الحكومة تسرق المعلمين


من الذي أعطي الحكومة الحق في أن تأكل أموال الناس بالباطل، جهاراً نهاراً دون أن يرف لها جفن، أو تشعر بأي ذنب؟ أين العدالة يا من أتيت لتحقيق العدالة؟ أنصفت في لاهاي وأجحفت في عمان. أين الشعارات التي أشبعتنا بها في أول عهدك، حتى رفعتنا فوق السحاب وخلتنا سنعيش أياماً كلها عسل وسكر، فما أن جلست حتى استويت بمن قبلك، أشبعونا كلاماً، ولم يقدموا للناس إلا السراب، كل رئيس حكومة يظن أنه الأفضل وأنه المخلص، وهم في المحصلة شخص واحد ولكن بنسخ كربونية متشابهة!
مهزلة الهيكلة قضت على آمال الموظفين بتحقيق أي عدالة، فقد جاءت كمدخل لتقليم رواتب موظفي المؤسسات المستقلة، ولكن الحكومة لم تجرؤ أن تقترب من رواتبهم، فاستقوت على رواتب المعلمين فرفعتها من جانب وخفضتها من جانب، فخرجت رواتبهم عليلة لا زيادة حقيقية فيها، وكل من يقول بغير ذلك جاهل لا يعرف شيئاً، ويهرف بما لا يعرف!
لا يقبل المعلم أن يكون ضحية الهيكلة، وأن يكون الحيط الواطي، ولا تقبل أمة من الأمم الحية أن تكون رواتب معلميها في الدرك الأسفل، وهم الذين في أيديهم كل المستقبل وأمنه وكرامته، وهم المؤتمنون على أطفالهم، وعقولهم وأعراضهم وحياتهم.
الهيكلة مرفوضة بهذه المخرجات المزرية المجحفة بحق المعلمين، والتي أبخستهم حقهم، وأكلت رواتبهم، والتفت على علاواتهم بمبررات أو بمؤامرات أو لتصفية حسابات.
الهيكلة في أساسها هي نوع من التخدير والخداع للناس، للالتفاف على المطالب والحراكات الإصلاحية في الشارع، ولما لم تتوقف الحراكات، تبين للحكومة أنها توشك أن تشرب سمها، فأخرجت الهيكلة بهذا الثوب الهزيل والطعم الكريه، لينشغل الناس بالهيكلة وتصبح هي قضيتهم وخاصة المعلمين السواد الأعظم من موظفي الدولة.
هل سأل رئيس الحكومة نفسه لم لم يعترض أحد من موظفي المؤسسات المستقلة ومعظم موظفي الوزارات الأخرى؟ لأن هؤلاء لم يمسسهم سوء، بل تكرست رواتب موظفي المؤسسات المستقلة، وارتفعت رواتب موظفي الوازرات الأخرى، وكل ذلك على حساب رواتب المعلمين، لأن سرقة رواتب المعلمين هي التي مولت هيكلة رواتب الآخرين. هذه هي إزالة التشوهات كما اكتشف وزير في إبداع غير مسبوق!
علاوة التعليم 100% مكرمة ملكية يجب أن تبقى كما هي بالنسبة نفسها بغض النظر عن الراتب الأساسي. ولا يقبل من الحكومة أن تنقص هذه العلاوة أو تقسطها بعد أن اكتملت، فهي تمارس اختلاساً مكشوفاً، وهضماً للحقوق، وإهانة للمعلمين، واسخفافاً بهم، فالمعلمون لا يشحدون من الحكومة ولا يطالبونها أن تتصدق عليهم، بل لهم حق في أعناق وزارتهم التي تخلت عنهم وتسببت في كل هذه المشكلة وبالذات وزيرها السابق وقيادات الصف الأول فيها الذين أثبتوا أنهم لا يؤتمنون على كوادرهم ولا يدافعون عنهم ولا يطالبون بحقوقهم، بل تخلوا عنهم يوم قدموا لمشروع الهيكلة تصورات مشوهة ومعلومات مغلوطة، لا يرتكبها عاقل.
عروض الحكومة بتجزئة العلاوة على ثلاث سنوات غير مقبولة، لأنها أولاً حق مكتسب للمعلمين، والزمن لا يرجع للوراء، والسرقة تعاد دفعة واحدة ولا تقسط. وثانياً لا ثقة بوعود الحكومات التي انعدمت مصداقيتها، ولو أيقنت الحكومة ببقائها إلى نهاية العام لما وعدت، ولكن وعد من لا يستطيع أن يفي، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
علاوة الإشراف 20% من الراتب الأساسي ولا يجوز أن ينتقص منها شيء مهما كانت الأسباب، كون وظيفة المشرف التربوي هي ارتقاء في السلم الوظيفي من معلم إلى مدير ومن ثم إلى مشرف تربوي، ولا يعقل أو يقبل أن تكون علاوة المشرف أقل من المدير، ليس إنقاصاً من أهمية المدير وأحقيته، بل لأن ذلك يناقض مهمة المشرف التربوي الإشرافية على كل من المعلم والمدير. وهذه العلاوة هي حق مكتسب للمشرف التربوي، ولا ينبغي أن تعمي الحكومة آذانها عن هذه الحقيقة الساطعة إرضاءً لمن يريدون أن يصفوا حسابهم مع المشرفين لمرض في قلوبهم.
علاوة الرتب (10%، 25%، 50%) هي حقوق مكتسبة بذلت لنيلها جهود كبيرة، وهي تعتبر عقداً بين المعلم والوزارة لا يجوز أن تتغير بنوده إلا بموافقة الطرفين، أما أن تنفرد الوزارة والحكومة بتقليص هذه العلاوات فهذا من الجور الذي لا يرضاه الكرام، ولا يمارسه الكرام!
العلاوات الأخرى كعلاوة المرشد والمبرمج وأمين المكتبة والمحاسب وأمين العهدة وغيرها هي حقوق مكتسبة لا يجوز التعدي عليها تحت أي ذريعة كانت، ويجب أن تؤدي حسب نسبتها المقررة أصلاً دون التفاف برقم ثابت كما تريد أن تقترف الحكومة.
الإعلام الرسمي ومن يتبعه من المواقع والصحف تمارس تضليلاً فاضحاً، وهي تستوي مع الحكومة في ظلمها للمعلمين، فالأصل أن لا يتحدث الإعلام عن زيادات أو صرف علاوات، وأن العلاوات تصل إلى 170% عند بعض الفئات في حين أن الحقيقة هي إرجاع مسروقات، فالمعلمون لا يطلبون علاوات جديدة، بل يكافحون من أجل إعادة الأمور إلى نصابها، وأن تعود العلاوات كما كانت بنسبها قبل الهيكلة، وما تمارسه الحكومة هو نصب واحتيال وتجاوز لكل القيم والحقوق الوظيفية ومبادئ العدالة والأمن الوظيفي.
كما أن الإعلام بمختلف أشكاله يرتكب جريمة مهنية عندما يحمل مسؤولية ما يحدث للمعلمين وحدهم، وكأنهم هم من هيكل الرواتب وقلصها وخلق مشكلة من العدم، لماذا يتعامى الإعلام عن الجاني ويترصد الضحية؟! وليهنأ الناطق الرسمي لوزارة التربية بما يصرح به، وأنا على ثقة أنه لا يصدق ما يقول!
أما أهالي الطلبة فهم معذورون، ولكن نطالبهم ببعض الإنصاف، وليكونوا عوناً للمعلم، وليقفوا في صف المظلوم المفترى عليه، المهضوم حقه، فقليل من الصبر والتعاون، سيحقق المراد إن شاء الله، وتعليم أولادكم حق غير منقوص في أعناق المعلمين، فلا تخشوا عليهم، فهم أولادنا لن نفرط فيهم.
المطلوب أن تعود الحكومة إلى رشدها، وأن تعيد الحقوق إلى أصحابها، وليس ذنب المعلمين أن كلفة ذلك تشكل عبئاً على الميزانية، فالمعلمون لم يسرقوا الميزانية ولم يختسلوا الميزانية، ولم يتنزهوا شرقاً وغرباً ولم يتعالجوا في أوروبا على حساب الميزانية، ولم يتحايلوا على الميزانية، لأنهم باختصار أشرف الناس وأطهر الناس وأنظف الناس، ولا ينالهم من الميزانية إلا الفتات، ولا يتطلب إنصافهم إلا حصة فاسد من صفقة واحدة!
الأزمة مع المعلمين صنعتها الحكومة، وهي التي تتحمل نتائجها، وبيدها وحدها تجاوز هذه الأزمة إن كانت حريصة على المصلحة العامة ومصلحة الطلبة، وكفاها تهرباً وإلقاء المسؤولية على غيرها، فهي صاحبة الولاية، وتتحمل كل التبعات، فلا تجمع عجزاً وظلماً وخيبة!
mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

حقوقنا....فقط
يحتار المرئ القارئ لهذا المقال من اين يبدأ...فهل يبدأ بشكر كاتب المقال ام بأصحاب الولايه...حقا كما قالوا ( الشمس لا تغطى بغربال ) هي حقوق واضحة وضح الشمس و ليست مطالب جديده و لكن كنت اتمنى ان يكتمل الموضوع بأنصاف المهندس ( المشرف ) الذي اصلا لا يأخذ علاوة الاشراف و انما المدير المهندس يأخذ علاوة الادارة اليس هذا خلل لم يعالج للاسف حتى اللخظة.... ثم اي علاوة هذه التي يأخذها المهندس التي تقصت 30% بعد الهيكله اي ان مدير المدرسه ستصبح مجموعة علاوته 120% كما المهندس .. بارك الله بك اخي الكريم كاتب المقال حيث انك كتبت فأبدعت و كثر الله من امثالك.
06-02-2012 07:34 PM
محمد يوسف الطراونه \ الكرك
يسلم لسانك يا استاذ موسى والله يجزيك الخير لانك قلت الصحيح في مقالك الفيم والذي يستحق ان يصور ويوزع في كل انحاء المملكة ويستحق ان يعلق في بيوت المعلمين لاهميتة فشكرا لك من جميع معلمي الاردن في بلد ابي الحسين المعظم
06-02-2012 10:55 PM
يسلم لسانك\لسانك حصانك\سراقين
قال تعالى في محكم كتابه العزيز:
" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (المائدة:38)

و قال المصطفى(صلوات الله عليه):
"إنما أهلك من كان

قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف

أقاموا عليه الحد ، وايم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد

سرقت لقطعت يدها ، فأمر النبي بقطع يدها .

رواه البخاري ومسلم


07-02-2012 08:30 AM
حمرون الثليثي
يجب على الجامعات الخاصّة أن تساهم مع الحكومة في دعم المعلمين وتحسين أوضاعهم المعيشية وكذلك شركات الاتصالات .
07-02-2012 10:32 AM
اوضاع
"اوضاعهم"
ورد في كتاب:
"الروض العاطر في نزهة الخاطر"
و هو كتاب تعليمي. من تأليف محمد (أبو عبد الله) بن محمد النفراوي فيما بين عامي 1410 و1434 بناءا على طلب من السلطان عبد العزيز الحفصى سلطان تونس،
"39 وضعا,اضافة الى 6 حراكا,
07-02-2012 01:14 PM
بشير زكي
كل الشكر والمحبه والعرفان للاستاذ الجليل موسى ابو رياش على هذه المقاله والذي سيشكل نبراسا للمعلمين الذين يفتخرون بك .
07-02-2012 01:23 PM
م عمر الفناطسه
عزيزي صاحب التعليق رقم (6) كتبت فأبدعت كما ابدع زميلنا الاساذ موسى الذي نكن له كل الاحترام و التقدير لكلامه الموزون و الذي يفش الغل حقا.
09-02-2012 07:46 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات