بين واشنطن وموسكو ودمشق


بعد انهيار الاتحاد السوفييتي حاولت روسيا أن تأخذ مكانه, وذلك باعتبارها الدولة الأكبر والأكثر تسليحاً, لكن بسبب ما تعرضت له داخلياً من مشاكل أمنية وانفصالية واقتصادية, وأيضاً نتيجة لتحولها من النظام الاشتراكي إلى النظام الرأسمالي, سبَّبَ ذلك كله تقزيماً لدورها الدولي, ولكن بعد عدة سنوات استطاعت روسيا أن تتجاوز هذه المشاكل وبدأت تحاول أن تلعب دورا دولياً يُحقق لها مصالحها وخاصة الاقتصادية منها, وحاولت أن تجد أسواقا لسلاحها وبضائعها وأن تجد لها موطئ قدم في الشرق الأوسط, وقد نجحت في تحقيق ذلك في كل من سوريا وإيران ودول أخرى, وسطع نجم روسيا بعد مجيء بوتين كرئيس للسلطة ومن ثم رئيساً للوزراء وها هو يستعد للترشح كرئيس لروسيا مرة أخرى, فقد سعى بوتين جدياً إلى العودة بروسيا بقوه إلى المشهد الدولي, وحاول أن يُبقي على روسيا دائماً حاضرة في بؤر الصراع وخصوصا الشرق الأوسط, فروسيا اليوم تحاول أن تستعيد دور القطب الثاني الموازي لأمريكا, فتراها تتدخل في ملفات ساخنة حول العالم, محاوله منها إلى استعاده دور الدولة القطب كما كان الحال أيام الاتحاد السوفييتي, ومن هذه الملفات الساخنة الملف السوري, فبعد أن ثار الشعب السوري ضد نظامه الديكتاتوري القمعي وقفت روسيا مع النظام السوري, ورفضت العقوبات الاقتصادية التي فرضت على سوريا, ورفضت روسيا كذلك أن يقوم حلف الناتو بأي عمل عسكري ضد سوريا, لكن موقف روسيا هذا لم يستمر, فقد باعت نظام الأسد عندما دُفع لها الثمن الذي تريد وتخلت عنه, وتقدمت قبل أيام بورقة إلى مجلس الأمن تدين العنف من قبل النظام السوري بحق شعبه.
لقد برزت الخلافات الأمريكية الروسية بعد اتفاقية (ستارت), وبعد دعم أمريكا لجورجيا, ومنذ ذلك الوقت وأمريكا تحاول سحب البساط تدريجياً من تحت أقدام الروس, خاصة بعد احتلال العراق لأن موقف روسيا آنذاك كان مع الغرب, حيث أغروه بالانضمام لمنظمة الدول الصناعية السبع الكبرى وإلى الآن لم يتم ذلك, ومن الواضح أن الوضع الاقتصادي في روسيا سيء وهي بحاجة لاستمرار النظام السوري والنظام الإيراني لبيعهم صناعتها العسكرية وغيرها, وهذا هو أحد أسباب دفاع روسيا عن النظامين السوري والإيراني, كما ان سوريا هي البلد الوحيد الذي يحتفظ بقاعدة عسكرية روسية على أراضيه -في اللاذقية-, وكذلك لروسيا علاقات اقتصادية بمليارات الدولارات مع سوريا, ولروسيا أهداف أخرى في الوقوف إلى جانب النظام السوري كالسيطرة على منابع الغاز المكتشفة في لبنان، وسورية والبحر المتوسط. فروسيا لا تقف إلى جانب النظام السوري الديكتاتوري القمعي حُباً فيه, ولكن طمعاً في الثروات السورية. ان خسارة النظام السوري أمام الغرب يعني لروسيا انها خسرت آخر معقل لها على البحر الأبيض, وفقدان بوصلة مضيق البسفور المدخل الوحيد للموانئ الروسية, فبسقوط النظام في سوريا يعني تلقائيا إقفال هذه القواعد, وبالتالي خسارة روسيا لآخر معاقلها وأسواقها في الشرق الأوسط, ومن المؤكد كذلك ان روسيا لن تقامر في أي حرب ضد الغرب حتى لو كانت محدودة من أجل سوريا, فروسيا بدعمها للنظام السوري هي فقط تحاول جاهده إيصال رسالة مفادها انها دوله لها حلفاء تريد الحفاظ عليهم, وما نشاهده اليوم من مناورات وتحريك لقطع بحرية في عرض البحر ما هو إلا مناورات روسية لتظهر للعالم انها موجودة وبقوة. ان العلاقة الوثيقة التي تربط روسيا بسوريا ليست إلا علاقة مصلحة وليست صداقة فروسيا تعتبر سوريا موطئ قدم لها في الشرق الأوسط وأسواق لسلاحها وبضائعها.
وفي الجانب الأخر فالعلاقات السورية الأمريكية متوترة منذ سنين, يمكن ان يكون هناك مصالح مشتركه أمريكية إسرائيلية مع النظام السوري بأن لا تقدم سوريا على مهاجمة إسرائيل لاسترجاع الجولان السوري المحتل منذ أكثر من نصف قرن, والذي لم تحاول سوريا مرة واحدة ان تهاجم إسرائيل وتسترجعه, وهذا يؤكد ان النظام السوري غير مهتم بأراضيه المحتلة بقدر ما هو مهتم ببقائه على رأس السلطة في سوريا, وهو بذلك أيضاً يحافظ على امن إسرائيل, وكذلك فعلت روسيا حليفة سوريا فلو كانت مهتمة بحليفتها سوريا أو بفلسطين لما سمحت بعودة مليونين من اليهود الروس إلى إسرائيل, وتبين فيما بعد ان أكثر من 50% منهم ليسوا يهودا. ولأمريكا أيضاً مصلحة أخرى في سوريا فبعد سيطرة أمريكا وحلفائها على الوضع في العراق وتقسيم السودان لم يبقى أعداء لأمريكا إلا سوريا وإيران في منطقة الشرق الأوسط, وهم من أسماهم الرئيس الأمريكي السابق "محور الشر", كذلك فان هناك عمل دءوب من قبل الأمريكيين في محاولة سرقة ثمار الربيع في الدول العربية ومن ضمنها سوريا لتبقى حكومات هذه الدول ضمن الفلك الأمريكي. ان الولايات المتحدة الأمريكية لا يهمها بشكل كبير تطبيق الديموقراطية في سوريا أو عدم تطبيقها, وأن كانت تنادي بذلك, الذي يهم الولايات المتحدة الأمريكية هو الشرق الأوسط الجديد الذي سيتحقق فيه تدفق النفط والغاز إليها ويحقق كذلك السلام لإسرائيل الحليف الاستراتيجي لأميركا, أما بالنسبة لروسيا فان أمريكا ترى انه بات من المناسب اليوم أن تتخلى روسيا عن لعب دور الطفل المشاكس في الصف بمعنى انها لا بد من أن تبدأ بالأكل مع الجماعة –ويقصد هنا بالجماعة أمريكا وحلفائها- على طاولة الشرق الأوسط. وتحاول أمريكا جاهدة بأن تظهر لشعوب المنطقة وللعالم أنها ليست مع الحاكم الذي يقتل شعبه, مع انها قتلت الآلاف من أبناء العراق وأفغانستان.
ان المتفحص للدور التركي المتنامي سيجد ان هناك شد عكسي بين دولتين واقصد هنا كل من روسيا وتركيا، على اعتبار ان الهدف هو إيران والبديل هو تركيا, فإيران بالنسبة لروسيا ليست إلا سوق أو بقرة حلوب تدر الأموال على روسيا من خلال شراء الصناعات العسكرية وأهمها (الصواريخ)، إضافة إلى أنها تعتبر الحدود الجنوبية الغربية لروسيا. ومن المعلوم أن شركات النفط الروسية تمتلك نسب أو حصص كبيرة من النفط الإيراني بطرق مختلفة. وقد نجحت أمريكا وأتباعها مؤخراً في تهديد بوتين بعد نجاح حزبه في الانتخابات وتحريكهم للتظاهرات ضده للضغط عليه كي يبعدوه عن سوريا وعن إيران. فروسيا تدرك جيداً أنه بسقوط سوريا ستتعاظم قوة تركيا والناتو وسيتم الضغط على روسيا عن طريق أجزاء الاتحاد السوفييتي وبالتالي إخماد الدور الروسي للأبد.
ان الحديث عن العلاقات الروسية الأمريكية السورية تطول وتحتاج إلى مجلدات ولهذا سنكتفي بهذه الخلاصة التي نأمل ان يستفيد القارئ الكريم منها, وندعو الله ان يكون في عون الشعب السوري في ثورته ضد الديكتاتور السفاح بشار الأسد (نشار الجسد) ونظامه, وان نرى سوريا قريباً دولة مدنية يسودها العدل والمساواة والحرية.



تعليقات القراء

هذلول
الكاتب الكريم

الاخ هيثم

المقال يحتوي على اراء خليجيه ممزوجه بتمنيات عاطفيه ومخلوطه بمسميات امريكيه على تحليلات غير واقعيه و تناقضات متعدده

انصحك باعاده صياغته

مع عظيم الاحترام
20-12-2011 03:45 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات