هل سنشهد حرب صهيونية ثانية على غزة؟


لا يمر يوم إلا وهناك أخبار على شاشات التلفزة وشبكة الانترنت عن اعتداءات متكررة من الجيش الإسرائيلي و/أو قطعان المستوطنين على فلسطين المحتلة, من قتل وتقطيع لأشجار الزيتون وأسر واستيلاء على الأراضي الفلسطينية وهدم للمنازل والمساجد.. و.. و.. الخ ويذهب ضحية هذه الاعتداءات الكثير من أبناء فلسطين الذين لا ذنب لهم إلا انهم فلسطينيين..
أما غزة العزة بقيادة حماس فكانت وما زالت الـ "خنجر المسموم" في الخاصرة الإسرائيلية وأمريكا, ذلك لأن إسرائيل وأمريكا وجهان لعملة واحدة, وبالرغم من ان الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة والذي أدى إلى تجويع وتهجير وإهدار قيمة الإنسان فيها لم يتوقف يوماً, فإن إمكانية أن تقوم إسرائيل بشن حرب على قطاع غزة أمر مستبعد في الوقت الحالي, فإسرائيل الآن في وضعية دفاع لا وضعية هجوم, وتسعى للمهادنة والسلم لا للحرب, وذلك لأسباب كثيرة سنحاول أن نذكر خلاصة لأهمها في مقالنا هذا.
فعدا عن الانشقاقات الداخلية بين القادة الإسرائيليين بالغة الأثر في اتخاذ أي قرار من هذا النوع –شن حرب على غزة-, وعدم التأييد لرئيس وزرائها –بنيامين نتنياهو- الذي انخفضت شعبيته كثيرا في ظل الاحتجاجات المتزايدة من الشعب اليهودي نفسه, فهناك انكسار الجيش الإسرائيلي نتيجة للهزيمة التي مُني بها قبل سنتين في حربه على غزة على يد حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى, وكذلك هزيمة الجيش الإسرائيلي مرتين على يد حزب الله في لبنان, مما ولد شعور عام بالانهزام والخوف لدى قيادات وضباط وأفراد الجيش الإسرائيلي, ومع ذلك فإن إمكانية ان يقوم الجيش الإسرائيلي بشن غارات بين الحين والآخر ضد أهل غزة على أن لا يقع في هذه الغارات مدنيين يبقى احتمالاً مطروحاً.
سبب آخر يجعل من إسرائيل في وضعية دفاع وليس في وضعية هجوم ويمنعها من شن حرب على غزة هو اشتعال بعض الدول العربية بالثورات التي أطاحت بالحكام الديكتاتوريين لهذه الدول, هؤلاء الحكام الخونة الذين تحالفوا مع إسرائيل وأمريكا حتى على حساب شعوبهم وأمتهم الإسلامية, فكسر الشباب العربي المتعطش للحرية والعدالة حاجز الصمت بعد أن فاض بهم الذل والهوان على أيدي إسرائيل وامريكا وأتباعها, وأظهر الشباب العربي بثوراته نضوجا فكرياً وتعبوياً منقطع النظير, وبدأ بالنظر إلى القدس بعين الشوق والى اليهود بعين الغضب, ففي مصر كان الإسرائيليون يسيدون على مصر من خلال عميلهم مبارك وكلنا يعلم مدى ولاء حسني مبارك لإسرائيل والغرب.. وكيف ضيق الحصار على أبناء غزة.. مبارك نفسه عمل على خنق الفلسطينيين أكثر من الصهيونية نفسها.. وهو من دعم وأعطى الإذن لإسرائيل لضرب غزة من قبل إسرائيل قبل سنتين. مصر الآن بعد الثورة تشهد مداً ثوريا قد يقود باتجاه إعادة مراجعة العلاقة المصرية الإسرائيلية وإلغاء معاهدة السلام أو تعديلها.
وكذلك من الأسباب التي تجعل إسرائيل في وضعية دفاع لا وضعية هجوم وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم في أكثر من دولة عربية (مصر وتونس والمغرب وليبيا) و"الحبل على الجرار في سوريا", فالربيع العربي غيّر من حسابات كثير من القوى العالمية ومنها إسرائيل وجعلها خائفة من الحكام الإسلاميين الجدد, وجعلها كذلك أضعف من أن تشن حرباً على غزة, فإسرائيل الآن تترقب عن كثب ما سيسفر عنه الربيع العربي والذي لم تتضح نتائجه ومعالمه النهائية بعد, وتقوم إسرائيل الآن بإعادة ترتيب أوراقها طبعاً بمساندة من يقف وراءها ويدعمها في أمريكا وبريطانيا وغيرها من الدول.
كما إن إسرائيل الآن تمر في أسوأ حالاتها, نتيجة للعلاقات المتوترة مع تركيا, وتذبذب علاقاتها مع مصر، بالإضافة إلى علاقة الأردن بإسرائيل والتي تمر في أسوأ حالاتها, وكذلك خسارة إسرائيل لحليفها الرئيس التونسي المخلوع بن علي, وإسرائيل مدركة تماماً بأن الإسلاميين الذين يستلمون الحكم في كل من تركيا ومصر وتونس والمغرب وليبيا –وربما سوريا قريباً- لن يسمحوا بشن حرب جديدة على غزة ولن يقفوا متفرجين إذا حصلت.
لقد وأدت إسرائيل ما يسمى بعملية السلام منذ سنواتها الأولى, والآن ومنذ استلام اليمين المتطرف الإسرائيلي الحكم بقيادة "نتنياهو" فقد توقفت تماماً, فالحكومة الإسرائيلية الحالية لا تبدي أي استعداد لحل القضايا الهامة مثل القدس واللاجئين ولا بوادر لحلها في الأفق, والحكومة الإسرائيلية تضرب القرارات الدولية بعرض الحائط ابتداءً من العمل على زيادة رقعة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية مروراً بتهويد القدس, وليس انتهاءً بالتخطيط لهدم جسر المغاربة وبناء اكبر كنيست يهودي في القدس, مستغلة انشغال العرب بربيعهم العربي, وكذلك إسرائيل لم تعمل على إنهاء ملفي سوريا ولبنان بشأن مرتفعات الجولان ومزارع شبعا.
هناك الكثير من الأحداث التي حصلت حديثا وضيقت الخناق على الحكومة الإسرائيلية منها تراجع الاقتصاد الإسرائيلي, ونجاح صفقة تبادل الأسرى المحررين مقابل الجندي جلعاد شاليط, وتزايد التأييد الدولي بشأن إعلان الدولة الفلسطينية, وحدوث المصالحة بين فتح وحماس, وانشغال القادة الأمريكيين والأوروبيين بأزمتهم الاقتصادية, ناهيك عن تخوف الحكومة الإسرائيلية من الرغبة الإيرانية بزيادة فرض هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط, وإعلان إيران لأكثر من مرة عن رغبتها بمسح إسرائيل عن الخارطة.
إن وجهة إسرائيل وعدوها اللدود الآن هو إيران, ولهذا ستستغل إسرائيل وبالتعاون مع أمريكا بعد أن تعد العدة كاملة الوضع غير المستقر في المنطقة وتعمل على شن حرب شاملة على إيران وحزب الله, بحجة الحد من الهيمنة والتهديدات الإيرانية في المنطقة والقضاء على ترسانتها العسكرية, وستكون حرب عالمية ثالثة تقسم العالم إلى حلفين, حلف يضم كل من أمريكا وإسرائيل أوروبا ومعظم الدول العربية –ومنها الأردن-, والحلف الآخر يضم روسيا وإيران والصين والهند وكوريا الشمالية وغيرها من الدول, وهذه الحرب ستشل وتضعف إسرائيل وتدفعها إلى الكثير من التنازلات أمام العرب مقابل تحالفهم معها في حربها ضد الحلف الآخر وقد يتحقق السلام الحقيقي بين العرب –بما فيهم الفلسطينيين- ويتوصلوا إلى تسوية ما تنهي الصراع بينهم, والحرب العالمية الثالثة كذلك ستؤدي إلى تعزيز التحالف العربي الغربي وذلك مقابل تأييد العرب لأمريكا وإسرائيل والغرب في حربهم ضد الحلف الآخر (إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية والهند وغيرها من الدول).
عُرف عن اليهود منذ زمن بعيد انهم لا يؤتمن جانبهم وليس لهم عهود ولهذا لا أحد يستطيع ان يعرف تماماً ما تخطط له العصابات الصهيونية في تل أبيب. ولكن ما هو بحكم المؤكد انه بهمة الشباب العربي المتعطش لتحرير فلسطين فإن اليوم الذي ستدفع فيه إسرائيل ثمن كل ما أوقعته بالشعب الفلسطيني قد اقترب كثيراً.. فإن الله يُمهل ولا يُهمل.



تعليقات القراء

هذلول
المبدع دوما

الاستاذ هيثم المومني

ابدعت
15-01-2012 07:47 AM
هيثم المومني
شكراً جزيلاً اخي الكريم
15-01-2012 05:03 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات