مرمطة في الدوائر الحكومية


ينتابني همُّ وغمّ، وقلق وتوتر وحالة من الكآبة، وربما أرق وصداع لمدة أسبوع على الأقل قبل مراجعة أي دائرة حكومية لإنجاز معاملة من المعاملات، ذلك لأني، وبحكم الخبرة والتجربة مع الدوائر الحكومية، أعلم علم اليقين أن يوما عبوسا قمطريرا ينتظرني، وأنني سأدور في حلقة مفرغة ليوم أو أكثر، متنقلا بين المكاتب، يقذفني موظف إلى موظف آخر، ومن دائرة إلى أخرى، وربما من منطقة إلى منطقة أخرى، لأعود من جديد إلى النقطة التي بدأت منها، وقد يلقي أحد الموظفين قرب نهاية الدوام المعاملة في وجهي معلنا انتهاء الدوام، أو متذرعا بأن المعاملة ناقصة ولا بد من استكمالها.

أعترف بأنني مصاب بفوبيا الدوائر الحكومية، ولهذا فإنني أبدأ بالاستعداد لمراجعة الدائرة الحكومية قبل أسبوع من الموعد المرتقب، فأضع في حقيبتي كل ما يلزم وما لا يلزم من الأوراق والوثائق، وأتأكد أن كل ما يمكن أن يكون له علاقة بالمعاملة حتى ولو من بعيد موجود في الحقيبة، وذلك من باب الاحتياط، فقد يخطر ببال موظف الجوازات مثلا أن يطلب صورا عن مؤهلاتي العلمية أو سند التسجيل لقطعة الأرض التي أملكها عند تجديد جواز السفر. ثم أبدأ بالتدرب على كيفية مخاطبة الموظفين واسترضائهم خوفا من أن تتعطل المعاملة إن أنا فشلت في مخاطبتهم بالطريقة التي ترضيهم وتشبع غرورهم، وتعزز فيهم السلطة والسطوة. وبعد ذلك أبدأ بالاستعداد نفسيا للمواجهة المرتقبة في الموعد المرتقب بترويض نفسي على الصبر والتحمل ورسم ابتسامة عريضة إذا غضب الموظف مني وزمجر.

وفي اليوم الموعود، أصحو باكرا وأرتدي ملابسي وأتفقد الأوراق والوثائق التي في حوزتي للمرة الأخيرة قبل التوجه إلى الدائرة. وفي الطريق إلى هناك، أقرأ المعوذتين وغيرهما من قصار السُوّر، داعيا المولى عزَّ وجلّ أن يُيسر لي ابن الحلال فلا أضطر للعودة مرة أخرى لذات المكان.

المشكلة الأساسية تكمن في حقيقة أن بعض موظفي الدوائر الحكومية يتعاملون بفوقية مع الناس، معتقدين أن كل من يقف أمامهم هو أدنى منهم مرتبة، وبالتالي فهو لا يستحق منهم الاهتمام وربما الاحترام، ناسين أو متناسين أن من بين من يقف أمامهم من لا يستطيعون أن يصلوا إلى مرتبته أو مستواه العلمي أو الاجتماعي حتى لو قضوا عمرهم بأكمله في الوظيفة أو الدراسة، كما أن منهم من يعتقد بأن الوظيفة الحكومية تعطيه من السلطة والقوة والجبروت ما يجعله يتحكم في مصائر الناس، فيعمد إلى تعقيد الأمور في وجوههم ومرمطتهم، متوهماً أنه بذلك إنما يصنع لنفسه مجدا ويخلق لنفسه مكانة وأهمية تجعل الناس بحاجة إليه. على هؤلاء الموظفين أن يدركوا بأن وجودهم في هذا المكان ما هو إلا لخدمة الناس، ولولا ذلك لوجدتهم ضمن طوابير الباحثين عن عمل. خدمة الناس واجب يتقاضى عليه الموظفون راتبا شهريا، وليست منَّة أو معروفا.



تعليقات القراء

مروان ابو رمان
سلمت ايها الانسان المثقف,حقا,انه الواقع المرير الذي عانينا ,ونعاني منه لغاية الان.فمقالتك هذه تثلج الصدر بما تعبر من صدق القول ,وحسن العبارة,وخير شاهدا على ما نحن فيه من ازدهار الترهل الاداري !!!!!!!! فلا تبخل علينابقلمك الصادق الامين,وبكلماتك التي تعالج هموم الوطن العزيز.
22-01-2012 05:56 PM
باسم
حقيقة مره نواجهها بأستمرار مع بعض الاستثناءات لبعض الدوائر الحكوميه..ومع أن هذا الموضوع شيء عادي وطبيعي مررنا به جميعا" الا أنه موضوع شائك قد يبدأ بأنتقاد الدولة لتعيين هذا الكم الهائل من القوى العامله وهي تعلم جيدا" أنها لا تحتاجهم..وقد ينتهي أو لا ينتهي بالضغوطات الممارسه على أي حكومة من أجل تعيين أبناء هذا اللواء أو تلك المحافظة...لانه لا يوجد مكان أخر يعملوا به...وما بين هذه المتاهة وتلك لا بد من العروج على موضوع الخصخصة التي قدمت كل المؤسسات التي تم خصخصتها خدمة أفضل للشعب مما كانت عليه الامور وهي تحت الادارة الحكومية....وهذا موضوع شائك ، لان الخصخصة مرفوضة من الشعب بسبب الاعتقاد بأنها وسيلة من وسائل الفساد...ونقطة قد لا تكون الاخيره وهي مهمة جدا" وهي أننا شعب لا يعرف كيف يأتي بالاستثمارات الاجنبيه لارضه وبكل الطرق يرفضها و" يتنمرد " عليها....فمع الربيع العربي كان هناك فرصة لا مثيل لها للاردن بأن يكون بلد جالب للاستثمارات وليس طاردا" لها، ولكن البعض رأى أن مصلحته الشخصيه أهم من المصلحة العامة فقرروا التظاهر والاعتصام بشكل متكرر ومنتظم بحيث أعاد المستثمر التفكير بأن الاردن لم يعد بلدا" أمنا" ومعرض لما يحدث في باقي البلدان...حتى اأن القطاع الاهم لدينا بجلب العملة الصعبه وهو السياحة تم ضربه لان الاردن بنظر العالم الخارجي بلد غير مستقر....!! وسؤالي هنا من نلوم، هل نلوم الحكومة على الرضوخ لمكالب الشعب بالتوظيف والتعيين العشوائي دون حساب التكلفة المادية التي ترهق خزينة الدوله فقط للمحافظة على الاستقرار في الاردن...هل نلوم الشعب الذي قرر أن الحكومة والدولة في وضع حرج وأنهم أضعف من أي وقت مضى ويجب الضغط عليهم لتحقيق المأرب الشخصيه...!! أم نلوم أنفسنا لاننا شعب فوقي متسلط لا أحد منا يقبل بأن يكون أي شخص أفضل منه وكل حسب موقعه وعلمه وعلامه....!!! موضوع بسيط الذي طرحته ولكن لا حل أحادي له فليست المشكلة بالموظف فقط ، أنما أيضا" بالمراجع الذي لا يتبع التعليمات ويجادل في القانون الموضوع ، ويبحث عن الواسطه في أبسط معامله حكوميه. المشكله الاساسيه تبدأ في بيت كل منا وتربيته ومشاهدة طريقة تصرف والده مع الاخرين وتنتقل الى المدرسة التي يعاني المعلم فيها من قلة الراتب فلا يهمه أن درس فلان أو نجح علان...والاهم ما يتم تدريسه في المدارس من أمور عفا عنها الزمن ولا زلنا متمسكين بها. ..ومن ثم ننتقل الى أوقات الفراغ الذي يعاني منها الجميع فلا يوجد لدينا مكان نقضي به وقتنا من منتزهات وحدائق سوى بين البيوت والمجمعات التجاريه مما يؤدي بي الى التساؤل عن سؤ التنظيم في أمانة عمان وباقي البلديات والترخيض العشوائي للمحال بالاضاة الى شوارعنا التي لا تتسع للمارة فكيف ببالك السيارات.... ليس عندنا أي نوع من التنظيم بحيث يحسب الانسان منا ألف حساب أذا أراد أن يأخذ عائلته في نزهة ...لكونه لا يعلم ألى أين يأخذهم فتضييق الشوارع بالسيارات التي لا تعرف وجهتها....مقال أردت به حلا" أو طرح مشكله تواجه البعض يفتح مليون باب ويطرح مليون سؤال ..والمشكله هي الانسان.
22-01-2012 06:45 PM
هذلول
الى الفاضل و الكريم

باسم\تعليق2

تعليق رائع

ولكن ارجو ان تسمح لي بطرح الاسئله التاليه:

(و الاهم منها ان تجيب عليها)

1.ما هي ثقافتك؟

وعلى حساب من؟

2.هل انت موظف؟

و كيف تم توظيفك؟

وما هي نسبه راتبك مع رواتب الاخرين من القطاع العام؟

(هذا ان كنت موظفا,لا اريد ان اعلم مقدار راتبك فهذا من خصوصياتك)

3.هل يكفي راتبك لسداد فواتيرك؟

مع عظيم مودتي و احترامي

بانتظار اجابتك الكريمه
24-01-2012 09:13 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات