عندما نفقد قيمنا بماذا نفاخر


لا يكاد ينكر احد على أن تركيبة المجتمع الأردني تتكون من ثلاث طبقات ‏اجتماعية أساسية وهي البدو والفلاحين والمدن ولا تكاد طبقة تعترف أو تقر بان أي ‏من الطبقتين الأخريين أفضل منها أو من الممكن أن تكون كذلك وهذه نظرة عنصرية ‏سلبية متأصلة في نفوس الناس لا يكاد ينكرها إلا من لا يستطيع الإدراك.‏
‏ وإذا كان مبدأ التقسيم الطبقي على هذا الشكل يعود لطبيعة المسكن والإقامة سابقا ‏فأنه اليوم ورغم أن كثيرا من أبناء البادية الرحل استقرت بهم الحال إلى سكان قرى ‏أو حتى مدن إلا أن تقسيماتهم الطبقية بقيت ملازمة لهم لأن جوهر التقسيم عدل عن ‏التقسيم المكاني ليصبح تقسيم نفسي وسلوكي وتاريخي، فالمدنيين ينظرون لطبقة ‏البدو على أنها متخلفة وبحاجة إلى سنة ضوئية حتى تلحق بركب التقدم والمدنية ‏وتشاطرها طبقة الفلاحين بذلك الرأي فهذه النظرة للبدو محل إجماع واتفاق بين ‏طبقتي الفلاحين والمدن والبدو من ناحيتهم يرون أنهم أهل الكرم والنخوة والشهامة ‏والرجولة وأنهم بذالك اسبق وان سبقهم غيرهم بمال وحضارة وان خالف احد بكلام ‏نظري غير هذا فالواقع يفرض نفسه ويؤكد ذلك.‏
‏ والأسباب في تولد مثل هذه النظرة عن البدو متعددة فأول هذه الأسباب تعود ‏للظروف المعيشة التي كانت تفرض نفسها على طبقة البدو فهي ظروف قاسية تحتاج ‏إلى مكابدة وجهد فغالبية أبناء البادية كانوا يعتمدون في معيشته على تربية الأغنام ‏والرعي وتتسم حياتهم بالتنقل والترحال كضرورة بقاء، وبقي الأمر على هذا الحال ‏إلى بداية ستينيات القرن المنصرم حيث شرعت الحكومة آنذاك بمشروع توطين ‏البدو أملا منها بتسهيل تقديم الخدمات وتقديم الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية ‏لهذه الفئة من مواطني الدولة، فكان حلم كبير حلمته الحكومة وما إن باشرت بتنفيذه ‏إلا واستيقظت من كابوس أنها غير قادرة على تلبية المتطلبات الخدمية بالشكل ‏المطلوب لعجزها المالي.‏
‏ وبذلك فقد البدو أول ما فقدوا عنصر المرونة في التعايش وهو الترحال والذي ‏بفقده كان لابد لهم من الاستغناء عن قطعان ماشيتهم لعدم القدرة على توفير الأعلاف ‏لهذه الماشية، وبذلك وصلوا إلى نتيجة حقيقية أنهم لا يملكون مصدر دخل يفي ‏بمتطلبات حياتهم اليومية، فلجئوا للتكسب من الزراعة والتجارة وهذه الانقلابية في ‏طريقة العيش على مدى زمني لاحق، أفقدتهم ثاني ما أفقدتهم أسلحتهم والتي كانت ‏احد أهم ثلاثة أشياء في حياة ابن البادية فالسلاح والبيت والركوبة ثلاثة لا تهون في ‏مال البدوي، فوجود السلاح يعني أن البدوي على أهبة الاستعداد ولا يعيقه عن الذب ‏عن المال أو العيال أو المضارب عائق وخير دليل على ذلك إن أول من ناصر ثورة ‏العرب كانوا البدو، ولم تغفل الحكومة هذه الحقيقة واستطاعت أن تعوض ما أمكنها ‏من هذا الجانب بتجنيد اكبر عدد ممكن أن تجنده في صفوف قواتها المسلحة الأمر ‏الذي وفر مصدر دخل مهم لكثير من أبناء البادية وخصوصا منهم الذين لم يستطيعوا ‏أن يتكيفوا مع الزراعة أو التجارة أو لم تتوفر لهم هذه الفرصة.‏
‏ ولم تشفع ستة عقود من انقلاب الأحوال المعيشية بتغيير اسم البداوة عن البدو ‏فتغير نمط المعيشة وطبقتها من البداوة إلى حياة الفلاحين في القرى لم تزد الفلاحين ‏إلا الإصرار على أن البدوي بدوي ولو وضعته على القمر، أما البدوي وبعد هذه ‏العقود يجد نفسه مرغما ومدفوعا على دخول طبقة حياة المدن فعندما دخل طبقة حياة ‏الفلاحة أولا دخلها مزارعا، واليوم إذ يشرع بدخول طبقة حياة المدن فهو يريد أن ‏يدخلها من باب السياسة، هذه المرة يبدو أن متطلبات الدخول في حياة طبقة المدن ‏تتطلب من البدوي أن يدخل معززا بسلاحه الذي فقده سابقا فلابد من جهة تقدم له ‏السلاح والدعم المادي والمعنوي ليكون حارس الوطن من المصلحين، فاهم سمات ‏حياة المدن الرفاهة، و الفساد توأم الرفاهية، والمدنية إذ جاء من يحاسب مترفيها ‏أرسلت بلطجيتها لقمعه وكسر انفه، فهل المدنية تريد منا أن نكون بلطجية حتى ندخل ‏طبقتها ونفقد أخر ما نمتلك من قيمنا وهي شهامتنا وعزنا وكرامتنا التي بقيت لنا ‏لنكون بدو متمدنين؟. ‏

kayedrkibat@gmail.com



تعليقات القراء

حمرون الثليثي
الشكر الجزيل للسيّد كايد الركيبات .... اقتبس ((ليكون حارس الوطن من المصلحين، فاهم سمات ‏حياة المدن الرفاهة، و الفساد توأم الرفاهية، والمدنية إذ جاء من يحاسب مترفيها ‏أرسلت بلطجيتها لقمعه وكسر انفه، فهل المدنية تريد منا أن نكون بلطجية حتى ندخل ‏طبقتها ونفقد أخر ما نمتلك من قيمنا وهي شهامتنا وعزنا وكرامتنا التي بقيت لنا ‏لنكون بدو متمدنين؟.)) إصابة مباشرة في كبد الهدف , فويلي عليهم من عقاب الحديث في غد !! ‏
27-12-2011 12:38 PM
هذلول
الى المبجل حمرون الثليثي:

وينك ,فتشت عليك في كل المقالات,

ما علينا يا حمرون

يقول ديورانت مؤلف مجلدات (11مجلدا)قصة الحضارة(امضى 50 عاما في تأليف ذلك)ان المدنيه كلما فسقت ,تتسلط عليه القبائل البربريه(مع تحفظي عل هذه التسميه,فالبربر هم من حمى الاسلام و المسلمين في الاندلس و شمال افريقيا لمدد طويله)(و حتى لو كنا عالميين فليس هنالك ما يعيب هذه القبائل من شيء, و انما هي تسميه رومانيه لهم,ما علينا)و تسيمهم شتى انواع العذاب,

و الان دور الكاتب الكريم

1.اقتباس(والبدو من ناحيتهم يرون أنهم أهل الكرم والنخوة والشهامة ‏والرجولة )هذا صحيح من ايام الجاهليه الى حد قريب و لكن الايام تغيرت يا سيدي الكريم وانا اعرف بدو كثيرون و من سكان عمان و قامموا بطرد اقارب لهم جاءواللتوسط و المبيت عندهم وقمت انا بواجب الضيافه بالنيابه عنهم وانا مدني ولكني معجب بطباع البدو ولهذا اتخذت لقب هذلول,لذا رجاء لا تعمم.

2.(وبذلك فقد البدو أول ما فقدوا عنصر المرونة في التعايش وهو الترحال والذي ‏بفقده كان لابد لهم من الاستغناء عن قطعان ماشيتهم لعدم القدرة على توفير الأعلاف ‏لهذه الماشية، )استنتاج غير موفق.

3.يدعي لورنس العرب في كتابه:اعمدة الحكم السبعه:

the seven pillars of wisdom

ان البدوي يأنف من تعلم الحرف و يزدريها ومع قدومه الى المدينه تخلف عن اللحاق بالركب مما اضطره الى دخول الجيش و الوظائف الحكوميه.

مع تقديري و احترامي
27-12-2011 04:00 PM
نهاش
(عندما نفقد قيمنا بماذا نفاخر)

نفاخر بالشماغ الاحمر المهدب و القهوه الساده مع الهيل المعطر و طبل سميره توفيق

مع الاعتذار من سميره

و تقديري للكاتب و جراسا للسماح بالراي الاخر
27-12-2011 04:11 PM
هذلول
الى المبجل ....

مع قدوم نهاش

المكان يغص بالاذكياء
27-12-2011 04:24 PM
فاخر المفاخره
نفاخر بأمور لا يسمح بكتابتها للقراء الكرام ... فشوارع عمان ملئى بهن ...!
27-12-2011 07:25 PM
فدعوس الصلصيل
نفاخر بما يلي :
1 شهادات جامعية نزين بها الحيطان وتخفي جهلناوخيبتنا .
2- مهاترات في النت عن بطولات الآباء والأجداد عندما كانوا يأكلون ببعضهم ويعيشون على هامش الحياة .
3- بالقدرة على الدبك والصهل والشتم ,,,,,,,,, وووووووووووووووو
28-12-2011 05:34 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات