هل يحق لنا إسقاط النظام؟


كنا لأشهر مضت تحدثنا مليِّا عن الربيع الأردني من ضمن الربيع العربي، وأشرنا ضمن تحليلاتنا بشكل واضح وصريح إلى السياسات الخشبية التي كانت تتبعها حكومات سابقة باتت مخلوعة، والتي كادت تشعل فتيل الثورة الشعبية في المملكة الأردنية الهاشمية.

وتلك السياسات الحكومية الخشبية تذكر المرء بالشرارة التي أطلقتها سياسات حكومة الكبارتي فجأة عام 1996 والمتمثلة في رفعها سعر الكيلو غرام من الخبز إلى 23 قرشا على غير إرادة الديوان الملكي حينئذ، والذي أراداها إلى 16 قرشا فقط، وحيث كاد رئيس الوزراء الأسبق الكباريتي -بإصراره العجيب على رفع سعر الخبز- أن يشعل أزمة لا تنطفئ لها نيران بين الشعب والعاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال، رحمهما الله، لولا حنكة الملك، \"أبو عبد الله\".

كما أشرنا في ما مضى إلى أن العاهل الأردني عبد الله الثاني سرعان ما تلقف الرسالة الشعبية ولبى نداءات الشعب الكريم المتمثلة في إسقاط تلك الحكومة قبل المنعطف، وكان من بين تلك النداءات مقالة لنا بعنوان \"لنسقط الحكومة قبل المنعطف\"، وهكذا حصل، فقد سقطت حكومة البخيت قبل ذلك العيد في 2011.

واليوم، نود الإشارة أيضا إلى أن الملك، كان أعرب في الديوان الملكي في أغسطس/أب 2011 عن استيائه من أداء بعض القيادات الأمنية التي وصفها بـ\"الديناصورات\"، بدعوى أنها تعمل على تأزيم العلاقة ما بين الشعب والملك.

كل المقدمات أعلاه، نسوقها لنقول إن أزهار الربيع الأردني تختلف في ألوانها عن تلك التي للربيع العربي بشكل عام، ذلك أن الأسرة الهاشمية الكريمة هي التي أسست وأنشأت الوطن الغالي على قلوب الجميع منذ البداية، فكانت إمارة شرق الأردن وأصبحت المملكة الأردنية الهاشمية، بمعنى أن الهاشميين الكرام لم يأتوا بانقلاب عسكري أو مدني، ولا هم استلبوا عروش آخرين، ولا هم سقطوا على سدة حكم سابق بالمظلات.

ومن هنا، فإن الباحث المنصف سرعان ما يجد أن العلاقة في ما بين الأسرة الهاشمية والشعب الأردني الكريم هي علاقة مبنية على المحبة والاحترام المتبادلين بكل المعايير، بل إن المرء ليكاد يمحو مفردات من مثل \"حاكم ومحكوم\" عند الحديث عن متانة الوشائج في ما بين العشائر الأردنية الكريمة وكل ألوان الطيف المكونة للشعب الأردني الكريم، وما بين الأسرة الهاشمية الكريمة.

ولعل هذا ما جعل الملك يصرح باتهامه لأجهزة أمنية معينة بأنها تعمل ضده، وتخلق له مشاكل مع الشارع، لا بل بأنها كانت تعمل ضد والده الراحل الملك الحسين بن طلال، رحمهما الله.

وإذا تفحصنا تصريحات الملك وأمعنا النظر في ألوان طيف الحراك في الشارع الأردني، لوجدنا أن الملك يسعى للإبقاء على علاقته المباشرة مع الشعب الكريم، وأنه بشكل مباشر أو غير مباشر لا يود أن يُصاب أي من أبناء وبنات شعبه الوفي بأذى، من شتى المنابت والأصول، سواء من كان منهم بالزي المدني أو غير ذلك.

ومن هنا أيضا نجد القائد المحبوب يقوم بزياراته الميدانية المكوكية المفاجئة لشتى أنحاء الوطن الغالي، ونراه يلتقي الناس بنفس بساطة وتواضع الهاشميين التي عهدناها منذ فجر تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية، وأكثر، والتي من شأنها توطيد أواصر المحبة والاحترام المتبادلين، ومن هنا تنتفي مفردات \"حاكم ومحكوم\" من قاموس النسيج الأردني الهاشمي تماما، أو تكاد!

وهنا لا بد من القول إنه ليس لأحد من حق في مجرد التفكير بإسقاط النظام أو تغيير النظام، خاصة وأنه نظام قائم على الصراحة والشفافية والحنكة السياسية، ويحظى بمحبة وتقدير أبناء وبنات الشعب من شتى المنابت والأصول، لا بل ويحظى بالتقدير والاحترام المتبادلين أيضا على المستوى المحلي والعربي والإقليمي والدولي والعالمي.

فالهاشميون، ملك عن ملك عن ملك عن أمير فملك عن شريف، مشهود لهم بالخير والبركة والعدالة والسؤددعلى المستوى الأممي، وهم سعوا جاهدين لنصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية، لا بل ونصرة القضايا الإنسانية، برغم هبوب الرياح بين فترة وأخرى، بما لا تشتهي السفن.

إذن أين المشكلة في الربيع الأردني يا ترى إذا كنا نقول إنه ليس هناك من حاكم أو محكوم في مفردات نسيجنا الأردني الهاشمي المتجانس من شتى المنابت والأصول؟ والجواب إن المشكلة لا تكمن في الحاكم أو المحكوم، ولكنها تكمن في الحكومة! ولكن كيف؟

ونقولها باختصار، إن الشعب الأردني الكريم ما فتئ يطالب بالإصلاح الحقيقي الشامل من لدن الملك، أي أن الشعب الكريم يطالب الملك باسترداد حقوقه المسلوبة المتمثلة بالسلطات الشعبية المتفق عليها منذ أن وُضِعَ حجرُ الأساس لإمارة شرق الأردن، فالشعب الكريم يطالب بمطلب عادل يتمثل في ضرورة تسلمه لزمام الأمور، بحيث يحكم نفسه بنفسه برعاية ملكية سامية. وتلك لعمري شريعة المتعاقدين العادلة.

ومن هنا فلا بد من إجراء إصلاحات وتعديلات دستورية فعلية حقيقية، بحيث يتمكن الشعب الكريم من انتخاب حكوماته ورؤساء وزرائه، ويتمكن من انتخاب برلمان يكون بمقدوره محاسبة الحكومات خطوة بخطوة، وبحيث تكون كلمة الشعب الكريم هي الكلمة الفصل.

فالشعب الكريم من شتى المنابت والأصول يريد أن يعرف الحجم الحقيقي لميزانية الدولة عند بداية كل سنة مالية، ويريد أن يحاسب الوزارات والجهات المعنية عن كل قرش، كيف أنفقته ولماذا؟ وبحيث تقدم الحكومة المنتخبة شعبيا كشوفات حساباتها في نهاية العام.

وأما أن يبقى الحبل على الغارب -فتتراكم الديون بالمليارات على رقاب الشعب الأردني، دون حسيب أو رقيب- وبحيث يبقى كبار اللصوص والهوامير والحيتان يرتعون في مراعي المال العام، ويعيثون في مقدرات الوطن وثوابته خرابا وفسادا، فتلك ورب الكعبة مهزلة لا يمكن للشعب الكريم الصبر عليها مُطَوَّلا، خاصة في ظل تفشي البطالة بشكل لم يسبق له مثيل.

ثم أَوَليس من واجبات الدولة تأمين السكن الكريم ولقمة الخبز ووقود التدفئة والرعاية الصحية وتوفير التعليم المجاني لأبناء الشعب الكريم؟! فأين 99% من الشعب الأردني الكريم من كل هذه المتطلبات الأساسية الضرورية لأدنى مستويات العيش الكريم؟! ذلك أن الثروة والسلطة تتركز بأيدي أقل من 1%، وأما النسبة المتبقية، وهي أقل من نصف بالمائة، فهي التي تشكل السرطان الذي بدأ يستشري ويتخذ من خلايا جسد الشعب الأردني الأصيل موضعا ومخبأ مؤقتا له، بانتظار التغلغل مجددا عندما تحين الفرصة، إذاً، فانتبهوا يا أولي الألباب! وتمسكوا بالملك، إلى هنا.

*إعلامي أردني مقيم في دولة قطر.
رئيس وزراء حكومة الظل الأردنية.
Al-qodah@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات