في خبرٍ تناقلتهُ بعضُ وسائل الأنباء حول قيام مجموعةٍ من مُنتسبي جمعيّة المُلحدين والعلمانيين والذين يدرسون مختلف العلوم في كلية لندن الجامعية بنشر رسومٍ تسيءُ لشخص النّبي صلى الله عليه وسلم ,بينت هذه الوسائل الإعلاميّة تداعيات هذه الخطوة من استنكار للشبان المسلمين في بريطانيا لهذا الفعل وهدّدوا بتوسيع نطاق الإحتجاجات إذا لم تُزال الصورة من موقع الكلية . وبيَّن نفسُ المصدر بقيام رئيس الجمعية الملحدة بالإستقالة من منصبه لعدم رفع الصورة من موقع الكلية والتي رفض ناشروها رفعها بحجة حرية إبداء الرأي .

والصورة بتفصيلها تصوّر النّبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام يشرب (الشراب ) مع نبيّ الله عيسى عليه السلام في حانة ,وهذه الخطوة فيها استفزاز لمشاعر المسلمين والمسيحيين على حد سواء وإساءة مباشرة للنَّبيَّين الكريمين .

ليس جديداً على أعداء الأنبياء بشكل عام الإساءة لشخوصهم الكريمة ,وليس جديداً أن يُساء لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ,فها هي قريشٌ تُرسل من يقذف على ظهر رسول الله عليه الصلاة والسلام فرث الجزور وهو ساجد في المسجد, وها هم أهل الطائف يرسلوا سفهاءَهم ليُدموا قدمي و وجهَ الرسول الكريم بقذفه بالحجارة ووضع الأشواك في طريقه ,بل وقاموا بشجِّ وجهِهِ الكريم وكسر رُباعيَّته صلى الله عليه وسلم.

وهاهم المشركون من قريش يطردوه خارج مكة ـ في خطوة منهم تدلُّ على العداء الصريح ـ لشخصه ودينه صلى الله عليه وسلم, وغير ذلك من وَصْفِهِ بالسّاحر والمجنون من بني قومه وأحياناً بالشّاعر وتارةً أخرى بالإساءة لآل بيته الأطهار ,الخ من الإساءات المختلفة التي وردت في السِّيَر العطِرة .

إذن فالإساءة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ليست جديدة بل منذ البعثة , وهذا وارد من أعداء الله فهم لا يؤمنون بك ولا يعترفون بديانتك ولا بنبيّك ورسالته الشريفة والتي تقتضي إخراج الناس من الظلمات الى النور.

ولكن الذي من غير الوارد والمرفوض أيضاً هو إساءةُ أبناء الأُمَّة الاسلامية ومن يدَّعون أنّهم أتباعٌ لمحمد عليه صلوات ربه لشخصه الكريم!!

فهاهم مُدَّعوا السَّيْر على نهج محمد صلى الله عليه وسلم لا يُطبّقون حرفاً من الآية التي نادت ب:"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" , ولا يُطبِّقون شيئاً من قوله صلى الله عليه وسلم :"ماأمرتكم به فأتوا منه مااستطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا" , أين من يطبّق أوامر الرسول الكريم ؟! وأين من ينتهي عن نواهيه صلى الله ّعليه وسلم ؟! فالنّبي لا يريدُنا أن نقوم بمظاهرات ضدّ من أساء للنبي الكريم أو أساء للدين إساءات مباشرة , ولا يريدنا صلى الله عليه وسلم إطلاق عبارات الأستنكار أو أن نكتب على بوسترات ملصقة على السيارات والمحلات التجارية عبارة ( كلنا فداء محمد) , بل مايريده النبي عليه أفضلُ الصّلاة والتسليم أن نتمسّك أكثر بنهجه الشريف , وسيرته العطرة , ممتثلين لكلّ ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام في (الصورة) و(السيرة) و(السريرة) , فإذا ما اتَّبعنا نبيَّنا في مظهره ـ وأغلبنا لا نشبهه ـ صلى الله عليه وسلم بل نستهزئ بمن يتشبه بالنبي الكريم , واتّبعناه في سيرته من سلوكات وعبادات بشموليّتها وإحاطتها لكلّ مناحي الحياة , و إذا ما قمنا بتنقية سريرتنا التي أصبحت سوداء حالكة تُجاه بعضنا البعض نحن أبناء الأمة الاسلامية ,فإن ذلك يعني نصرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم .

أما أن نُطلق عبارات الاستهجان , ونثور ثورةً سرعان ما نبردُ بعدها بروداً لا يُحرك فينا ساكناً حتّى لو حُرِقَت كلُّ رموز الدين , ولا نتتبّع الأسلوب والنّهج النبوي بالرَّدِّ على الأعداء وهو التمسك أكثر بالطريق النبوي في نهج حياتنا , فنحن سنكون أسأنا للنبي أكثر من هؤلاء لأنهم وعبر التاريخ يُسيئون لدينٍ يُعادونَهُ ,أمّا أبناء الأمة والسائِرون بِرَكْبها ومحسوبون عليها يبقون عبئاً على هذا الركب وهذه المسيرة لأنهم يسيئون دون أن يعلموا.

الرسالة التي أريدها هنا.... أن نعود عن هَجْرِنا للدّين والإساءة لرموزه قبل أن نطالب أعداء الدين باحترام ديننا.

* امام مسجد عبين الكبير ـ عبين عبلين