تربينا منذ نعومة الأظافر الخشنة على السمع والطاعة العمياء (قرود في أوطانها) نسمع ونطيع ولو كان في هلاك الوطن وإذا أبدى اخو همة رأيه (بلا) قالوا كفر وأضاع الحياء والوقار .
تربينا لا نعرف مصطلح الإضراب إلا انه الضرب في غياهب السجون ، فإذا ذكر الإضراب من بعيد تحركت آذان الحيطان تحدث بما لم تسمع الحيطان، تعلمنا انه لولا التشهد لكانت لاؤه نعم في إطار حق يراد به باطل.
اضرب المعلمون فكسروا حاجز الخوف بعد أن كسرت الحكومة حاجز الأدب والاحترام لمن علمهم الحرف وفك عجمة اللسان وبصّر العيون ما خُط وما خُطط ليكون الوطن في مأمن من كل حيف، ولكن وبكل أسف علمناهم الحرف وجاؤوا لنا بالهرف والغل بل باعوا الوطن بثمن بخس ولكني أجزم أن هذه الزمرة لم تتعلم على أيدي معلمي الوطن، هؤلاء تعلموا بالمال الذي صب في أفواه الأرانب. تعلموا في مدارس لا تعرف أبناء الفقراء والجباه السمراء، تعلموا في مدارس نبلاء الأردن بحذف النون.
اضرب المعلمون فعلموا طلابهم وكل حر شريف. أن الإضراب من أجل الحق ومكسب للوطن فمن أضاع حقه أضاع الوطن ومن يسرق الآخرين حقهم يسرق حق الوطن.
بدأ المعلمون إضرابهم من أجل كرامتهم . وكرامة الوطن من كرامتهم، والكل مدعو إلى أن يراجع نفسه في معيار الكرامة بعيدا عن الفزعة والتهويش ورقص العميان.
الإضراب من أجل الحق المعيشي ليس ضد الوطن فالمعلم والطبيب والمهندس والممرض والعامل في أي قطاع إن أنصف ماديا أنصف الوطن لأنه ينفق ما بجيبه في وطنه أما اللصوص فينفقونها خارج الوطن ويكنزونها خارج الوطن.

اضرب المعلمون لأن في تحسين أوضاعهم تحسين لوضع التعليم المتردي (ولو لم يكن التعليم مترديا لما درس أبناء اللصوص في المدارس الخاصة واعني منهم من سرق وتآمر ليس غير) فتحسين الوضع المادي يعني مدخلات جيدة ونتاج جيدة إذ ستلغى عن التعليم مقولة انه مهنة من لا مهنة له ويُقبل عليه المتميزون ويتبدل حاله عوضا من حاله الآن فلا يقبل عليه إلا من تقطعت به سبل الوظائف السيادية الإدارية والمادية ومن لا حظ له من وساطة أو سلطان ولا يدرس المهن التعليمية إلا من قعدت به همته ونتيجة ذلك تعليم هزيل لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، لقد مكثت الحكومات ردحا من الزمن ولا زالت ترى التعليم وظيفة من لا حظ له ... فوظيفة المعلم نفي وإقصاء لمن لا ترغبه الدولة حتى فسد الذوق العام وعزف المجتمع عن مهنة التعليم.
الإضراب يعني ان المعلم يرفض الذل والتلويح بالعصا فقد بدأ أولا انتصارا للكرامة التي انتهكت من وزير التربية والتعليم ثم من دولة رئيس الوزراء فالإضراب درس للطلاب في الكرامة والتمرد على الطغيان بعد طول صبر على وعود خادعة وتعريض بالمعلم مسموم.
المعلم حقيقة لم ينقطع عن درسه فالإضراب من أجل الحق درس لا ينسى لدى جيل كامل ومن قيمة الدرس طول المدة المستغرقة له. فالطلاب والأهل والمجتمع كله الآن يناقش لماذا الإضراب وما أسبابه منذ البداية وهل الحكومة جادة أم مخادعة ولماذا لا تعطيهم حقهم وأين تذهب الأموال ولماذا يسرق فلان ملايين ولا يحاسب لماذا ولماذا؟ تنفتح كل الأسئلة وكل ذلك في مصلحة الوطن سواء من فكر سلبا أم إيجابا. وهذا باب لا تريده الحكومات وعميت عن سده ، فعندما يقع القدر يعمى البصر
الإضراب يعني ان المعلم يريد دوره الفاعل في البناء الحضاري ، فأي حضارة لا بد لها من المعلمين ونحن نرى الدول المتقدمة تعالج الخلل الحضاري والتطوري بالعودة إلى التعليم والبحث فيه عن مواطن الضعف لسد الخلل وإصلاحه للمضي قدما ، ولأن التعليم عنوان سيادة الأمة وتقدمها وجدنا اليابان عندما وقعت الاستسلام مع أمريكيا اشترطت أن يبقى التعليم والقضاء بيدها حرا من السيطرة الأمريكية، ومستشارة ألمانيا (ميركل) ردت على القضاة المطالبين بمساواة رواتبهم بالمعلمين قائلة : أتريدون أن أساويكم بمن علمكم.
الإضراب يعني ان التعليم لأبناء الفقراء يجب أن يتحسن لأن الذوات الفاسدة تعلم أبناءها في المدارس الخاصة وخارج الأردن وقيل على حساب الدولة ويدفعون مقابل الفصل الواحد في بعض المدارس الخاصة 5000 دينار للطالب الواحد في العام ولم أصدق من قال في الفصل الواحد.
والمعلم في هذه المدارس المتميزة - حتى في سرقة الاختبارات التي تنتج المسؤولين المحصنين - يتقاضى خمسة أضعاف راتب المعلم في المدارس الحكومية لأنهم أي علية القوم من نكهة خاصة يدركون مصلحة أبنائهم فيدفعون للمعلمين في مدارس النخبة بلا حساب وعلى حساب أبنائنا ولا يعنيهم الإضراب فالمدارس الخاصة على رأس عملها . ولا يعنيهم 95% من أبناء الوطن لأنهم يجب أن لا يعلموا علمهم، ونحن نرفض منهجهم وحتى يبقى أكثر أبناء المجتمع مغيبين عما يحاك بالوطن يعمد المسؤولون في وطني إلى أضعاف التعليم بإضعاف المعلم لأنه حجر الزاوية وقاعدة الانطلاق والإطلاق فإن أخذ المعلم مكانه ووضعه أقبلت على التعليم نوعية متميزة ولا يعود التعليم مهنة من لا مهنة له وينحتون من صمّ الحجارة علما . إلا إن التعليم السليم في جميع جوانبه يعني انكشاف وكر الفاسدين وهذا ما لا يريدون


محمود الهواوشه