لا عزاء في العزاء


رجال وقوف متأنقون، يُجمِّدُ وجوههم صقيع ليل كانون الطويل،يرحبون بالقادمين وهم يرتجفون، ثم يدفعونك للدخول..... وروائح ُمُختلطة ٌتستقبلك ،هال ٌ، ،وعطور رخيصة ومترفة ، ودخان سجائر .....روائحٌ أمشاجٌ، تدهمك مع هبوب أول نسمة دفئ تلفح وجهك عند دخولك، وعلى مناضد صغيرة أطباق تمرٍ ، ومناديل معطرة،ودِلالٌ مليئة بالقهوة المرَّة........ وثمة أكثر من مرحب بك يقوم من مكانه مسرعا ليجلسك فيه،عادة رائعة ما تزال متأصلة في العشائر.

هناك في الركن المليء بضباب السجائر ......يقبع ثلة من السفسطائيين، يتكأكؤون على السياسة ويشتتون الحديث ،فتتجمع الأفكار وتتبعثر على المؤامرة الدولية، وتتبعثر وتجتمع عند شلالات الدم ثم تصطدم الرؤى ثم تنتشر،ثم تصعد فوق رؤوسهم، ثم تخرج من مناخر المضافة الموصد بعضها جراء البرد القارص ،ولا يغير أحدٌ رأيه بعد حين برغم إسدال الستارة على آخر فصل في المسرحية، فتتلاشى روائح الحوار،وتبقى روائح الدخان عالقة باثاث المضافة.

في الركن الثاني ثلاثة يتحدثون، في وقت واحد معا، وما من مستمع، فكأنه ثغاء يصدر من كل الانحاء،والحديث ملون ٌبرائحة الكاز، والبندورة، والخيار.

عن اليمين رجل يتباهى!! بكثرة أعماله،ويُسْهب في إفهام من حوله بأنه فريد زمانه، يتحدث عن تجربته في الزواج الثاني،وفي كل ثلاثة كلمات يُدْخِلُ في حديثه جُملةً اعتراضية -في بريطانيا و(زوجتي البريطانية)- وأنا ربما الوحيد من يعلم أنها (باكستانية) فلعل إسلام باكستان لا يقنعه لإظهار الأبهة المطلوبة، لأن الوثائق الشخصية،أعلى من الأعراق والأديان.

ضجيج في المضافة،بعضهم يُصْغونَ لمتعالم ، كمن يستمعون لحكاية في المقاهي الشامية، عن طبقة الأوزون فيدعي بأنها تساوي في حجمها ثلاثة أرباع حجم الكرة الارضية، وأن ما فيها من ثقوب قد أحدثته الصواريخ التي تطلقها ناسا، والأمريكان ينكرون، ليوهمونا أنها من انبعاث الغاز حتى يتحمل أعباء رَتْقِها العرب النفطيون.....على كل ِّحالٍ تبقى وِجْهَةُ سوء ِنَظَرْ.

ويدخل آخر يتبسم بتكلف وبلاهة،ويُغْري من لا ينتبه،الى دُخوله بتوجيه ابتسامته اليه،لعله يحظى بشيءمن الإهتمام ،فهو منذ أيام فقط كان يستجلب الانتباه،عندما اكترى سيارة جديدة،وظن من معالم الفخامة ،أن يطلي سقفها بالأسود،وأن يعلق خلف زجاجها الجانبي من الخلف بذلة،ويطوف فيها في الأسواق ،ويستر عينيه خلف نظارة سوداء، ليرى هل ينتبه الناس اليه .

كل شيء هناك يقال،وكل شيء قيد البحث،وكل الناس يأتون،وكلهم يتحدثون ويفتون ، ولابد أن تقبل بكل الأخطاء رُضوخا ............هناك رجل ٌيفرح دوما بهذه المناسبة الحزينة،حيث لايوجد حزن ٌولا ما يحزنون ،وثمة من يظن أن هناك دفتراً يُدرج فيه أسماءُ المستنكفين عن الحضور،قد أعزم أن لا أذهب ثانية الى هناك............................. فليس من عزاءٍ هناك لأهل العزاءْ.

raid_ali_1970@yahoo.com



تعليقات القراء

محمد العمايره
مقالتك دائما بليغه ياشيخ رائد ومعبره
07-01-2012 10:38 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات