العنف الجامعي وإعادة إختراع العجلة


منذ سنوات والمؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية في بلدنا تبحث في أسباب ظاهرة العنف الجامعي ومظاهرها ونتائجها وحلولها ،حتى بدت كأنها قضية القضايا ،أو أنها المشكلة الأولى بالرعاية والاهتمام على المستوى الوطني.

وأظن أن انطباعا خاطئا تكون لدى المراقبين بأن التعليم الأردني لا يعاني من أي مشكلات سوى العنف الجامعي،أو أن الأردن لم تعد لديه مشكلات سوى هذه المشكلة. لقد صرفنا وقتا طويلا في الجدل حول حجم المشكلة ،وفيما إذا تحولت إلى ظاهرة أم لا ؟ في محاولة لتجاهلها إبتداء .ثم بدأنا بتنظيم مئات الندوات والمؤتمرات للبحث في الظاهرة الآخذة في التزايد والانتشار ! وتراكمت لدينا نتائج الدراسات وتوصيات المؤتمرات ، ولم يعد أحد يجهل الأسباب والدوافع والنتائج وسبل الحل نظريا . واتضح أن ما نفتقده هو توفر الإرادة لدى الإدارات الجامعية لإحداث التغيير المنشود ،والتقدم خطوة واحدة نحو الحل! فلم يعد مجديا الحديث الاعلامي والتنظيري عن الظاهرة ، إن لم يترافق ذلك مع جملة حلول وسياسات وإجراءات عملية ذات بعد تطبيقي تنفذ بعيدا عن الضجيج المفزع والمسيء لصورة التعليم الأردني والجامعات الأردنية عربيا وعالميا .

إن تحويل ظاهرة العنف الجامعي لقضية وطنية تنغمس مؤسسات الدولة والمجتمع في محاولة معالجتها تدلل على حجم الخيبة التي تعانيها الجامعات ،أكثر مما تدلل على تظافر الجهد الوطني للتصدي للظاهرة. فهل يعقل أن الجامعات بما تتوفر عليه من عقول وخبرات وكفاءات ومراكز دراسات تجلس فزعة أمام عبث طلبتها تنتظر الحلول السحرية الخارجية من الادارات الحكومية والمخاتير والوجهاء !
لم يعد مقبولا أن تعجز الجامعات عن حل أبسط مشكلاتها ،وهي التي ذخرها المجتمع لتقديم الرؤى والأفكار والحلول العلمية لمشكلاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية . المؤسف أن الجامعات لم تعد تتخبط في عثراتها ومشكلاتها وهمومها فحسب،ولم يعد هذا التخبط يحبط التعليم الجامعي وحده، بل إنها أصبحت تتسبب في خلق وتعميم العثرات والمشكلات والهموم لتنثرها في مناحي الحياة كلها.

من المهم أن نقر بأن ظاهرة العنف الجامعي وإن أخذت بعدا إعلاميا كبيرا، ما هي في الحقيقة سوى تعبير عن حشد كبير من المشكلات الجوهرية ، التي يعانيها التعليم العام والعالي، ويتم التلهي عنها بمحاولة معالجة العنف الجامعي .وهذا لا ينفي أن موجات العنف الجامعي المتتالية باتت تضرب هيبة الجامعات والتعليم العالي والأمن الوطني،وأصبحت حدثا متكررا تتواصل تداعياته عبر أيام ممتدة من معارك الكر والفر وحروب الشوارع ليس داخل "الحرم"الجامعي فحسب، وإنما عبر المدن والقرى المحيطة. ولما حاولت الجامعات ووزارة التعليم العالي التصدي للبحث في الظاهرة وجدناها تبحث عن المبررات لا عن العلاج، ووجدناها تتذرع بأن العنف وافد إلى الحرم الجامعي. وجرى الاتكاء على مقولة مفادها أن العنف الجامعي يعد جزءا من حالة عامة تنتشر في المدارس والمستشفيات والشوارع وفي العلاقات اليومية في المجتمع ، في محاولة لإعفاء الجامعات من مسؤوليتها في التغيير والإصلاح والتربية والتوجيه وتعديل السلوك وصناعة القيم وبناء ثقافة جديدة لدى طلبتها ! وفي تجاهل مؤسف لحقيقة أن من أبرز وظائف الجامعة خدمة المجتمع المحلي ومساعدته في حل مشكلاته . الأمر المدهش أن البحث عن مبررات وصل إلى حد ملامسة نظرية المؤامرة والحديث عن "أيدي خفية " تثير العنف في جامعاتنا،وتعمل على تحويل الحياة الجامعية إلى ميدان للمعارك من كل نوع ومستوى.
في اعتقادي بما أنه ليس بوسعنا البحث عن خبير اجنبي لنجدتنا في حل

المشكلة،لذا فإن ورقة علمية واحدة يعدها رؤساء الجامعات الأردنية وعمداء كليات التربية وعمداء شؤون الطلبة ورؤساء المجالس الطلابية فيها ،يمكنها أن ترسم ملامح مواجهة الظاهرة ،مع ضرورة عدم دون اللجوء للتنظير والغوص في الجدل حول من هو المسؤول . باختصار ،لم يعد مطلوبا من الجامعات إعادة إختراع العجلة ، وإنما إدارتها يإتجاه بلورة سياسات وإجراءات عملية قابلة للتطبيق والقياس، لمعالجة الظاهرة ،تتوزع على الشقين الوقائي والعلاجي،وتنظر للمشكلة في سياقاتها المجتمعية والجامعية،وفي أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية .ومن الجيد أنه بات بين أيدينا عدد كبير من الدراسات المهتمة برصد الرؤى المتعددة للمشكلة وحلولها ،من الضروري الافادة منها ونحن نفكر في صياغة الحلول .

Bassam_btoush@yahoo.com



تعليقات القراء

هذلول
الكاتب الكريم

د.بسام البطوش

لقد هرمت و مللت

ان العنف الجامعي هو من نتاج:

الارث الاجتماعي و الثقافي لشعبنا الكريم مقرونا مع عدم احترام الاخرين و االرأي الاخر(في الغالب) و التهاون في تطبيق العقوبات وهو جزء من ذلك الارث.

اما كيف تشكل ذلك الارث فشرحه يطول.

و محاوله اهماله يؤدي الى تفاقمه.



مع عظيم مودتي

جراسا

شكرا
13-01-2012 12:59 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات