عام الثورات


موجة عاتية من الثورات التي هزت أركان العالم العربي عام 2011 سرعان ما تحولت إلى طوفان عنيف امتد على طول طريق الدول العربية التي تحكمها الأنظمة الاستبدادية القمعية، حيث انتفض الشباب العربي ضد حكامه الديكتاتوريين الذين حكموا بلادهم بالحديد والنار لعشرات السنين, فبدأها "البو عزيزي" في تونس وثورة الشباب التونسي ضد زين العابدين وإجباره على الهروب ذليلاً صاغراً واستلام الإسلاميين للحكم بعد فوزهم بالانتخابات. ثم في ميدان التحرير في مصر وثورة الشباب المصري ضد حسني مبارك وإجباره على التنحي ذليلاً صاغراً وهو الآن سجين ينتظر محاكمته من القضاء المصري وها هم الإسلاميين على وشك استلام الحكم بعد الانتخابات النزيهة التي جرت في مصر. ثم في ليبيا حيث استطاع الشباب الليبي أن يجبر القذافي على الهروب بعد أن قتل الآلاف من أبناء شعبه واختبأ كالجرذ في الصحراء الليبية وحين وجده الثوار قاموا بقتله شر قتلة. أما في اليمن وبعد مد وجزر استطاع الشباب اليمني إجبار صالح على التوقيع على المبادرة الخليجية والتنازل عن الرئاسة. وفي المغرب بعد العديد من المظاهرات والمطالبات الشعبية تم تعديل الدستور المغربي وإجراء انتخابات نزيهة استطاع الإسلاميين من خلالها تشكيل حكومة بعد حصولهم على الأكثرية.
وها هو الديكتاتور السوري بشار الأسد على الطريق والله اعلم ما هي نهايته, ورأيي الشخصي انه سيُقتل قتلة شنيعة كما حصل مع القذافي, أو انه سيلجأ إلى حليفته إيران, لأني لا أظن ان هناك دولة أخرى ستقبل باستقباله بعد أن لُطِخَت أيديه بدماء الآلاف من أبناء شعبه, وحتى ما تناقلته وسائل الإعلام عن مفاوضات بين فاروق الشرع –نائب الرئيس السوري- والمسؤولين الروسيين حول لجوء بشار الأسد إلى روسيا فاعتقد انه حتى لو حصل ذلك فانه ما أن تدفع سوريا ثمن بشار الأسد فسوف تبيعه روسيا وتسلمه للسوريين كما باعت القذافي سابقاً, وهناك الكثير من الدلائل في التاريخ التي تشهد ان روسيا تسعى وراء مصلحتها فقط وهي عادة ما تستخدم الفيتو لتقبض ثمنه.
وكذلك فإن هناك أنظمة عربية أخرى ما زالت تحاول بكل الوسائل تجنب مصير الحكام المستبدين الذين أطاحت بهم شعوبهم، مثل السعودية والكويت والبحرين.
أما في الأردن فقد خطا الأردن خطوات جيدة نحو الإصلاح, ولأن الشعب الأردني يتمتع بديمقراطية أعلى منها في الدول العربية الأخرى فقد اقتصر الأمر على مسيرات و/أو مظاهرات و/أو اعتصامات جميعها تطالب بتجفيف منابع الفساد, ومحاسبة الأشخاص الذين نهبوا خيرات هذا الوطن وتحويلهم إلى القضاء, وتطالب بالإصلاح, وقد كان الأمن العام على مستوى عالٍ من الرقي وتحمل المسؤولية في تعامله مع المظاهرات والاعتصامات, أما الشعب الأردني فقد وقف إلى جانب ملكه الحكيم عبد الله الثاني الذي أكد مراراً وتكراراً ان لا أحد فوق القانون وانه لا حصانة لفاسد, وفي هذا إنذار وتنبيه لأشخاص بعينهم استغلوا مناصبهم عندما استلموا المسؤولية ونهبوا المال العام للدولة, وقد حثّ الملك عبد الله الثاني على الإصلاح ومحاربة الفساد منذ توليه الحكم وليس مع بدء الربيع العربي, وقام بتوجيه الحكومات المتعاقبة على أن يكون على رأس أولوياتها الإصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد والاهتمام بالشباب الأردني ومحاربة مشكلتي الفقر والبطالة, وقبل أيام قال الملك في اجتماع له مع بعض النخب السياسية إننا فتحنا باب الإصلاح ولن نغلقه, وهذا يؤكد إصرار الملك على المضي في مسيرة الإصلاح ومحاربة الفساد. وكذلك لا يوجد في الوطن العربي رئيس دولة يقوم بزيارات دورية للقرى النائية والتجمعات السكانية البعيدة والمستشفيات والدوائر الحكومية مثلما يفعل الملك عبد الله متفقداً بنفسه أحوال الناس واحتياجاتهم في هذه الأماكن كما كان يفعل الفاروق عمر بن الخطاب.
لقد انتقلت عدوى الثورات إلى خارج حدود الوطن العربي لتمتد إلى كل من: أمريكا ومظاهرات واعتصامات في عدة مدن أمريكية ضد الأغنياء والنظام الرأسمالي وقام الأمن الأمريكي بقمع المتظاهرين والمعتصمين ومحاولة إسكاتهم, وإلى أوروبا ومظاهرات في عدة دول أوروبية ضد سياسات التقشف وازدياد نسب الفقر والبطالة وإفلاس دول مثل اليونان, والى بريطانيا ومظاهرات مطالبة بالعدالة والمساواة وقام الأمن البريطاني بقمعها وإسكاتها, وإلى روسيا ومظاهرات في موسكو ضد نتائج الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها حزب بوتين ويحاول الأمن الروسي قمعها وإسكاتها, والى دولة الكيان الصهيوني ومظاهرات في عدن مدن ضد الحكومة الصهيونية لتقوم بتوفير مساكن لمواطنيها وضد ازدياد البطالة والفقر في المجتمع الإسرائيلي.
ان السبب الرئيسي لاندلاع الثورات العربية هو نسيان بعض القادة العرب وأنظمتهم لشعوبهم وانشغالهم بجمع المليارات وتكديسها في البنوك الغربية والأمريكية وكذلك حكم دولهم بأسلوب امني قمعي إلى أن أصبحت دولهم مرتعاً للفساد والفقر والبطالة وغابت الإصلاحات السياسية والعدالة الاجتماعية, وانتشرت الواسطة والمحسوبية والشللية والتوريث السياسي, وهذه جميعها أدت إلى جو عام من السخط لدى شعوبهم وأوجدت أرضا خصبة للثورة ضد هؤلاء الحكام الفاسدين, بالرغم من المخاطر الكبيرة التي يدركها هؤلاء الشباب في ثورتهم ضد حكام دولهم, ولعلَ تغلغل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في هذه الدول بين الشباب وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك ساعد كثيرا على إيجاد فضاء حر يجمع شباب هذه الدول ويدفعهم للمطالبة بالتغيير والديمقراطية والحرية والعدل والمساواة, وقد دفعوا الثمن بأن قدموا الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين في ثوراتهم ضد هؤلاء الطغاة.
عندما نتطرق إلى الثورات العربية علينا أن لا ننسى بالدرجة الأولى المشيئة الإلهية, فلولا مشيئة الله لما استطاع هذا الشباب المسلم من الانتصار على حكام دولهم وعصاباتهم المسلحة, التي استخدمت كل الأساليب الوحشية لقمع هذه الثورات, ومن الأمثلة على ذلك الحوار الذي دار بين مذيع الجزيرة واحد القادة الإسلاميين في مصر في برنامج "شاهد على الثورة" والذي يتحدث عن الثورة المصرية حيث قال القائد الإسلامي: انهم بالفعل كانوا يخططون لتحركاتهم ولكن كان هناك دائماً الكثير من الأمور التي كانت تحدث لمصلحة الثورة بإرادة إلهية ودون أن يكون أحد قد خطط لها, فالله عزّ وجل سخر لهؤلاء الشباب الأدوات التي جعلتهم يثورون وينتصرون على هؤلاء الحكام المستبدين.
ولا ننسى هنا أيضاً الدور الكبير الذي لعبته وسائل الإعلام وخاصة قناة "الجزيرة" الفضائية التي ساهمت بشكل كبير عبر تغطيتها المستمرة في نصرة الشباب العربي في ثورته ضد هؤلاء الحكام الديكتاتوريين, وهناك أيضاً الكثير من القنوات الفضائية التي غطت وتغطي الثورات العربية بكل شفافية ونزاهة ومصداقية.
هذه الثورات التي قام بها الشباب العربي لم تخلع الحكام المستبدين فقط, وانما أفشلت مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي كانت قد خططت له أمريكا في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في عام 2004, ومع ذلك فما زالت أمريكا تحاول الالتفاف على هذه الثورات وحرفها إلى الطريق الذي يحقق مصالحها في هذه الدول، مختبئة وراء شعارات الديمقراطية والإصلاح السياسي ودعم مؤسسات المجتمع المدني, ففي حين أن الشباب العربي في الدول التي أطاحت بحكامها فرحين بانتصارهم هناك وراء الكواليس لعبة جديدة لإعادة توزيع النفوذ في الشرق الأوسط, واللاعبين الرئيسيين فيها أمريكا وفرنسا وبعض دول حلف شمال الأطلسي وإيران وبعض الدول العربية. ولذلك نأمل من الشباب العربي في هذه الدول أن يكونوا يقظين وينتبهوا لهذا المخطط وان لا يسمحوا لهذه الدول باختراق صفوفهم وتنفيذ مخططاتها.
أما إيران فهي تلعب دوراً كبيراً في إثارة الفتن في العديد من الدول العربية وتسعى إلى تصدير الثورة الإيرانية, فإيران تدعم بنشاط المنظمات الشيعية والمؤسسات والأحزاب السياسية في كل من لبنان (حزب الله), والعراق, والأردن, والكويت, والإمارات, والبحرين –حيث يشكل الشيعة نسبة 60% من سكان البحرين-, والسعودية –حيث يشكل الشيعة نسبة 10% من سكان السعودية- وغيرها, وهناك مصالح وعلاقات خاصة بين الدوائر الحاكمة في إيران والنظام السوري العلوي –العلويين هم أحد فروع الشيعة-، في حين ان معظم سكان سوريا من السنة, وإيران تسعى للسيطرة على الدول التي تقع على طول ساحل الخليج العربي وتحولها لدول شيعية وذلك لإيجاد منطقة شيعية تحت رعايتها, ومن أوضح الأمثلة على ذلك دعمها لأعمال الشغب التي يقوم بها الشيعة في كل من البحرين والسعودية. لذلك على الدول العربية ان تنتبه جيداً إلى هذا العدو (إيران) الذي يعمل في الخفاء وان تتخذ الاحتياطات الكفيلة لمنعه من تحقيق أهدافه الخبيثة في المنطقة.
إن الحديث عن الثورات العربية يطول ولا يكفي أن نحلله بمقالة واحدة, واننا لنأمل وندعو من الله عزّ وجل أن تكون هذه الثورات بداية دولة الخلافة الإسلامية التي بشرنا بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.



تعليقات القراء

هذلول
و لنهتف معا
لا استقلال ولا استعمار
فليسقط واحد من فوق
مع تحياتي
02-01-2012 10:17 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات