سوريا أزمة أم مؤامرة


أقولها صراحة ، ليس على سبيل المزايدة أو التنظير ، لا يوجد عربي واحد لا يحب سوريا والسوريين ، وما يحصل اليوم في سوريا أمر موجع لكل الأطراف . وأمر بحاجة إلى معالجة جذرية حتى تستقيم الأمور جميعها ، وهذا ذاته قد شكل من الأمة العربية حكومات وشعوبا خنادق مختلفة الأحجام والأشكال ، حتى باتت هذه الأمة مجموعات في تجمعها ، و تعددت فيها الاجتهادات والآراء حتى وصل الأمر إلى المصادمات في القول، والفعل ، وإلى التخوين، والتخوين المضاد ، فلم يعد بيننا من لم تصبه شائبة الخيانة ،سواء أكان مع النظام أو ضده، أو مع المعارضة أو ضدها ، وأصبحنا في حالة ليس من السهل أن نجتمع على أمر واحد، ولغة واحدة، وهدف واحد، بعد أن تعددت اللغات والأهداف، وسارت بها السبل سير العشوائية، والتخبط ، فما لنا والحال كذلك إلا أن نقف، ونعيد قراءة أوراقنا من جديد ، وقراءات المعطيات الحقيقية، على واقع الحال ذاته وأصبحنا في حاجة إلى تحديد هوية هذا الأمر الذي فرقنا، هل هو مؤامرة أم أزمة ؟، ولكل حالة معطياتها وطرق قراءتها ومعالجتها .
في البداية لابد لنا من تحديد المفهومين – أزمة ومؤامرة – كمعطى من معطيات الواقع بعيدا عن شطحات الرغبات المتولدة داخلنا ، فالأزمة في مفهومها العام هي خلل داخلي في القيادة يؤدي إلى فساد ينعكس على المجتمع بأسره سلبا، أما المؤامرة فهو سلوك داخلي فرضه واقع الأزمة يغذيه أو يستغله أصحاب المصالح الخارجية لإدارة الأزمة وتدويرها، بدلا من حلها والخروج منها ، ولو بقي السلوك داخلي لما كنا نستطيع أن تقول عنه مؤامرة.، بل هو انتفاضة شعب تسعى إلى تصحيح مسار القيادة ، والأخذ بيدها من أجل الإصلاح .
ما يحدث في سوريا اليوم كان سببه الأساسي هو أزمة نتجت عن خلل وفساد في القيادة والإدارة ، وعدم القدرة على احتواء الأزمة، أو عدم الرغبة في الخروج منها، أدى إلى ثورة الشعب البريئة والحقيقية للمساهمة في الخروج من الأزمة وإصلاح ما يمكن إصلاحه ، وهذا ما لمسناه في بداية الأمر في درعا وبعض المدن السورية ، إنها رغبة الشعب الذي ناله الكثير من خلل القيادة ،وعانى الكثير من فساد المتسلطين، فقام ليقول كلمته أعزلا إلا من حنجرة يصيح بها ، نريد كرامتنا، وعند ارتفاع حده هذا الصوت لم تستغ القيادة سماعه ، بل حاولت قمعه وإسكاته ، ولم تفكر في محاورته وتلبية بعض رغباته، ولو فعلت ذلك لجنبت نفسها وشعبها ما هي فيه الآن، وهذا الصوت أخذ يعلو أكثر فأكثر ، ولا مجيب ، حتى سمع به أصحاب المصالح الأخرى – عرب وأجانب - وهم الذين في النهاية لا يفكرون في مصلحه الشعب وفي رغباته، ويسعون إلى مواجهة القيادة ، وقد وجدوها فرصة ثمينة بمشاركة الشعب هدفه ، فقد توحد هدف الاثنين الشعب يريد مقاومة فساد القيادة ، ويرغب بالإصلاح .. ،والمؤامرة الخارجية تريد تغيير أو تلقين القيادة درسا لتنفيذ رغباتها ، وترغب في بلبلة الأمور ، وخلط الأوراق ، وإشاعة الفوضى ، وهي بالتالي أكثر بشاعة من فساد القيادة ذاتها ، إنها مؤامرة على شعب ، ومقدراته ، وعلى تاريخ حضارته ، ومع دخول أطراف المؤامرة إلى صلب الأزمة ، ودعم العنف ، أصبح الشعب العربي يدرك حجم المؤامرة ، بغض النظر على من أنتجها، وبالتالي تشوهت انتفاضة شعبنا ، أنها مؤامرة حقيقة لا نستطيع الدفاع عنها كما لم نستطع الدفاع عن فساد القيادة.
لا أريد الخوض في تفاصيل الأزمة أو المؤامرة ، لكنني أقول: إن مفاتيح حل الأزمة تختلف عن مفاتيح التصدي للمؤامرة ، إن الأزمة يمكن حلها بالحوار مع جميع الأطراف أما المؤامرة فلا سبيل لها سوى المواجهة القتالية ، والتي سوف يدفع ثمنها فقط الشعب السوري ، بعيدا عن القيادة وعن المتآمرين ، إنها مواجهة نارية بين جميع المتآمرين ، وبين القيادة وقودها الشعب ، ونتمنى أن تعي القيادة دورها الوطني وتبدأ بالحوار لتقف هي وشعبها ضد المؤامرة حمى الله سوريا والسوريين.



تعليقات القراء

علي القضاه
دائما رائع استاذ يسار والى الامام
14-02-2012 12:13 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات