الحراك الأردني والسقف المعرفي


حوار دار في جلسة مع الدكتور حلمي الدرادكة ، صاحب الفكر النير ، والعقل المنير ، وكانت هذه المقالة مخاضا لذلك الحوار
ليس ثمة شك في أن المنعم النظر في الحراك الشعبي الاردني ، منذ إرهاصاته إلى يومنا هذا يدرك تماما أنه لم يرق إلى الحجم أو المستوى الذي يتموسق مع حجم التغيير المنشود ، وبعبارة أخرى لم يكن موازيا للتغيير المرحلي ، الذي يتوق إليه المجتمع الاردني بكل أطيافه .
لا مندوحة ان إحداث التغيير ممكن ، ومن الممكن تحقيقه ، ولكن ضمن شروط ، من الواجب التوافق عليها ، والتصالح معها .
أعتقد جازما أننا لا نختلف كثيرا ، بأن البيئة خصبة ، ولكن هل هذا يكفي؟ فصوت المواطن ، بل صوت المجتمع بكل أطيافه ، يجب ان يرقى إلى مستوى الخصوبة ، ذلك لأن التغيير لا يتأتى بالآمال والأمنيات ، بل يأتي بالعمل الجاد ، والإقدام الشجاع ، والإصرار على ذلك ، ولقد أحسن الشاعر حين عبر عن ذلك بقوله :
وما نيل المطالب بالتمني ........... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال .... إذا الإقدام صار لهم ركابا
إنّ الوعي العميق لمتطلبات المرحلة ، والفهم الكافي للتمييز والاختيار ، كفيلان بأن يضعا الأمور في نصابها ، فمعرفة الحقوق والواجبات ، من مستلزمات الوعي والإدراك ، وهنا سؤال يطرح نفسه ، هل مكتسبات الوعي المجتمعي لدى المواطن الأردني تخوله كي يختار النائب المناسب ؟ وهل السقف المعرفي لديه ، يمكّنه من تحديد مواقفه ؟ والكاتب يعتقد جازما ، أن مكتسباتنا المعرفية ، ووعينا لمتطلبات المرحلة ، لا تفي بذلك ، وبخاصة إذا علمنا أن المستجدات المتسارعة ، والظروف التي تمر بها البلاد والمنطقة العربية ، تسير بشكل لا تتوافق ولا تتفق مع متطلبات التغيير ، بدءا من النخب القيادية ، وانتهاء بنوع المعرفة التي لم تتجاوز حد الشعارات ، وللأسف الشديد ، أقول : هذا هو العجز بعينه ، ولا يعني هذا أنني أطلب من المواطنين كلهم درجة الوعي نفسها ، ولكني أطلب أدنى مكتسبات الوعي والمعرفة ، ومما يؤكد هذا المنطق هو آخر مجلس نيابي ، إذ لم يستطع المواطن الأردني أن يفرز مجلسا نيابيا مناسبا ،ولا أن يختار النائب المناسب .
إن استشراء الفساد في السلطة ، وازدياد العجز المجتمعي ، وتدهور أحوال الناس ، وانتفاء العدل والمساواة ، وكبت الحريات ، لم يكن وليد الصدفة ، ولم يكن ابن اللحظة ، وإنما جاء من تراكمات ماض فاسد ، استحوذت فيه فئة على السلطة حتى أصبح في معتقدهم أنهم أصحاب الحق الشرعي لها ، وما دونهم عبيد ورق ، على الرغم من أنهم لايملكون قيد أنملة انتماء لهذا الوطن ، وما انتماؤهم وولاؤهم إلا لمصالحهم الشخصية ، بينما تلك الطبقة المقهورة المعدومة المأزومة هم أصحاب الانتماء والولاء .
أجل ، لقد تدهورت أحوال المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، لاستحواذ تلك الفئة الضالة على مراكز القرار ، وأصبح التوريث يكرس حضوره في كل حقل ، فانتفى العدل وغابت المساواة ، وحيل بين الرجل الكفؤ وبين مكانه المناسب ، ناهيك عن تمسك جيل سابق بمقومات السلطة ، لا يبعدهم عنها إلا الموت ، فحيل بين الشباب الكفؤ والنشط والطموح عن تلك المراكز ، لقد ارتفع مستوى البطالة ، وازدادت نسبة الهجرة لطبقة العلماء الأكفياء والنخب الوطنية ، وانمحت الطبقة الوسطى ، وتفاقمت مساحة الفقر والعوز ، وأصبحنا نرى مجتمعا مأزوما مكبوتا ، يعيش حالا من الاغتراب في وطنه وبين أهله ، على مستوى الأغلبية ، وفي هذا السياق لا أنكر بأن هذه كلها محرضات للثورة على الحكومة ، ومقومات للمطالبة بالتغيير والإصلاح ، ومدعاة لمحاكمة المفسدين ومحاربة الفساد ، حتى يستقيم الظل ، وتستقيم القناة ، ويستقيم انحناء الظهر ، ولكن نظرة دقيقة لمشهد الحراك الشعبي تُظهر لنا أن الحراك جاء مفاجئا ، إذ لم تظهر له مقدمات ولم تنتج عنه سياسات ، وبرامج وخطط يتلمسها المواطن ، بل كانت أشبه ما يسمى بالفزعة التي سرعان ما تهدأ بأفيون الحكومة الذي سرعان ما تقدمه للمواطن ، وقد عودتنا الحكومات السابقة على ذلك ولها تجربة ناجحة فيه ، لذلك نرى أن البرامج والخطط ، هي المنطق والمنطلق الناجح والناجع ، وإن الصخب الفكري هو الأساس ، وإن الإحساس بالمسؤلية والحس الوطني ، هما الأصل ، وإن العدالة الاجتماعية والحريات الشخصية ، هما المقوم والقيّم على ذلك ، أجل ، إن الثورة لم تنطلق من برامج وخطط ولم تتمأسس على الصخب الفكري ولم تنبثق من الإحساس بالمسؤلية والحس الوطني ، ولم تخرج من أفوه النخب الوطنية التي تسهم في تأجيج الحراك الاجتماعي ، بل كانت وليدة تأزم وكبت نفسي واحتقان شعبي ، وفي هذا المقام لا ننكر أن الثورة وإرهاصاتها الاجتماعية موجودة بالفعل ، وظروفها مواتية للعمل ، ولكن منذ أن بدأ الوعي بالتشكل وحتى هذه اللحظة ، لم نشهد لها أية معالم ولا أُطُرَا واضحة تتمأسس على قواعد ثابتة وراسخة ، فالثورة بعيدة عنا الآن ، ذلك لأننا تعودنا على التلقي ولم نتعود على التغيير التلقائي ، فضلا عن أننا استمرأنا الذل والهوان وقبول العبودية ، وثقافة الخوف ، التي كرست حضورها بشكل كبير لدى الأغلبية ؛ فالتغيير لا يأتي بالرفض وإنما بالفرض ، وهذا لا يعني انتفاء بعض الأصوات المطالبة بضرورة التغيير ، فواقعنا ما زال هشا وهزيلا ، عاش في في غيبوبة تاريخية لوقت طويل ، فضلا عن أن التغيير تحصيل حاصل في الوقت الذي يكون فيه قوي وضعيف ، ولكن هل نحن من النوع الاول أم من النوع الثاني ، فالقوي هو الذي يفرض التغيير ، والضعيف يستسلم ويسلم ، ولا شك أننا مستسلمون مسالمون ، على الرغم من وجود بعض القوى ، وصاحبة الراي السديد ، ولكنها صامتة لا صدى لها ولا تُسمِعُ إلا نفسها ، لأن صوتها لنفسها ، وإن حاولت خُنقت أنفاسُها ، ليصبح أثرها ضعيف أو غير مقبول ، ومرفوض ولو على سبيل النفاق بحجة الولاء والانتماء من الكثير ، وباستقراء الواقع المعيش للاردن الاجتماعي والسياسي ومتابعة تشكل الحكومات المتعاقبة ، ونظرة تأمل لمناهجها ووسياساتها ، نلحظ أن تشكلها محكوم بالانتساب إلى الجبهات الرسمية ، والقوى السياسية ، والاقتصادية والعشائرية ، ولم ترق إلى مرحلة الإدراك المجتمعي في التغيير ، كي تفرز النخب الوطنية ، وأكرر مرة اخرى ، أن ذلك لا يعني خلو الأردن من النخب الوطنية ، ولكنها لم تصل إلى حد قيادة المجتمع والقيام بثورة على الفساد ورموزه ، او حتى القيادة السلمية الديمقراطية ، التي تجمع الشعب حولها ، ومن هنا تنتفي القدرة على كسب جولات الصراع مع الحكومات ، بطول نفس ، والتخطيط المدروس والممنهج ، وليس الوقوف في زوايا الضعف ، ولذلك نجد – كثيرَا – ما ينفضُّ الناس من حولها ، وينسلخون منها ، ولا يعودون يثقون بها وبتحركاتها ، فوعينا زيف على زيف ، وحراكنا الاجتماعي يخالطه اليأس ، لأنه لم يقترن باليقظة ولا شعورا بالسؤلية ، ولا ننكر وجودها ولكنها تكرس حضورا على استحياء ، وخجل ناعم ، ولم ترق إلى درجة المماحكة والمطالبة الحثيثة ، والإصرار على التغيير ، والوقوف ضد المألوف الممقوت .
القيادي هو الروح المتحررة من ربقة وصاية السلطة ، والسلطة لا تعني الحكومة فحسب ، بل تتعداها إلى سلطة العشيرة والمجتمع ، والأب وسلطة الأصدقاء وسلطة الفرد .. الخ ، بمعنى آخر أن تمارس القيادة واجباها الاجتماعي وحراكها من دون خوف أو وجل ، أو من دون اللوم أو القلق او من قطع الراتب الشهري ، أو حتى من الاعتقال والتعذيب في السجون ، وهذا بحد ذاته ينبئ بالتحرر من قيود التبعية ، ويسهم في تحرير مجتمع متحرر من السلطة الاجتماعية والسياسية ، إن القيادي لا بد ان يمتلك الوعي الـتأملي وليس الفكر التأملي اليوتيبي ، لأن الوعي الـتأملي ، هو امتلاك زمام الحضور الذهني والمعرفي ، بمعنى اليقظة مقابل الغيبوبة ، فسعة المعرفة ، بما فيها المراحل التاريخية السابقة والحاضرة ، واستشراف المستقبل ( السياسية والاقتصادية والثقافية والاعلامية والقانونية – الدستور – والاجتماعية ودرجة وعي المجتمع ) ضرورة ملحة عند القيادي ، أجل ، إن الوعي التأملي ، يعني شمولية المعرفة النوعية ، لكي يكون القيادي أكثر قدرة على التغيير والتعامل مع المستجدات ، وواعيا للهدف الذي من أجله يطالب بالتغيير ، ولماذا وكيف ومتى السبيل إليه ، وما شرط نجاحه ، ولهذا لا مندوحة أن نطلق عليه صاحب الوعي التأملي ، لأنها لا تعني العبثي ، ولا اليوتيبي – الخيالي- بل هو الأكثر علما ودراسة وبحثا لواقع أفراد المجتمع ، والأغور قراءة للواقع المعيش ، لأنه يتكئ على أريكة معرفية صلبة وركن إدراكي منيع .



تعليقات القراء

سقوفه
اني
بي عندي بكره
صبه
عشان السقف
ان شاء المولى
انها تكون
صحوه و مشمسه
06-02-2012 10:22 AM
اسقوفه
سقوفه
تلفظ
اسقوفه(مفردات طوبرجيه:جمع طوبرجي)
وهي
جمع
سقف
و تأتي
(طبقا لسخاءو جزالة اللغه العربيه على 100 لبوس و لبوس)
06-02-2012 10:40 AM
سقف و اقوفه
و الذي
يأتي
على 100 لبوس و لبوس
يشبهونه
.....
06-02-2012 10:43 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات