هل تغرق محافظة خان يونس في مياهها العادمة؟


وسام وملك أخوة في الخامسة والثانية من العمر, يذهبان مع 3 أطفال من مخيم القطاطوة في غرب خان يونس للهو حول بحيرة صغيرة للمياه العادمة ترقد في الكثبان الرملية علي بعد عدة أمتار من المخيم الذي يصل عدد سكانه إلي حوالي5 آلاف نسمة.
وسام ومللك يموتون غرقا في البحيرة التي تغيب عنها وسائل الأمان وتترك دون مراقبة, الأم التي انتظرت ولادة أطفالها 11 سنة تغيب عن الوعي والأب يعيش الصدمة, جمهور غفير من المعزين جاءوا ومعهم يافطات العزاء المألوفة في قطاع غزة من جهات ومؤسسات مختلفة لتقديم واجب العزاء, وتبدوا علي ملامح البعض منهم علامات الذهول’ وسكان المخيم ما زالوا تحت تأثير الحدث.
بعد انفضاض خيمة العزاء وانصراف المعزين لم تنته القصة بعد, فغرق الأطفال هو مجرد البداية, ومحافظة خان يونس هي محافظة منكوبة , وأكثر ما يبدوا مؤلما فيها هو تدمير البنية التحتية وخاصة تلك التي تتعلق بالمياه العادمه التي تشكل هاجسا حقيقيا لسكان المحافظة البالغ عددهم حوالي 270000نسمة.
يعتمد أكثر من 60% من سكان المحافظة علي آبار الصرف الصحي أو حتى علي القنوات المكشوفة في التخلص من المياه العادمة بينما يتخلص بقية السكان من المياه العادمة بواسطة شبكة أرضية تنتهي في بحيرات للصرف الصحي تقع علي أطراف المدينة , واغلب هذه البحيرات ينقصها الكثير فهي غير مبطنة وغير مسيجة مثل تلك التي غرق فيها وسام وملك.
ينتج سكان المحافظة ما بين 5-6 ملايين كوب مكعب من المياه العادمة سنويا يذهب منها حوالي 1,5 مليون متر مكعب إلي البحر,و1 مليون متر مكعب تمتصه مسطحات المدن والقرى والأودية المحيطة بها وحوالي 3 ملايين كوب مكعب تتسرب إلي الكثبان الرملية وتختلط بالمياه الجوفية مما يؤدي إلي تلويث أكثر من 90% من مصادر المياه الجوفية في المحافظة وارتفاع نسبة الملوحة التي تعرف باسم الكلور في المياه إلي أكثر من 2000 ملجملتر وزيادة نسبة التنترات في اغلب الآبار إلي أكثر من 10 أضعاف النسبة المسموح بها حسب مواصفات منظمة الصحة العالمية.
وقد أدي تجميع المياه العادمة في أحواض مهددة بالانفجار في أي وقت إلي تلويث مساحات واسعة من منطقة الموصي التي تعتبر الخزان الجوفي الوحيد الصالح للشرب. وقد طلبت وزارة الصحة إغلاق عدد كبير من الآبار في المواصي وغيرها لعدم صلاحيتها للاستعمال الآدمي, وطلبت من بلدية حان يونس نقل مياه صالحة للشرب للسكان من خارج المنطقة, وفي فصل الشتاء حيث يرتفع منسوب المياه الجوفية وتختلط مع المياه العادمة وتؤدي إلي إغراق مساحات واسعة من المعدات والمرافق والأراضي والصوبيات الزراعية وهلاك الكثير من الأشجار المثمرة ونفوق الحيوانات.كل هذا يحدث بسبب عدم توفر محطة لتنقية المياه العادمة, علي الرغم من المحاولات الحثيثة التي تجري منذ خمسينيات القرن الماضي لإنشاء محطة لتنقية المياه العادمه.
إسرائيل هي التي تعطل إنشاء تلك المحطة لمعاقبة السكان بالرغم من توفر الأرض والدراسات اللازمة لإنشاء المحطة, وجود الممول الياباني الذي كان علي وشك الإفراج عن التمويل لصلح إنشاء المحطة, ولكن الضغوط الإسرائيلية حالت دون ذلك.
ولكن المشكلة تكمن أيضا في إدارة المياه العادمة التي تقع ضمن مسئولية بلدية خان يونس , وهي بلدية فقيرة مثل باقي البلديات ولا يتوفر لها الدعم المناسب, كما تنقصها الموارد البشرية المناسبة لإدارة المياه العادمة.
سوف يصل عدد سكان محافظة خان يونس في العام 2025 إلي ضعف عددهم الحالي, وسوف تزداد كمية المياه العادمه بالتالي إلي ضعف كميتها الحالية, وعلية سوف تتردي نوعية البيئة والمصادر الطبيعية, وسوف يكون من الصعب جدا استخدام الموارد البيئية مثل المياه لأغراض الشرب أو لأغراض الزراعة.
يقول سكان مخيم القطاطوه أن كل من البلدية ووكالة الغوث التي تقدم العديد من الخدمات إلي المخيم تتنصل من قضية غرق الطفلين, ولكن السؤال الذي يطرح الآن هل ننتظر المزيد من غرق الأطفال ؟ إن تأهيل هذه البحيرات وتأمينها ووضع حراسات مناسبة عليها هو أقل تكلفة بكثير من ثمن تكاليف بيت العزاء.

drkamilshami@yahoo.com

أستاذ جامعي وكاتب
جامعة الأقصى



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات