المعلمون بين مطرقة الفتوى وسندان الحكومة


الحكومةُ عندنا تُحاولُ أنْ تتحصَّن خلفَ ثقافةٍ تنكَّرتْ خلفَ نصوصٍ دينيةٍ مجتزأةٍ ، وفتاوى مفصَّلةٍ على مقاسِها ، وفقهاءَ قدَّمُوا فقْهَهم ، ليكُونُوا جُزءًا من حرسِ الحكومةِ، لدعم سلطانها وإصباغِ الشرعيةِ والقدسيةِ على قراراتِها .
لقدْ كانَ في تارِيخِنَا عددٌ لا يُستهانُ به (حَجْمًا ومكانةً) مِنْ “علماءِ الدِّين” الذين لَعِبوا دورًا داعمًا للاستبدادِ ، والظلمِ عَبْرَ فرضِهم لقراءةٍ تجزيئيةٍ لنصوصٍ معينةٍ ، انتهتْ إلى ترسيخِ “طاعة وليِّ الأمرِ” دونَ أنْ تُمَّيز في نوعيَّته ، أو تحددَ معاييرَ وليِّ الأمرِ هذا .
إنَّ طاعةَ العلماءِ ، واتَّباعَهم مربوطةٌ بقدرِ التزامِه بالحقِّ ، ودفاعِهم عنه، وبقدرِ ميلِهم عن الحقِّ ، ومجانبَتِهِم إيَّاه ، يكونُ البراءُ مِنْهُمْ ، والعداوةُ لهم ، فذلِك هو المِيزانُ الشرعيُّ الصحيحُ الذي دلَّت عليه النصوصُ ، وتواترَ به عملُ سلفِ هذهِ الأمةِ الصالحِ ، والولاءُ المطلقُ لهم فيما هُمْ عليهِ مِنَ الحقِّ والباطلِ ، هو إخلالٌ بمقتضَى الإيمانِ الذي أوثقُ عراهُ الحبّ في اللهِ والبغضُ فيه.
إنَّ أصحابَ هذهِ المواقفِ،والفتاوى مِمن رَضُوا بأنْ تتمترسَ وَرَاءَهُم الحكومةُ ، وتُدافعَ بِهم عنْ أوضَاعَها الفاسدةِ، أصرُّوا على الوقوفِ معها في خندقٍ واحدٍ.
إنَّ مواقفَ هذهِ الفئةِ من العلماءِ ، وفتاواهم التي خذلوا بها الحقَّ ،ونصروا الباطلَ ،وخانُوا أمانةَ العلمِ ، وميراثَ النبُّوةِ ، هي التي سَتدفَعُ كثيراً مِن أهلِ الحقَّ إلى سحب الثقة منهم، وقطع الأمل فيهم وكان ذلك من أهمِّ أسبابِ سوءِ العلاقةِ بين كثيرٍ ممنْ يُصنفَون في خانةِ العلماءِ من جِهةٍ، وكثيرٍ من العامٍلين للإسلامٍ من جهةٍ أخرى.
إنَّ دائرةَ الإفتاءِ والمصلحَ الاجتماعيَّ الدَّاعيةَ المخلِّصَ الوزيرَ الدكتور محمَّد نوح القضاة مثالٌ صارخٌ كوعَّاظٍ للحكومةٍ شرعنوا لها الظلم والتسلط ، ورأيناهم يمشون خلف سلطان الحكومة ويؤيدونها ويدعمونها فى أزمتِها ومحنتِها أمامَ مطالب المعلمين ،بدلاً من وقوفِهم إلى جانبِ المعلمين المظلومين ،والمقهورين ، والمحرومين من حقوقهم ، إنها بحقًّ فضيحة !!
لقد كانُوا الناطقَ الرسميَّ للجناح الداعمِ لآكلِي الحقوقِ من المؤسسةِ الدينيِّة،واستخدمُوا كلَّ ما يملكونَه مِنْ “معلوماتٍ”-يسمِّيها البعضُ “عِلمٍا” لتجييشِ الناسِ ضدَ مَن لَهُم عليهم حقُّ الفضلِ ، الذي كانَ سببًا للاعتداءِ الجسديِّ على بعضِ المُعَلمِين في مدارسِهم ،بعدَ شتمِهم وتحقيرِهم ، وبفعلِهِم هذا منحوا الحكومةَ “الحُجَّةَ” للوقوف ضد حرية وكرامة وحقوق المعلمين ، ظنًا منها أنَّ بالإفتاءِ تُعالَجُ القضايا المطلبية العامّة ، بلْ إنَّ الوزيرَ المخلِّصَ تورطَ خلالَ حديثِه التلفزيونيّ في مسألةٍ لمْ يكنْ هناك داعٍ حقيقيّ للتورطِ فيها . كانَ موقفُه مُخَيِّبا للآمالِ.
فيا واعظَ عصرِكَ ، وزمانِكَ تدعمُ دعوةَ الحكومَةِ للاستقواءِ على المُعلمين ورثةُ الأنبياءِ !! لتكونَ بذلك رأسَ حربةٍ في الدفاعِ المباشِرِ والصريحِ عنِ الاستبدادِ،والظلمِ !!أينَ كنتَ ممنْ أساؤا الأمانةَ ،وخانُوا العهدَ ، وباعُوا الوطنَ ؟!!
ألمْ تقُمْ شخصِيًّا بفكِّ عقودِ خمسةِ وعشرينَ معلمًا معاقبة لهم لتعاطفهم مع زملائهم ، وفصلِهم تعسفيًّا مِمَّن يعملون على نظامِ المكافئةِ مع وزارةِ الشبابِ والرياضة، ودون سابقِ إنذارٍ، ، معَ العلمِ أنَّ المبلَغَ الذي كانوا يتقاضُونَه لا يتجاوزُ الستين دينارًا شهريًّاً ، شكَّلَت لبعضِهم مُتنَفسًاً من عجزِ رواتبِ التعليمِ ، وعدمِ كفايتِها لمتطلباتِ الحياةِ الكريمةِ، ولم تُوَجِّهْ لهمْ ولو كلمةَ شكرٍ واحدةٍ على الرغمِ من الدورِ الكبيرِ الذي لعبَه المفصولون في الربطِ المباشرِ بين وزارةِ التربيةِ ( المدارس ) ووزارةِ الشبابِ والرياضةِ ، بحكمِ معرفَتِهم الكاملةِ بالنشاطاتِ التي يحتاجُها أعضاءُ النوادي الرياضيَّةِ ، ومراكزِ الشبابِ والرياضةِ ، ورَفْدِهَا بالعناصرِ الفعاَّلةِ في المجتمعِ المحليِّ ضمنَ مناطقِهِم .وبعدَ ذلك تأتي لتقولَ : أنصفُوا المعلم!!(كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ( الصف3 )
ليس غريبًا أبدًا أنْ يجدَ الداعيةُ المُخَلِّصُ نفسُه، مع رموزٍ تراثيةٍ أخرى، تنتمي لتيارِ النومِ ، والشخيرِ التاريخيِّ ، والتعايشِ معَ الواقعِ الفاسدِ الظالمِ الذي أملى على فضيلتِه بذلَ قُصَارَى جَهْدهِ للدفاعِ ، والتأويلِ ليُثبَّتَ عليها أقوالاً تَشِي ، بلْ وتصرخُ بالظلمِ البَوَاحِ، مُحَاوِلاً التأوُّلَ والتبريرَ، بلْ وحتى الادِّعاءِ بأنَّ إضرابَ المُعلمِين ، واعتصَامَاتِهمْ مُخالفٌ للشرعِ الحنيفِ .
الحكومةُ يا معالِي المُصلِح الاجتماعيّ، كانتْ أحوجُ إلى مَنْ يُعرِّفُهَا بالإسلامِ، بحقوقِ العبادِ، بردِّ المظالمِ،بحسنِ الأداء ، بمحاسبةِ الزبانيةِ، بالتنحِّي، بالقبولِ بالمحاكمةِ ،والعدالةِ تكفيرًا عمَّا اقترَفَتْ يَدَاها، واستعدادًا لمُحاَكَمَةٍ أخْرَويَّةٍ.
لذلكَ كانَ منَ الطبيعيِّ للإعلامِ الرسمِيِّ أنْ يتبنَّي هكذا داعِية ، وخطبه ،ودروسه وترويجَ فتاويه بشكلٍ مستديمٍ ، فَفُرِضَ الرجلُ على عقولِ الناسِ في الوقتِ الذي لمْ يكنْ مسموحًا لغيرِه بالظهورِ عبرَ شاشةِ التلفزيون الحكوميّ بشكلٍ متكررٍ .
والحقيقةُ أنَّ التدقيقَ في فِكرِ الرجلِ يجعلُنَا أمامَ بعضِ الحقائقِ، منها أنَّهُ قدَّمَ نسخةً منقولةً بالمسطرةِ لتيارٍ لعبَ دورًا في جعلِ الفقهِ والعقيدةِ في خدمةِ الأمرِ الواقعِ والتأقلمِ مَعَهُ.
كتب الدكتور على الوردي - رحمه الله - في كتابه الرائع (وعَّاظ السلاطين) يفضح زيفَهم، قائلاً : (الواعظً يُصَفِّقُ للظالمِ، ويبصُقُ فى وجهِ المظلومِ ،ولا يفتأ الواعظون يدعون لأصحابِ السيفِ والسوطِ بطولِ العمرِ فى كلِ صباح و مساءٍ ،فهم يقولون للظالمِ أحسنتَ وللمظلومِ أسأتَ، ويظهرُ مدى النفاقِ الذى يتعاطاهُ الواعظون حيثُ همْ ينذرُونَنَا دَومًا بعذابِ اللهِ بينما هم يَهشّون ويَبِشُّون فى وجوهِ الظلمةِ ،ويقومون لهمْ احترامًا وإجلالاً، فإذا اعتدى أحدُ المترفين على فقيرٍ ،وجدّتَ الواعظِين يضعون اللومَ على عاتِق هذا الفقِير وحدَهُ، بينما إذا أخطأ الفقيرُ مرةً فاعتدى على مُترَفٍ ،قامتْ قيامةُ الوعَّاظِ وأخذتْ مواعظُهُم تنهمرُ على هذا الفقيرِ مِن كلِّ جانبٍ، لقدْ نَسِىَ الواعظون بلْ تناسَوا اللصوصيَّة الكُبرى للظالمِ ،الذى ينهبُ أموالَ الأمَّةِ ويبذِّرُهَا على ملذَّاتِه وملذَّاتِ أبنائِه وأعوانِه، إنَّ مُشكِلَةَ الوعَّاظِ أنَّهم يأخذون جانِبَ الحاكِمِ، ويحاربون المحكومَ ، يتغاضَون عن تعسُّفِهِم ونهبِهم وترفِهم ،ثم يدْعُون لهم بطولِ العمرِ فقد وجدَ الطُغاةُ فى الواعظِين خيرَ عونٍ لهم فى تخديرٍ الناسٍ وإلهائٍهم، فينشغلوا عن ظلمٍ الطغاةٍ وفسَادِهم وطغيانِهم)وصدقَ الله العظيمُ إذيقول :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ(204)وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)(205)البقرة

Montaser1956@hotmail.com



تعليقات القراء

معلم وشايف حالي
اصبح المعلمون هم الحيط الواطي الذي يحاول الكل التسلق عليه للوصول الى مآربه وتنفعه ولكن هيهات لقد ولى زمن الخنوع والذل وستعود هيبة المدرس على احسن حال ان شاء الله كما اراده المعلم سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رغم انف الحاقدين والمتآمرين على سمعة المعلم اقل لك ياشيخنا المبجل جزاك الله عنا معشر المعلمين خير الجزاء .
11-02-2012 07:39 PM
مطرقه و سندان
(المعلمون بين مطرقة الفتوى وسندان الحكومة )
مطرقه و سندان و ....
كمان شويه
كل شعارات .........
الله يجزيك
عنا يالمعاليم
كل الجزاء
و يعطيك
الف عافيه

12-02-2012 11:34 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات