لوحظ مؤخرا تزايد حالات الاضراب واستخدام الوسائل القسرية لتحقيق المطالب سواء كانت مطالب بحقوق عماليه ام خدمية ام سياسية ولاهمية هذا الامر في حياتنا اليومية فانني اعتقد انه من الضروري ان يفهم كل منا الاسباب والاليات التي تتبع على الاغلب في الدول وفي التنظيمات النقابيه وغير النقابية التي تعمل على رعاية حقوق الفئات التي تنتسب لها من خلال استخدام الوسائل مختلفه ، فما نشاهده في ايامنا هذه في عالمنا العربي وخاصة بعد ما يسمى بالربيع العربي من انتشار واسع للاحتجاجات والاضرابات والاعتصامات التي تهدف الى تحقيق المكتسبات او استعادة الحقوق التي قد تكون قد سلبت في الماضي ، ولاهمية هذا الموضوع فانني اعتقد انه من الضروري ان نفهم وبشكل عام ماهية الاضراب واسباب اللجوء اليه او اللجوء لباقي الوسائل القسرية التي تتبع لتحصيل او استعادة الحقوق المختلفه او الحصول على المزيد من المكتسبات والامتيازات طالما كانت الفرصة متاحة لذلك.
فتعتبر الاضرابات بشكل عام والتي منها الاضرابات العمالية (وهنا لا بد من الاشارة الى ان قوانيين العمل بشكل عام عرفت العامل بانه كل شخص يعمل تحت امرة صاحب عمل ويتقاضى اجر ) ، اي ان الموظف هو في النهاية عامل مهما بلغت درجته لانه يعمل لدى صاحب عمل وهي الحكومة ويتقاضى منها اجر مقابل عمله ، الا انه في بعض الدول يتم الفصل بين العمال والموظفين بحيث يتم استثنائهم من تطبيق احكام قوانيين العمل واخضاعهم لانظمة وقوانيين خاصة كما هو معمول به في الاردن حيث يخضع موظفي وعمال القطاع العام بشقيه المدني والعسكري الى قوانين وانظمة خاصة بحيث لا تنطبق عليهم التشريعات العمالية وهي قوانين العمل والانظمة الصادرة بموجبه والتي تحدد الفئات التي تطبق عليها تلك القوانيين .
فالاضرابات العماليه هي عبارة عن وسيلة من الوسائل القسرية التي تهدف الى ارغام الحكومات او الشركات او اصحاب الاعمال الى تحقيق مطلب او مجموعة من المطالب والحقوق التي ترتبط على الاغلب بتحسين الاجور والرواتب او تحسين ظروف وشروط العمل للعاملين سواء كانوا يعملون في شركة معينه ام في قطاع معين ام على مستوى البلد او اي مستوى آخر ، وتختلف الوسائل القسرية التي تتبع حسب طبيعة تطور النزاع او المزاج العام الذي يسيطر على الناس في هذا البلد او ذاك ، فهناك الاعتصام الذي يكون لفترات محددة او مفتوحه وهناك التوقف عن العمل لساعات محددة وغيرها من الوسائل الاخرى ، حيث تحرص عادة قيادات التنظيمات النقابية او ممثلي العمال والموظفين على ابطاء عجلة الانتاج بشكل تدريجي للابقاء على سير العمل ولكن بشكل بطيئ نسبياً وذلك لتجنب التسبب بالضرر الذي قد يلحق بالاخرين ، مع ضرورة ابقاء خطوط الاتصال مفتوحه بشكل او باخر مع الاطراف المعنية ، ايضا هناك ضرورة لابداء شكل من اشكال المرونه للتعامل مع الطروحات التي قد تبرز وعدم التعنت حتى لا يبدوا انه طرفا خاسراً في نهاية المطاف فيما لو حقق نسبة كبيرة من مطالبه.
ويلجأ الموظفون او العمال حسب التسمية المتبعة في كل بلد الى الوسائل القسرية لتحقيق مطالب جماعية تتعلق بالحقوق والمكتسبات العمالية سواء اكانت حقوق اضافية جديدة ام حقوق كانت قد سلبت في الماضي لاسباب تتعلق بالظروف السياسية وبموازين القوى أو بقدرة وامكانية العمال والموظفين على الضغط والتاثير على اصحاب الاعمال او الشركات او حتى الحكومات في بعض الدول ، لارغامهم على اعطائهم حقوقهم التي يعتقدون انهم حرموا منها ، فمعظم التجارب العالمية في هذا المجال تشير الى انه لا يفضل اللجوء الى الاضراب مباشرة لان الاصل في السعي لتحقيق المطالب بشتى اشكالها سواء كانت مسلوبه في الماضي ام مطالب لتحسين شروط وضروف العمل ومستويات الرواتب والامتيازات التي يسعى كل عامل او موظف للحصول عليها والتي عادة ما تاتي بشكل تراكمي على مدى سنوات وليس مرةً واحدة او دفعة واحدة ، ولانه وحسب تلك التجارب لا يمكن لاي شركة او حكومة تلبية الطلبات والرغبات للعمال او الموظفين أو لاي جهة كانت لان ذلك قد يفوق قدرتها المالية ويؤثر على مستوى الاداء فيها ، فعلى الاغلب يتم تحقيق هذه المطالب بشكل تدريجي تراكمي الذي ربما يتحقق من خلال الاليات التالية :-
مرحلة التفاوض المباشر من خلال العمال او ممثليهم مع ادارات الشركات او اصحاب العمل او من يمثلهم بهدف التوصل الى اتفاق جماعي يرضي الطرفين ويحقق لهم مصالحهم ويضمن استمرار اداء العمل وعجلة الانتاج ، وهنا لا بد من الاعتراف بحق العمال في المطالبه بحقوقهم وان يكون لهم من يمثلهم سواء كان ذلك من خلال لجان نقابية او من خلال دارات النقابات المنتخبه.
اما في حال لم تتوصل هذه المفاوضات الى اتفاق يرضي الطرفين يصبح من الضروري تدخل وسيط وغالبا ما يكون جهه حكومية وذلك لحث الطرفين على التوصل الى الاتفاق الذي يحقق مصالح كل طرف.
كذلك اذا فشلت مرحلة التفاوض غير المباشر فقد يلجا العمال او الموظفين الى الاعلان عن نية الاضراب وقد حددتها القوانيين في العالم بضرورة اعطاء مهلة قد تكون اربعة عشر يوما اذا كانت طبيعة العمل لا ترتبط باحد المصالح العامة كالنقل والمواصلات وانتاج الاغذية والتعليم وغيرها ، اما اذا كانت طبيعة عمل الجهه التي ستنفذ الاضراب مرتبطة بأداء القطاعات او الصناعات المرتبطه بمصالح عامة فيتوجب على الجهه المسؤلة عن الاضراب اعطاء مهلة 28 يوم بحد ادنى قبل الشروع بتنفيذ الاضراب.
ولان الاضراب هو وسيله لا غاية فيتوجب ان تتوفر حسن النية لدى الطرف الذي ينوي الاضراب كأن يكون منفتحا على كافة الجهود التي تتدخل بهدف التوسط لحل المشكلة والعمل على توقيع اتفاق يحقق درجة معينه من الرضى لدى الطرفين ويحقق مصالحهما ، وهنا وفيما يخص اللذين تنطبق عليهم قوانيين العمل يتوجب في هذه الحالة ان تتدخل الجهه الحكومية لحل النزاع العمالي من خلال ما يسمى بمندوب التوفيق وهو عبارة عن موظف يتبع على الاغلب ادارات العمل الذي يتوجب عليه بذل كل ما في وسعه لحل النزاع والتوصل الى توقيع اتفاق جماعي يرضي كافة الاطراف وتكون على الاغلب مدة عمله حوالي 21 يوم فقط.
فاذا فشل مندوب التوفيق في التوصل الى حل توافقي فيتم بعدها احالة النزاع الى مجلس توفيق الذي يشكل من قبل ادارة العمل من رئيس محايد لا يرتبط باي من الطرفين او ليس لديه مصلحه في تغليب وجهة نظر على الاخرى ومن المشهود لهم بالحيادية والنزاهه بالاضافة الى ممثلين عن العمال وكذلك ممثلين عن اصحاب العمل او ادارات الشركات ، بحيث يقوم هذا المجلس ورئيسه بمهمة بحث حل اسباب النزاع والعمل على تلبة مطالب كل طرف ومحاولة التوصل الى نقطة معينه بين الطرفين بحيث لا يخرج احدهما غالب والاخر مغلوب لان ذلك سيؤثر على تطبيق الاتفاق وستكون هناك محاولات لاثارة الاشكالات بين الحين والاخر من قبل الطرف اللذي قد يشعر بالغبن والذي ربما يكون بسبب ضغوط معينه مورست عليه اثناء عملية التفاوض او ان موقفه التفاوضي كان ضعيفاً ، ومن الجدير بالذكر ان قرارات هذا المجلس تكون ملزمة وهو بمثابة مجلس تحكيم ، ويتوجب على المجلس انهاء مهمته خلال 21 يوم من تاريخ احالة النزاع عليه.
اما في حال فشل مجلس التوفيق في التوصل الى اتفاق جماعي يرضي الطرفين فيتوجب على ادارة العمل او الجهه الرسمية المعنية تحويل النزاع الى ما يسمى بالمحكمة العمالية والتي تشكل من قضاة عدول من مستوى متقدم في السلك القضائي يتم انتدابهم من قبل المجلس القضائي بحيث تتالف هذه المحكمة من رئيس وعضوين اثنين على الاغلب، وتتم عملية التقاضي امام هذه المحكمة بالشكل المتبع في قضاء البلد الذي تتم فيه العملية ويحق لكل طرف توكيل محام او اكثر للدفاع عن وجهة نظرة ، وكذلك يحق لكل طرف عرض البينات التي تدعم مطالبه ، وطلب الشهود وغير ذلك من الادلة والبيانات اللازمة ، وتكون ايضا مدة المحاكمة محددة بشهر على الاغلب ويجوز تمديها اذا اقتضت الضرورة ، وتكون احكامها ملزمة للطرفين ولا يجوز الطعن في قرارات هذه المحكمة امام محاكم الاستئناف او التمييز اي ان هذه المحكمة هي عبارة عن محكمة تحكيم يتوجب على الطرفين الالتزام بالحكم الصادر عن هذه المحكمة وتكون مدة تطبيق القرار سنتين على الاغلب او كما يرد في نص القرار وحسب طبيعة النزاع ، وتكون قرارات هذه المحاكم منصفة على الاغلب للطرفين حيث يتم الاخذ بعين الاعتبار الاوضاع المالية والمادية للشركة او صاحب العمل بشكل يمكن من الاستمرار في عملية الانتاج التي تعتبر اساس عملية التشغيل وخلق فرص العمل التي يعمل بها العمال والموظفين فلولاها لما كانت هناك فرص عمل ولاتشغيل
اما في المقابل فبعض القوانيين اجازت لصاحب العمل او ادارات الشركات الحق في اتخاذ اجراءات قسرية اخرى في المقابل لمواجهة مطالب واضراب العمال مثل التوقف عن العمل بشكل جزئي او نهائي او اغلاق المنشأة بشكل جزئي او نهائي الامر الذي قد يفقد العمال لوظائفهم ويجعلهم يخسرون وظائفهم بدلا من قبول ما هو ممكن بالنسبة لصاحب العمل ، ولذلك فان اللذين مارسو تنفيذ الاضرابات في تاريخهم العملي دائما ما يقبلون بحلول وسط او حلول مرحليه تهدف في نهاية المطاف الى تحقيق مطالبهم المتمثله بالحصول على الاجور والرواتب المجزيه وتحسين شروط وظروف العمل بحيث ينعكس ذلك على انتمائهم لعملهم وزيادة انتاجيتهم الامر الذي حتما سينعكس على ارتقاء المؤسسات التي يعملون بها الى ان يصبح الموظف العامل فخوراً بانتمائه الى هذه المؤسسة او تلك ، وفي الختام لا بد من الاشارة الى ان تنفيذ الاضرابات غالبا ما يكون في جانب منه يهدف الى تحقيق مصالح شخصية لبعض الجهات وكذلك بعض القائمين على تلك الاضرابات اكثر من الغايه التي من اجلها تم اللجوء الى الاضراب بحد ذاته ، ولذلك لا بد من اخذ الحيطة والحذر لتفويت الفرصة على هؤلاء من تحقيق مآربهم الخاصة .


مدير الاعلام والاتصال / وزارة العمل