بعض المعلّقين.
ولو عُدنا إلى أطُرِنا المرجعية ابتداء بالقرآن الكريم مرورا بالسُّنة الشريفة والاجتهاد والقياس والاستحسان والمصالح المُرسلة وانتهاء بالعادات والتقاليد لرأينا أنّها تشير إلى جملةٍ طيّبة من أصول وأدبيات الحوار من أبسطها :عدم إلغاء رأي الآخر، فكيف بنا ونحن نلغي هذا الآخر جُملةً وتفصيلاً ، فالكاتب الذي يرى أن رأيه هو الصواب \"\"\" فقط\"\"\" مخطئ \"\" جدّاً\"\" والمعلّق \"الباغي\" الذي يتلذّذ ويستمتع بتسفيه رأي الكاتب بأسلوب أو آخر هو مخطئ \"\" جداً جداً\"\"، وهنا أعود فأقول لو احتكمنا إلى أطرنا المرجعية :
أولاً- القرآن الكريم : للاحظنا أن رب العزّة والجلالة حاور خَلْقه بطريقة عجيبة جداً على عقولنا نحن البشر \" ولله المثل الأعلى\" ولاحظ عزيزي القارئ الحوار الآلهي بين الله والملائكة في سورة البقرة :
\"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ*** إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ*** أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)

هل تأمّلت عزيزي القارئ : وجهة نظر الملائكة من احتجاجهم على أن يكون الإنسان خليفة في الأرض ، وإلى الأسلوب الإلهي في الإقناع ( وهو الخالق الرازق ال............الخ) ، أما إبليس الذي أبى واستكبر، كيف كان الرد الآلهي بحقّه ( هل الله سبحانه وتعالى -على قُدرته المُطلقة - ألغى وجوده أو حتّى سفّه رأيه ؟؟؟!!!
أنظر عزيزي القارئ كيف كان الرد الآلهي على إبليس (اللعين المتكبر !!!) :
\"\"قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين\" .
وفي موقع آخر:
\"قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ\"
على كل حال : أخي الكريم حوار قرآني طويل جرى بين رب العزة والشيطان ، ولنواصل هذا الحوار بإيجاز ، فكيف كار ردّ إبليس على سؤال رب العزّة :
\"\"قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ\"\"
يا سلام الله أكبر ، لنتابع الرد الآلهي :

\"\"قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ\"\"
وهنا يستأنف الشيطان الحوار ويطلب من رب العزّة :

\"\"قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17(\"\"
وفي سور الإسراء يقول الله تعالى في معرض ردّه على إبليس :

\"\"وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا \"\".
أيها الأخوة : الحديث طويل عن أدبيات الحوار والجدل في القرآن الكريم .
ثانياً- السنّة النبوية مليئة بالحوار مع كافة أطياف المجتمع :
- مع الكفار : أبو لهب وأبو جهل وغيرهم .
- مع المنافقين : عبدالله بن أبيْ بن أبي سلول (زعيم المنافقين).
- مع اليهود في مواقع كثيرة وارجع أخي الكريم إلى دستور المدينة ونظرته لليهود.
- مع أهل مكة الذين كذّبوه وقاتلوه وآذوه وأخيراً طردوه ، فكيف كان ردّه صلوات الله عليه في فتح مكة حينما سألهم : ماذا تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخٌ كريم وابن أخٍ كريم . فردّ عليهم : أذهبوا فأنتم الطُلقاء .
ثالثاً - دعونا نختصر الحديث ونرددّ القاعدة التربوية : \"تقبّل الآخر كما هو\" .
إذاً أيها الأعزة القراء الكرام : لماذا هذا الإلغاء لبعضنا في الكتابة ، ولماذا هذا التّسفيه لآراء بعضنا ، أعتقد أن في تربية بعضنا خطأ ، أو أنه الحسد المِنْعِند \" حسداً من عند أنفسهم \" ، أو أنه الكِبْر ، أو أنه عُقدة النقص ، أو أنه المرض النفسي (إسقاط ما في مكنونات النفس من حقد أو كراهية على الآخر الناجح) أو أنه المرض الاجتماعي ، أو أنّه .....الخ. أما رأيي بهؤلاء الأشخاص الذين ينتقدون بطريقة غير علمية مبتعدين عن أدنى درجات أدبيات الحوار فأقول : ما أبلغ قوله تعالى بحق كل من يعرف ولكنه يتجاوز هذه المعرفة ليقول العكس ويُخرج ما في مكنونه النفسي ، حيث يقول تعالى\" بل ران على قلوبهم \" ، وصدق من قال : \"\"كلّ إناءٍ بما فيه ينضحُ\"\"، ولْنتجنب \"المدح\" أو\"القدح\" الذي في غير موقعه ، ولْيًعذر بعضنا بعضاً سبيلنا في ذلك قاعدة: تقبّل الآخر كما هو Accept the other as .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات