بين الإضراب والإضرام .. !!


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على معلم الناس الخير والمبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
وبعد
يقول الله تعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ سورة ق الآية18 ]

إن مما ابتلينا به اليوم أن تصدر للحديث- إن أحسنا الظن - من لا يحسنون الصنعة ولا يصنعون الحسن ؛ أناس قد شغلهم حب الكلام فحسب ، فلا يرقبون في الحق ذمة ويرتقون الصعب ، ولا يخشون في قول الباطل لوم لائم ولا دعوة مظلوم على ظالم .
حسبكم .. فلست - والله تعالى حسبي - أتشدق بالكلام أو أبتغي الثناء في المقام ، ولكنها البلايا إن أقبلت على بيت قلبت من فيه شاعراً أو خطيباً ، وأطلقت اللسان فلا غيره يملك ولا طريق سوى الشكوى لخالقه يسلك .
لقد تجرع العاقل مرارة الدهشة في الأيام القليلة التي خلت وهو يتتبع أخبار قضية شغلت الصغير قبل الكبير ، واهتم لها القاصي والداني ، كيف لا وهي قضية متعلقة بعصب الأمة وقلبها ووجها وقالبها ، لا تخلو حضارة من آثاره ولا حكاية الرقي من أخباره ؛ إنه العلم والتعليم ذلك الكائن العظيم .
أقول : تجرع العاقل المرارة وهو يقرأ ما خط وكتب ؛ ويرى ما خطط له ونصب ، ويسمع ما قيل في ( إضراب المعلمين عن التدريس والكتب ) ، انبرت الأقلام المسمومة المحمومة وراحت تطعن في المعلم ؛ فمن مستهزئ يعلق على خبر أو مقال ، إلى جاهل لا يعي ما قال أو كاتب للزور والكذب واضع ونقال ، عجباً !! ليس ثمة سوى نزر يسير من الأقلام حبرها العدل الإنصاف بأيد ٍ بيضاء لم تخالط الجور والإجحاف .
فكان ماذا ؟
عبثاً – قل – حاول البعض أن يظهر المعلمين عبيداً للمال وأهدافهم مادية بحتة ولا يكترثون لما سواه ، وهي محاولة يائسة بائسة ، وفساد هذا المذهب يغني عن إفساده ؛ فإن المعلم طالما رزح تحت وطأة ضيق العيش وقلة ذات اليد لكنه ظل صابراً مرابطاً في خندق عظيم لا يدرك ضيقه إلا مجرب خبير أو قريب منه ولخفاياه بصير .
لكن الخطب الجسيم أن قد طلت رؤوس محشوة بحجارة الجهل القاسية ؛ تدفعها رياح الحقد العاتية راحت تنسج على منوال المزايدات الخاوية والوطنية الجوفاء الفارغة من الصدق فتسلطوا على المعلم ليلبسوه ثوباً أسوداً يراه الناس فيه ( شيطان الفتنة ) و( مارد التخريب والفوضى ) و ( ثعلب التملص من تغليب المصلحة الوطنية ) .. ساء ما يدعون وله يروجون .
نعم .. المعلمون أضربوا ، لكنهم ما أضرموا نار الفتنة ولن يفعلوا ، ولكن أولئك الذين اعتلوا منابر التشكيك في النوايا والمقاصد وتأليب العوام على المعلم ، زادهم المزايدات وبضاعتهم التضليل ، ما كانوا عن الحقيقة منقبين ، ولا للعدل متبعين ، ولو فعلوا لوجدوا خيراً كثيراً ، ولكانوا للظلم متقين .
نعم .. المعلمون أضربوا ، لكنهم ما أضرموا نار العداوة مع المجتمع ولن يفعلوا ، ولكن أولئك الذين امتدت أياديهم لضرب معلم وأطلقوا ألسنتهم بالتهديد والوعيد والسب والشتم والتنديد .
نعم .. المعلمون أضربوا ، لكنهم ما أضرموا نار الفوضى والتخريب ولن يفعلوا ، ولكن أولئك الذين اقترحوا طرد المعلمين وتأنيبهم ، واخترعوا وسائل تخويفهم وتأديبهم .
نعم ..المعلمون أضربوا ، فهل عرفتم لهم حقاً من قبل والآن ؟ وهل رأيتم ما طالهم من ظلم وبهتان ؟ فإن لا .. فلا أقل مما أمر الله تعالى به من العدل والإنصاف وإن لا .. فكف اللسان ذاك أسلم ، قال نبينا صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ما كنت مع وسيلة الإضراب في ( دفع الظلم ) يوماً ، لا أقول ذلك كمعلم - مع حقي في هذا - ؛ ولا موافقة لفتوى صدرت من هنا أو هناك – مع إذعاني وخضوعي لحكم الشريعة في أية مسألة - ، ولكن لاعتبارات كثيرة لا يتسع المقام لتوضيحها ، منها ما يحصل في هذه المحنة وأشرت إليه من قريب ، وأيضاً استغلال جماعات حزبية للأزمة في تحقيق مكاسب ذاتية بذريعة ( نصرة المعلم ) وهذا توقعه البعض من قبل وبرأي قد وقع ، وكذا – وهو الأهم - غياب المرجعية الفكرية والخلقية ، والعقلية الجلية النقية التي تحكم الدوافع والمقاصد والنيات ؛ فيكثر الاختلاف ويندر الوئام والائتلاف ، وإنك لترى اليوم _ لذا _ هوى متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، وفي هذا من الشر ما الله به عليم ، فما علينا ؟ .
إنها سحابة صيف سوداء و- بإذن الله - تنكشف ، فليحرص العاقل على أن تكون مفاتيح الخير على يديه ، وليلزم سبيل الإخلاص -في القول والعمل - لله ، و تغليب مقاصد الدين وأحكامه وإن خالفت هواه ، ولا يبتغي بكلمته جاهاً أو عرضاً أو شهرة ، وما أحوجنا لنبذ روح المخاصمة وبغض الجدل و المراء ، وهجر الغلظة في الخطاب ففيها السم والداء .
وأما المعلم .. فاعرفوا له قدره فإنه لأبنائكم يصون ، وحافظوا علي هيبته ، فكما يكون تكونون ، الخير والبركة فيكم من توقيره ، والمصائب والبلايا عليكم من تحقيره ، وعليه مثل الذي له من الحق وإن ظلم ؛ فإن رسالته عظيمة وأجره على من بيده مقاليد كل شيء ؛ ويقدر ما شاء بحكمته .
والحق أحق أن يتبع ؛ فاسلك طريق الخير ولا تستوحش قلة السائرين ، وإياك وطرائق الشر ولا يغرنك كثرة السالكين كما قيل ، واستمسك بقوله تعالى : { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [ سورة هود آية 88 ] .
أسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يحفظ بلدنا الأردن من كل شر وسوء وسائر بلاد المسلمين ، وأن يوفق ملك البلاد لكل خير وصلاح ، وأن يرزقه البطانة الصالحة التي تعينه على ذلك ، والحمد لله رب العالمين .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات