حكومة راسبة تحصيلياً


من أبسط واجبات أية حكومة أن تسارع للبحث عن حلول لأية مشكلة أو أزمة، ولكن يبدو أن حكومتنا الرشيدة -زادها الله نوماً وشخيراً- لا ترى في إضراب المعلمين مشكلة تستحق أن توليها الاهتمام اللازم، وتشكيل خلية طوارئ وزارية تكون في حالة انعقاد دائم؛ لمتابعة التطورات والحوار مع جميع الأطراف، والبحث عن حلول. ولو افترضنا أن 50 ألف معلم فقط أضربوا فإن هذه مشكلة وطنية تستوجب أن لا ينام رئيس الحكومة الليل هو وفريقه إلا بعد أن يجد لها الحل المناسب، ولكن الرئيس وفريقه لم يبحثوا عن حل توافقي، بل زادوا المشكلة تعقيداً بتصريحات غير مسؤولة لا تصدر عن رجال دولة محترفين، فالرئيس يهدد تلميحاً، ويؤنب مجلس النواب على التوسط، ووزير التربية يهدد بإنزال الجيش والأمن والدرك في المدارس بدلاً من المعلمين، ووزير الشباب يوظف الدين ويستثير المشاعر الدينية والعواطف لفك الإضراب في تجاوز واضح لصلاحياته، ووزير القطاع العام يستغرب أن يطالب المعلمون بعلاوات مجرماً محاولتهم المساواة بالمهندسين، ووزير المالية يقول: علاوة 100% مستحيلة!
هذه تصريحات لا تصدر عن حكومة تبحث عن حل أو تنوي الحل، وبدلاً من أن تصمت على الأقل عجزاً وتسليماً انتظاراً لأمر الله، تُصرُّ على تأزيم الأمور واستفزاز المعلمين بشكل سافر، وتضرب بعرض الحائط اتفاقهم المبدئي مع مجلس النواب، وعوضاً عن شكر المجلس على جهوده ومحاولته نراها تعيب عليه أن يتوسط، في تصعيد غير مفهوم ولا ندري ماذا يريد الرئيس، وإلام يجر البلاد؟!
يتحدث الرئيس أنه لا يبحث عن شعبيات، ومن باب المقابلة نستنتج أنه يحرص على استعداء الشعب عبر عجز حكومته عن إدارة الأزمات، وخاصة أزمة إضراب المعلمين التي تهدد بمزيد من التوتر إن لم يسارع العقلاء لاحتواء الأزمة.
ويسجل على الحكومة أيضاً أنها عملت على تجييش الشارع وأولياء الأمور ووسائل الإعلام على المعلمين وشيطنة حراكهم عبر نشر أرقام مبالغ فيها عن رواتبهم، والتقليل من نسب الإضراب، ونشر الأخبار الملفقة المبتورة حول مواقفهم وتصريحاتهم، ودعوة الطلبة للعودة إلى المدارس رغم معرفتها أن الإضراب ما زال مستمراً (وآخرها بيان تحريضي صدر مساء الاثنين)، في محاولة رخيصة ومدانة للوقيعة بين المعلمين وأولياء الأمور، وقد نجحت الحكومة وأدواتها في خداع البعض، مما نتج عنه بعض الحوادث المؤسفة هنا وهناك، تتحمل مسؤوليتها هذه الحكومة التي تخلت عن مهماتها الأساسية، وتفرغت لمحاربة المعلمين وتأليب الرأي العام ضدهم، ويا ليتها فعلت ذلك مع عدو واضح مكشوف، أو مع رموز الفساد.
يا دولة الرئيس... ليس عيباً أن تعلن عجزك وفشل حكومتك في التعامل مع إضراب المعلمين، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، ولكن المؤسف أن لا نجد منك إلا التلكؤ والمرارة المفقوعة وأنت تجر البلد إلى منعطف خطر من خلال تهتك النسيج الاجتماعي بتحريض الأهالي على المعلمين، وإقحام الجيش في مشكلة مدنية مهنية صرفة. وإن أي إطالة لأمد الإضراب الذي دخل أسبوعه الثاني، يهدد بتفاقم المشكلة وما يترتب عليها من مضاعفات خطيرة لا تحمد عقباها. إن المشكلة قائمة وخطيرة وعلى الحكومة أن تعالجها بشكل سريع وأن تجد لها حلاً جذرياً؛ قياماً بسمؤلياتها ووظيفتها والأمانة الملقاة على عاتقها.
ولكن يبدو إن الحكومة فقدت مبرر وجوها، ولا تستطيع أن تقوم بدورها المأمول، وإن أصرت على موقفها المتشدد تجاه حراك المعلمين، فإنها تحكم على نفسها بالسقوط القريب العاجل، لأنها تحارب فئة مهنية ليس لديها ما تخسره، فئة تناضل لاستراد كرامتها أولاً وأخيراً التي مسها السوء من حكومة لم تراعي فيها إلا ولا ذمة، حكومة تتعامل مع المعلمين كأنهم عبيد لا رأي ولا حقوق ولا كرامة لهم، حكومة مارست أبشع أنواع السرقة، فسرقت رواتب المعلمين ومنحته لغيرهم بحجة عجز الميزانية، التي تشح عندما يطالب المعلمون بحقوقهم، ويصيبها إسهال الكرم لمشاريع شكلية، وانفاق باذخ، ورواتب فلكية، ومصروفات لا سقوف لها!
المعلمون ليسوا فئة هامشية يا دولة الرئيس، وهم أحرص الناس على هذا الوطن الذي نحب، وهم الأكثر إخلاصاً وولاءً وإنتماءً ووطنية، لا يزاود عليهم أحد، وقد قدموا كثيراً من التنازلات دون أن يجدوا من حكومتك إلا التطنيش والإساءة وتجييش الرأي العام ضدهم، وشيطنة حراكهم. المعلمون يا دولة الرئيس يستغربون تصرفاتكم العبثية، ويأسفون أن تصل الأمور بكم إلى هذه الدرجة من تسطيح المشكلة وإهمالها، كأن الأمر لا يعنيكم ولا يعني الأردن من قريب أو بعيد، وثق يا دولة الرئيس –الذي خُدعنا به ذات يوم- أن المعلمين هم صمام الأمام عندما تتأزم الأمور، وسيكونون عند حسن ظن المخلصين عندما يتخلى أصحاب الولاية العامة عن ولايتهم ومسؤولياتهم، وأنهم لن يخذلوا الوطن يوماً، فهذا عهد الرجال الرجال عندما تخيب الآمال ويصيب العقول الكلال.
يا دولة الرئيس ... الوطن لا يتحمل مغامرات طائشة، وبطولات زائقة، وإدعاء هيبة لا تمارس إلا على أبناء الوطن الأباة المخلصين، وتغيب عند التعامل مع الفاسدين. ولن تحل المشاكل والأزمات بفنون التطنيش والتأزيم والاستفزاز، فالحر –وكلنا أحرار- قد نسكت على جوع وفقر، ولكننا لا نسكت عندما تمس كرامتنا من قريب أو بعيد، وقضيتنا معك يا دولة الرئيس هي قضية كرامة لا قضية علاوات، فلا أقل من استقالتك وحكومتك، فقد تطاولت وبعض فريقك على معلميكم، وإكراماً لجهود أهل الخير وتقديراً لهم، وتأكيداً على نقاء سريرة المعلمين ونظافة أيديهم وطهارة قلوبهم وأصالتهم، قرر المعلمون أن يسامحوك وفريقك على الإساءة الفاحشة بحقهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يتهاونوا في نتيجتك التحصيلية، لأثرها في مستقبل الوطن، فقد فشلت وفريقك في معظم المواد الدراسية، وخاصة الحساب واللغة العربية والدين والتاريخ، وعليه قرر المعلمون أن تكون نتيجتك النهائية (راسب)!
mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

عنبوط
الراسب بعيد صفّه

يعني الحكومة باقية

لولولولولولوليش
14-02-2012 01:50 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات